الكاتبة إلهام شرشر تكتب: رسالة الأبرار ”85”.. ياليتني قدمت لحياتي
لا زلنا نتواصى أملًا في النجاة من النيران، ونُذكِّر طمعًا أن نكون من أهل الإيمان الذين ينتفعون بالذكرى كما أخبر الرحمن، حين قال: (وذكر فان الذكرى تنفع المؤمنين)
ها نحن نتواصى قبل أن يُنادى: أيتها الأوصال المتقطعة، أيتها العظام البالية...... أيتها الأكفان الفانية، أيتها القلوب الخالية.
نتواصى قبل أن يقوم الناس لرب العالمين... نتواصى قبل أن تقف الخلائق صفًّا للحساب بين يدي مالك يوم الدين.
نتواصى قبل أن تُحشر الخلائق حفاةً عُراة... قبل أن تُنكس رؤوس الجبابرة ويذل الأكاسرة
نتواصى قبل أن تُحشر الوحوش ذليلةً بعد طول توحشها...
نتواصى قبل أن تُقبل السباع منكسرةً بعد ضراوتها
نتواصى قبل أن تُقبل الشياطين خاشعةً بعد تمردها
فالكل أمام الله مجموع.... الكل مجموعٌ رغم اختلاف أصناف الجموع، الجن والإنس والطير والوحوش والسباع والأنعام ، فالذل حينها ينسيهم توحش بعضهم من بعض.
ها هي الخلائق كلها تُجمع بإنسها وجنها ملائكتها وشياطينها وحوشها وسباعها.... الكل معرووووووض على الملك المعبود
فيا له من يوم عصيب ومشهد مهيب يا له من صمت رهيب يا له من وقوفٍ بين يدي الرقيب
عزيزي القارئ في كل مكان
إننا نطمع بل نرجو من الله سبحانه وتعالى في هذا الموقف المهيب والمشهد العصيب الذي يحل فيه الصمت الرهيب أن نكون في زمره الناجين لا الهالكين وأن نفوز برضاه وشفاعة حبيبه ومصطفاه
بعد أن تحدثنا عن الشفاعة وتعرضنا لأسباب إدراكها بدايةً من التوحيد وختامًا بُسكنى المدينة التي نُوّرت بحلوله صلى الله عليه وسلم فيها.... ها نحن اليوم نقف في محطة أُخرى من محطات الآخرة نتعرف على معالمها ونقف على أهوالها، لعل هذا يكون سببًا في نهي أنفسنا عن هواها وإنذارها بالخوف من مولاها، حتى تجب لها الجنة فتكون مثواها ومأواها.
ها نحن هنا في محطة العرض والحساب... محطة الزحام حيث جُمعت كل الخلائق في مكان واحد، لباسهم واحد، وهيئتهم واحدة، ورجاؤهم واحد...
ها نحن في محطة العرض والحساب... حيث يتصبب أهل الموقف عرقًا، كلٌّ على حسب قدره عند الله، فمنهم من يبلغ العرق كعيبة، ومنهم من يبلغ شحمة أُذنيه.
ها هم أهل السماوات يلحقون بأهل الأراضيين في موقفٍ ليس يشبهه موقف، ولقاءٍ ليس كمثله لقاء، في يومٍ تدنو فيه الشمس من رؤوس الخلائق،،، ولا مهرب منها إلا بظل عرش الرحمن..
الكل يترقب... الجميع ينتظر... ماذا سيحدث؟ كيف ستصير الأمور؟؟!!!
يا له من وقوفٍ رهيب بين يدي الكريم الرقيب.. يا لها من مقابلةٍ صعبة أمام صاحب الهيبة والرهبة
كيف لا يكون الموقف مهيب والمشهد رهيب؟ وقد قال- صلى الله عليه وسلم- : (ما منكم من أحدٍ إلا سيُكلِّمُه اللهُ يومَ القيامةِ، ليس بينه وبينه تَرجمانُ، فينظرُ أيْمنَ منه، فلا يرى إلا ما قدَّم، وينظرُ أشأَمَ منه، فلا يرى إلا ما قدَّم، وينظرُ بين يدَيه، فلا يرى إلا النَّارَ تِلقاءَ وجهِه.....).
الله الله من هول الموقف.......... الله الله من يومٍ لا نقدر فيه أن نتماسك من فرط رهبتك وجلال هيبتك وعظمة سلطانك وقدرتك.
يا واحدًا في ملكه ليس له ثاني... يا من إذا قُلت يا مولاي لبّاني
يارب عبدك مـــن عذابك مشفقٌ *** بك مستجيرٌ من لظى النيرانِ
فارحم تضــرعه إليك وحــزنـه *** وامنن عليه اليــوم بالإحسانِ
ها نحن نتودد إليك، نلوذ بك.... نتوكل عليك، نسير في طريقك، نفر إليك، نهرع إليك، ليس لنا سواك فندعوه أن ينجينا وأن يحمينا في هذا الموقف العصيب الذي يرتجف الجميع فيه خوفًا من غضبك، ورهبةً من جلال هيبتك.
ليس لنا سواك فندعوه أن يقينا مرارة الانتظار يوم العرض والحساب...
ليس لنا سواك فندعوه أن يقينا مرارة الانتظار يوم تتطاير الصحف، فينظر الجميع ويترقب هل سيؤتى كتابه بيمينه فيكون من الناجين المفاخرين أم سيؤتى كتابه بشماله فيكون من الهالكين الخائبين.
نستكمل المرة القادمة مع محطةٍ أُخرى ألا وهي محطة (تطاير الصحف) وما يحيطها من ترقّبٍ وطول انتظار، وخوفٍ ووجلٍ من غضب الواحد القهار.
عزيزي القارئ
ليس لسلسلة مقالاتي هذه سوى التذكير بأهوال القيامة والتجول بأفكارنا نحو مراسم البعث والحشر والحساب، أملًا أن نكون من المنتفعين بالذكرى الناجين أمام الله من هذه الأهوال.. يوم لا ينفع بنونٌ ولا مال.