صلاح فضل.. رحلة عطاء في الأدب بالأعلى للثقافة

تحت رعاية الدكتور أحمد فؤاد هنو وزير الثقافة، وبإشراف الدكتور أشرف العزازي الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة نظمت لجنة الدراسات اللغوية ومقررها الدكتور أحمد درويش ندوة بعنوان "صلاح فضل.. حصاد الرحلة" تكريمًا للناقد الكبير الراحل صلاح فضل، وقد أدار المائدة الدكتور شريف الجيار أستاذ النقد والأدب المقارن وعميد كلية الألسن السابق بجامعة بني سويف، والتي بدأها بالحديث عن الراحل الكبير قائلًا: "إن صلاح فضل يأتي في طليعة جيل النقاد الكبار الذين برزوا منذ سبعينيات القرن العشرين، وكان دورهم واضحًا مصريًّا وعربيًّا في إحداث صدمة علمية، وفي التناول النقدي للإبداع العربي ورصد سماته الجمالية ودورها الفني داخل السياق في النص، معتمدين في ذلك على المناهج النقدية الحديثة التي تجلت في النقد الغربي بدءًا من الشكلية الروسية وما نتج عنها من نقل علمية وموضوعية في النقد الأدبي على مستوى العالم، ويعد فضل من البارزين في هذا الجيل الذي يمثل امتدادًا حقيقيًّا للخطاب العلمي التنويري الذي أرثاه عميد الأدب العربي طه حسين وسار على نهجه نقاد كبار على رأسهم محمد مندور، فهو يعد صاحب مشروع نقدي حداثي دؤوب، استطاع استيعاب النقلات المنهجية الغربية التي قرأها مترجمة أو في لغتها وكان تأثيره واضحًا في كتبه المهمة منذ السبعينيات، حيث يضخ في كل دراسة من مشروعه دماء حداثية منهجية جديدة في شرايين النقد الأدبي العربي بما يجدِّد حيويته ويحدث آلياته، وهو في هذا قد استكمل مع أقرانه من الأساتذة الكبار أمثال عبد السلام المسدي ومحمد الهادي الطرابلسي وكمال أبو ديب وجابر عصفور وغيرهم خطابًا نقديًّا حديثًا يعتمد على التجريب والعلم.
وعن افتقاد النقاد الكبار تحدث الدكتور والمترجم الكبير خير دومه حيث قال إنه يفتقد صلاح فضل كما يفتقد جابر عصفور فإن لهم ثقلًا كبيرًا في مصر والعالم العربي، وهذا الفقد كما قال لم يعوض حتى الآن، فإنتاج صلاح فضل كان غزيرًا، فقد بلغت كتبه أكثر من 40 كتابًا في النقد النظري والتطبيقي، كذلك ترجماته ليس فيها كتاب واحد في النقد الأدبي، كما يمتاز إنتاج فضل بالتنوع فقد كانت كتبه وكتاباته جميعها في مجال النقد الأدبي بجميع نظرياته النقدية، ويمكننا أن نقول إن إنتاج صلاح فضل إنتاج "متابع"، فقد كان فضل متابعًا لكل أو معظم ما يخرج من إنتاج إبداعي بجميع أشكاله، وقد مرت مسيرته بعدد من المراحل المهمة، المرحلة الأولى كانت نقل النظريات والمناهج وتحليلها، ثم جاءت المرحلة الثانية التي استغرق فيها معظم وقته في متابعة الأعمال الأدبية، وخرجت في شكل مقالات نقدية وكتب، ثم كانت مرحلته الأنضج وكانت في نهاية الثمانينيات، وكشف فيها عن منجزه المتميز ومشروعه في نقل إجراءات ونظريات للمبدع العربي كالأسلوبية وغيرها فنستطيع أن نقول إن صلاح فضل هو الناقد المجرب، فالجزء الثاني من مسيرته كان جزء التطبيق فنستطيع أن نقول إنه يمكن لكل من يتابع أعماله أن يخرج من النصوص بمناهج جديدة في النقد بدلًا من تطبيق مناهج نقدية جاهزة.
وتحدث الدكتور مجدي توفيق أستاذ النقد الأدبي بكلية الآداب جامعة الفيوم، فوصف الراحل الكبير بأنه الأستاذ الأكاديمي الذي خرج للمجتمع الأدبي كي يتناول مهمة التحليل والنقد، فوجد نفسه في مهمتين متناقضتين وهما شخصية الأكاديمي وشخصية الناقد العام باختلاف تلك الشخصيتين في المعطيات، فكلتاهما شخصيتان متناقضتان تمامًا، وأضاف أنه عرف فضل في السنوات الأخيرة من الثمانينيات وكان قد قرأ له كتابين؛ "منهج الواقعية في الإبداع"، وكتاب "نظرية البنائية في النقد الأدبي"، فقد رأى في أعماله كما قال أستاذًا أكاديميًّا جادًّا، مطلعًا على نظريات العلم الحديثة، ويُعنى بالنظرية النقدية في المقام الأول، فقد كان يكتب بطريقة تبدو محايدة، ولكن بعد أن قرأ له كتابه "منهج الواقعية في الإبداع" أدرك أنه ليبرالي التفكير يحترم الحريات العامة ويصر على حمايتها، فقد كان فضل متمرِّدًا على المركزية الغربية تمامًا في تناوله وتحليله للنصوص والإبداع.
ثم تحدث الناقد الأدبي الدكتور رضا عطية وبدا كلمته بطرح سؤال، وهو ماذا أضاف صلاح فضل الى الفكر النقدي العربي؟
ثم بدأ حديثه واصفًا الدكتور صلاح فضل بأنه ناقد استثنائي وفاتح الطريق وهادٍ إلى طريق الحداثة، وقال إذا كان طه حسين يمثل على مر خمسة عقود من العطاء رأس الفكر النقدي الحديث بما قدمه من اتجاهات فإنه يعتبر الدكتور صلاح فضل هو رأس الفكر النقدي الحداثي في العصر الحديث، وأضاف أن دور صلاح الريادي جعل النقد "علميًّا" يجمع عددًا من قياسات وتشريحات في جسد النص العربي، فإن "فضل" كان يضع نصب عينيه أن دوره كمفكر يتجاوز الممارسات النقدية التقليدية أو العادية كمتابعه الأعمال الأدبية ليشمل الإسهام التأسيسي للنظرية الأدبية والأطروحات النقدية ويتجاوزها إلى ما هو أكبر وأشمل، لذا أستطيع أن أقول إنه صاحب النصيب الأوفر والإنجاز الأكبر في الحداثة النقدية العربية لأنه أكثر نقادنا العرب في آخر نصف قرن تقديمًا للمناهج النقدية الجديدة بدءًا من كتابه بالغ الأهمية "نظرية البنائية في النقد الأدبي"، والذي أصدره في عام 1978 الذي كان بمثابه حجر أساس لبناء البنيوية كمنهج رئيسي غالب في الممارسات النقدية لقراءة الأدب من وقتها وحتى الآن.