ضرب أفضى إلى موت ”حدث بالفعل”
منذ قرابة أسبوعين تفاجئت بالعديد من سيارات الشرطة تطوق الحى الذى أقطنه وبالسؤال عن السبب وجدت أن هناك جريمة قتل وقعت على مقربة من منزلى ضحيتها فتاة لم تكمل عامها العشرون؛ شعرت بالحزن الشديد تجاهها وبالسؤال عن تفاصيل الحادث بشكل أعمق علمت بأنها كانت ضحية للضرب المستمر والتعنيف وسوء المعاملة بالمنزل؛ فقد حاول أحد أفراد الأسرة تأديبها عن طريق توجيه لكمة على وجهها ولكن كان للقدر كلمة أخرى حيث سقطت الفتاة قتيلة على الفور.
هناك فرق شاسع بين الإنضباط وسوء المعاملة فالإنضباط يخرج من إطار المعقول للإفراط عن طريق إصابة الجسد بكدمات أو كسور أو زرع الخوف وفقدان الثقة أو فقدان السيطرة وهو إفتقار لفهم طبيعة الطفل وطرق تربيته بشكل مؤذى يتسبب فى نهايات كارثية مثل التى وقعت وتقع كثيراً؛ الانضباط الصارم محبط ويجعل الطفل غير قادر على التكيف مع المجتمع ومعدوم الثقة بالنفس وغير قادر على تكوين علاقات جيدة صحية وكذلك الشعور بإنعدام القيمة؛ العقاب الجسدى آثاره ضارة خاصة إذا كان منذ سن الطفولة فقد يتبع الطفل حتى مرحلة البلوغ.
فهم يصبحون أكثر عرضة للمشاكل العقلية والصحية؛ وهنا يجب أن يعى الأباء والأمهات بأن الرسالة المرسلة للطفل من خلال ضربه هى رسالة عدوانية؛ وكأنها تذكير مستمر بأنه لا قيمة له أو أنه عديم الفائدة أو غير محبوب أو غير مرغوب فيه؛ فالتهديد بإستخدام العنف الجسدى رسالة عدوانية لها تأثير مهم على الصحة النفسية للطفل فى وقت لاحق من حياته فمع مرور الوقت يستوعب الطفل رسالة العنف ويكبر معتقدًا أن العدوان الجسدى لا بأس به فى مواقف إجتماعية أخرى.
العقاب الجسدى ليس شكلاً أساسيًا من أشكال التأديب؛ لقد نشأ الكثير من الناس فى مجتمعنا وفى مجتمعات أخرى ليكونوا أفراداً مستقيمين منضبطين دون أن يتعرضوا لأى أذى؛ ولا يوجد دليل يشير إلى أن العقاب الجسدى فى الطفولة يحسن السلوك الأخلاقي؛ الذين يفضلون إيذاء جسد الطفل غالبًا ما يعتبرونه رادعًا لكنه يكون خطراً كبيراً لأنه يعلم الطفل الإستمتاع به؛ ويمكن أن يصبح مصدرًا لإثارته؛ وقد يساهم هذا النوع من الإثارة فى التطور اللاحق لإنحرافات البالغين حيث يكون الأذى جزءًا من الشرط الضرورى للإشباع لديهم.
يعتبر الاعتداء أو التهديد بالاعتداء على شخص ما مهما كان عمره جريمة؛ وهذا يشمل أى لمس بشكل مباشر أو غير مباشر لشخص بغض النظر عن مقدار القوة المستخدمة ضده؛ ومن أشكال الجرائم أيضًا تقييد شخص بشكل غير قانونى رغماً عنه على سبيل المثال تقييده أو تقييد حركته إما جسديًا أو من خلال التحكم فى سلوكه بشكل مبالغ فيه مثل الخوف أو الترهيب أو غير ذلك من الوسائل النفسية المماثلة التى يستخدمها الأباء فى التربية.
لا يزال لدينا جيل من الآباء يعرضون أبنائهم للضرب وهو سلوك عدوانى يزيد من غضب الطفل ويحوله فيما بعد لضارب ذو شخصية عدائية عنيفة؛ فحين تختار تأديب طفلك بضربه أو الصراخ فى وجهه فأنت تمنحه بطريقة ما ترخيصًا لضرب من حوله إذا ارتكبوا أى خطأ؛ وقد يشعر أنه لا بأس من ضرب الأشخاص الأصغر أو الأضعف منه؛ الضرب لا يؤذى جسديًا فحسب بل يؤذى عاطفيًا؛ فالتراكمات العاطفية للضرب هى التى تسبب أسوأ الآثار؛ خلافًا للاعتقاد السائد فإن الضرب لا يحسن سلوك الطفل؛ فإذا ضربت طفلك سوف يشفى الألم الجسدى ولكن الألم العاطفى سيبقى معه إلى الأبد فالطفل بالعادة لا ينسى الألم؛ وتذكر أن استراتيجية انضباط طفلك يجب أن تجعله أفضل مما كان عليه وليس العكس.