مؤامرة شركات الأدوية على ”الغلابة” فى مصر
الحكومة اتخذت قرار زيادة الأسعار بضغوط من أصحاب الشركات.. و"الصحة" ترد: رصدنا اختفاء 500 عقار من الأسواق
صيادلة: القرار غير مدروس.. والزيادة ستعود بالنفع فقط على بعض رجال الأعمال
هل هو جشع الصيادلة ورغبتهم فى جنى المزيد من الأرباح، أم أنها ثغرات فى القرار الذى اتخذته وزارة الصحة والخاص بزيادة سعر الدواء بحد أقصى 6 جنيهات للعبوة، التى هى أقل من 30 جنيهًا، تساؤل طرحته "الزمان" للوقوف على حقيقة معاناة المواطن الذى صدم بالزيادة الرهيبة فى أسعار الأدوية، وهو الأمر الذى فسره الخبراء بالمؤامرة التى قادتها شركات الأدوية ضد وزارة الصحة، والتحايل على القرار الصادر من رئاسة مجلس الوزراء لتحقيق مكاسب وثروات على حساب "الغلابة"، ولأن القرار يؤثر على المواطن كانت وجهتنا الأولى هى الشارع، حيث التقينا بعدد من المواطنين لمعرفة مدى تأثير القرار عليهم.
مصطفى الجندى، صاحب الـ64 عامًا، وجدناه جالس أمام إحدى صيدليات حى الدقى، اقتربنا منه فوجدنا أثار الشيخوخة قد اعتلت وجهه البائس، بعد أن أصابته أمراض مزمنة تحتاج إلى ميزانية شهرية تغطى احتياجاته من الدواء ما بين ضغط وسكر وقلب، فى يده اليمنى أمسك بمسبحة، ويشكو ربه قلة حيلته، وفى يده الأخرى أمسك بعلبة دواء "بلافيكس" المخصصة لعلاج أمراض القلب.
بعبارة "حسبى الله ونعم الوكيل" بدأ مصطفى حديثه لـ"الزمان"، وتابع: سعر الدواء "بلافيكس" زاد من 205 جنيهات إلى 370 جنيهًا، رغم أن العبوات الموجودة بالصيدلية مدون عليها الأسعار القديمة ولم تخضع للأسعار الجديدة، وعندما سألت الصيدلى عن السبب كون هذا الصنف غير خاضع بالأساس إلى الزيادة التى أقرتها وزارة الصحة، أجابنى بأن سعر الدولار هو السبب كونه أحد الأدوية التى نستورد موادها الخام.
قرار غير مدروس:
حديثنا مع "الجندى"، كانت بمثابة طرف الخيط الذى التقطناه لمعرفة كواليس القرار الصادم، الذى قضى على آمال المواطن فى الحصول على العلاج بأسعار فى متناول اليد.
أكد الدكتور محمود خطاب، صاحب صيدلية بمنطقة العمرانية، أن السبب الرئيسى فى ارتفاع أسعار الدواء يعود إلى فوضى اتخاذ القرار غير المدروس من قبل وزارة الصحة، خاصة أن مجلس الوزراء لا يعرف شروط التسعيرة الخاصة بالدواء، وكان يجب على الإدارة المركزية للصيدلة وضع آليات لتنفيذ القرار بضوابط محددة تلتزم بها شركات الأدوية، التى حققت مكاسب بملايين الجنيهات على حساب المواطن البسيط.
وتابع خطاب: غرفة صناعة الدواء بمساعدة الدكتور طارق سلمان، مساعد وزير الصحة والسكان لقطاع الصيدلة، خدعوا مجلس الوزراء ووزير الصحة حول آليات تطبيق قرار رفع أسعار الأدوية، والتى تنص على أن الأدوية التى يقل سعرها عن 30 جنيهًا تزيد بحد أقصى 6 جنيهات للعبوة، وكانت الكارثة تطبيق الزيادة على الشريط والحقنة وليست العبوة على نحو 80% من الأدوية، ولأن عددًا ضخمًا من الأدوية تحتوى على أكثر من شريط داخل العبوة الواحدة، ومع زيادة السعر على الشريط وليس العبوة وصلت الزيادة إلى أكثر من 60 % وليست 20 إلى 30 %، وذلك بخلاف 200 صنف تم رفع أسعارها فى يناير الماضى دون الإعلان عنها، ناهيك عن أن القرار تم بأثر رجعى.
وقال الدكتور مختار الهلباوى، صيدلى، إن المستفيد الأول من زيادة الأسعار هى شركات الأدوية، ولن تعود بأى منفعة على الحكومة التى أقرت هذه الزيادة، وهناك عشوائية بالأساس فالقرار لم يصدر من وزارة الصحة حتى الآن، ورغم ذلك تم زيادة السعر فى المقابل، وتخصيص أرقام ساخنة لتلقى الشكاوى من المواطنين، فى حين يعلم قطاع التفتيش الصيدلى بالوزارة أسماء وعناوين الصيدليات التى تخالف قرار وزارة الصحة، وعلى رأسهم سلاسل صيدليات شهيرة.
وتابع الهلباوى، هناك قائمة تضم مجموعة أدوية تم زيادة أسعارها بالمخالفة للقانون، وهى: ونيت لوك 10 72 جنيهًا، وتورسيريتك 20 سعره 54 جنيهًا، ومكستارد 50 بنفيل 126 جنيهًا، وكليكسان 40 إلى 72 جنيهًا، وجابتين 300 وصل سعره 72 جنيهًا، وجابتين 400 سعره 93.6 جنيه، ونسولين مكستارد 100 بنفيل 114 جنيهًا، ترايبليبتال 180 جنيهًا، وليبتور 10 إلى 144 جنيهًا، وكيورام 1 جم 54 جنيهًا، ودافلون أقراص 44.4 جنيه، ونكور 5 و 5 بلاس 27 كونكور 10 و 10 بلاس 43.2 جنيه، كما ارتفعت أسعار المضادات الحيوية، حيث ارتفع سعرها من 40 جنيهًا إلى 60 جنيهًا للأول و62 جنيهًا للثانى، وعقار الفوراديل 104 جنيهات، وترايليبتال 120 جنيهًا، حتى تضمن الحكومة أن سعر 17 جنيهًا هو السعر المتوسط، فمتوسط السعر الاستثمارى 10 والحكومى 5 جنيهات.
المؤامرة :
أكد مصدر مطلع بوزارة الصحة، أن قرار زيادة سعر الدواء تم بناءً على تقرير أعده صاحب سلسلة صيدليات شهيرة بالتنسيق مع بعض أصحاب شركات الأدوية، وسبق هذا التقرير سلسلة اجتماعات عقدها وزير الصحة الدكتور أحمد عماد، مع أصحاب شركات الأدوية وغرفة صناعة الدواء المصرية وبعض أصحاب شركات قطاع الدواء العام؛ للتأثير على الوزير من أجل تحريك الأسعار، إلا أن الوزير رفض أكثر من مرة الموافقة على رفعها بدعوى دراسة إبعاد القرار، وأخذ رأى مستشاريه المتخصصين فى قطاع الدواء، ومع الزيادة فى سعر الدولار لم يكن هناك سبيل أمام الحكومة سوى إقرار الزيادة، خاصة أن هناك 500 صنف لا يتم تصنيعهم فى الوقت الراهن؛ بسبب أزمة الدولار لأن موادهم الخام يتم استيرادها من الخارج.
من جانبه، قال الدكتور عمر سعد، نائب مدير إدارة التفتيش بهيئة شئون الصيدلية، إن وزارة الصحة قررت تجميد العمل مع شركة "مالتى فارما" لمدة ثلاثة أسابيع؛ بسبب موقفها من عدم توفير الأدوية، خصوصًا دواء عقار "أندوكسان" الخاص بمرض السرطان، بالإضافة إلى تجميد عمل ما يقرب من 42 شركة أدوية؛ بسبب عدم التزامها بقرار وزارة الصحة بالتسعيرة المحددة، والتى تنص على ارتفاع سعر الدواء بقيمة 6 جنيهات بدلًا من ارتفاع أسعار الدواء على الشريط بدلًا من العلبة، ومن هنا باتت دوريات التفتيش تعمل لمدة 24 ساعة على مدار اليوم على مستوى المحافظات، وعليه تم تجميد عمل شركة "هيرو" للدواء لمدة ثلاثة أسابيع، بعدما تبين أنها غير ملتزمة بقرار وزارة الصحة، وتم إخفاء العديد من الأدوية وهى "أندوكسان وبلافيس لأمراض الهيوفليا والأنسولين لمرض السكر"، وقاموا برفع سعر دواء "أوجمتين" لسعر 85 بدلًا من 30 جنيهًا، كما تم تجميد عمل شركة "فيرن" للعقاقير لمدة ثلاثة أسابيع، بعد إخفاء العديد من العقارات لمرض السرطان وضمور العضلات، وقامت بوضع تسعيرة مخالفة لقرار الصحة، كذلك تجميد العمل لشركة "بروفين" لمدة أسبوعين؛ بسبب إخفاء المنتج من الصيدليات حتى يتم الاستقرار على سعره، وتم تجميد شركة "فارست"؛ بسبب إخفاء عقارات بانادول للأطفال، التى يتم استيرادها من الخارج، وإخفاء الأنسولين، وتم تجميد نشاطها لمدة ثلاثة أسابيع، وهناك العديد من الشركات التى تم تجميد نشاطها.
وفى سياق متصل، أكد الدكتور الصيدلى حسن علام، بهيئة شئون الصيدلة، أن هناك ما يقرب من 500 عقار اختفوا من الأسواق، خصوصًا "أندوكسان والأنسولين"، وعقارات مرضى الأورام والهيموفليا، وتبين من خلال البحث أن شركات الدواء المنتجة لهذا العقار قامت بإخفائه من الأسواق لحين الاستقرار على تسعيره، بجانب أن دوريات إدارة التفتيش تستمر لمدة 24 ساعة يوميًا حتى نرصد مدى التزام الصيدليات بالتسعيرة التى قررتها وزارة الصحة، وهى 6 جنيهات على العلبة وليس على الأشرطة.