الكاتبة إلهام شرشر تكتب: نقطة.. ومن أول السطر
معلومٌ أن الله سبحانه وتعالى ما خلقنا عبثًا، وإنما خلقنا لغاية نعلمها جيدًا ألا وهي العبادة، قال تعالى: «وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُون».
هذه حقيقةٌ ثابتة، وقاعدةٌ راسخة.. أعلم تمام اليقين أنها من المسلمات، لكنني أُذكركم ونفسي بها حتى لا تغيب عن أعيننا، وما ذلك إلا لأن الله أمر حبيبه –صلى الله عليه وسلم- بالتذكير بها حتى ينتفع المؤمنون.
ولأن الله يعلم طبيعة الخلائق التي خلقها - كما قال في سورة الملك (أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ)- وأنها ستنشغل بالأرزاق والأقوات لدرجةٍ تُثنيهم عن العبادة، أتبع هذه الحقيقة بالحديث عن الأرزاق، ليؤكد لكل مشغولٍ بالدنيا منهمكٍ في الإقبال عليها أن قضية الأرزاق محسومة، وأن الحكم فيها صادرٌ ممن لا تعقيب على كلامه ولا استئناف لحكمه سبحانه.
إذ قال جل جلاله: (مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ، إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ).
فعلينا أن ننتبه إلى أن الحياة ليست سهلة وأن الاختبار ليس بسيط وإلا ما قال الله سبحانه وتعالى في صدر سورة العنكبوت (أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (.
ومن هنا فليعلم الجميع أن الدنيا غرورة قد ينغمس فيها الإنسان دون أن يدري فتنسيه ما خُلِق لأجله،،،، فعلينا أن ننتبه لكل خطواتنا وقراراتنا ومعاملاتنا طيلة الخمس عشرة ساعة التي نستيقظ خلالها، وأن لا نجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا.
علينا أن نوازن بين العمل والعبادة، أن نضع أحدى أعيننا على الآخرة والأخرى على الدنيا، فلا تطغى أحداهما على الأُخرى، قال تعالى: (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ ۖ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ۖ وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ ۖ (.
الدنيا ساحة سباق، فمن أدرك حقيقتها اتخذها مزرعة للآخرة وسارع في الخيرات، لينال عند الله أعالي الدرجات.. وهذا النوع من التنافس مطلوب، فمن نافسك في دنيا فاتركها له، ومن نافسك في الدين فنافسه، فهذا هو الذي قال الحق فيه: "وفي ذلك فليتنافس المتنافسون".
علينا أن ننتبه إلى أن العبادة الحقيقة لا تتنافي مع العمل والسعي وابتغاء الرزق الحلال، بل لابد من الجمع بينهما مع مراعاة فقه الأولويات بأن يكون الحرص على العبادة في المقام الأول، ثم يليه العمل في المرتبة اللاحقة، وهذا ما تُعلمنا إياه الآية الكريمة التي قال الله فيها: (فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ(.
ودعوني أختم بهذه القصة التي تنم عن جمع ديننا الحنيف بين الدنيا والأُخرى، وتؤكد أن الدين لا يتعارض مع حركة الحياة بل يتكامل معها، وأن خير الأمور الوسط... وهي قصة الثلاثة الذين ذهبوا إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادته، فلما أُخبروا بها.... كأنهم استقلوها، وقالوا أين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم، قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر..... فقال أحدهم: أما أنا فأصلي الليل أبدًا، وقال الآخر وأنا أصوم الدهر ولا أفطر، وقال الآخر وأنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدًا.
فلما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم علمهم أنه لا رهبانية في الإسلام، فقال: «أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني».
عزيزي القارئ
ما أردت من مقالتي هذه إلا أن أُجلي عن قلبي وقلبك صدأ الذنوب والآثام، وأحيي في نفسي ونفسك ما ينفعنا أمام الملك العلام، فليقف كلٌّ منا مع نفسه وقفةً يعيد بها ترتيب الأولويات لتحلو الحياة ويحلو الممات، فنكون من أصحاب الرضا في الدنيا، والسعادة في الآخرة...... لكم تحياتي في الختام.