الكاتبة الصحفية إلهام شرشر تكتب: «الحبيب» ينتصر على نفسه
لازلنا نستنشق عبير حضرة النبي الكريم - صلى الله عليه وآله وسلّم- في ذكراه العطرة التي كلما حلّت هاجت المشاعر بالحنين إليه، وحلّقت الأرواح بعيدًا لتُرسل السلام عليه.
فصلوات الله وسلامه عليك يا أنيس روحي.........
صلوات الله وسلامه عليك يا بلسم جروحي.......
صلوات الله وسلامه عليك يا صاحب التاج والمعراج والبراق والعلم.......
صلوات الله وسلامه عليك يا من يدفع الله بك البلاء والوباء والمرض والألم
ها أنا ذا أتجول في بستان سيرتك الخلّاب، الذي يأوي إليه الحاضرون والأعراب، محاولةً أن أصف عظمة شخصيتك رغم يقيني أن هذا مما يعجز عنه الأدباء والكُتّاب، فقد كنت كاملًا مكملًا، طاهرًا مطهّرًا، معطّرًا منور، لا تُدرَك حقيقتك البهية ولا يرقى خيالٌ إلى كمالاتك العلية.
وصدق الإمام البوصيري حين امتدحك في بردته الشهيرة، قائلًا:
أعْيَ الْوَرٰى فَهْمُ مَعْنَاهُ فَلَيْسَ يُرى لِلْقُرب وَالْبعْد مِنْهُ غَيْر مُنْفَحمِ
مما سبق، يتبين لي ولك عزيزي القارئ لماذا لا تنفد الكلمات حين نتحدث عن سيد السادات، ولماذا ينتهي المقال سريعًا قبل أن يبدأ على الرغم من انسياب الكلمات.... الجواب يتضح من عنوانه (فالكلام هنا عن بشرٍ لم يخلق مثله بشر)، الكلام عن كاملٍ مكمل، زوجته وابنته حازتا نصف كمال العالم من لدن آدم عليه السلام إلى يوم القيامة.
صدقوني... إنني حين أهم بالكتابة عن حضرة الجناب النبوي، لا أفعل شيئًا سوي أن أغمض عيني وأطلق روحي فتهيج أشواقي وتهيم روحي وتنساب كلماتي وتفيض عبراتي وتعلو آهاتي شوقًا وعشقًا وصبابةً لهذا الذي نعيش في ضوء نوره الذي عمّ الكون.
الآن عرفت جيدًا، لماذا انتهى مقالي السابق وأنا ما زلت أقدم له، فالعينة بيّنة... ها هي الكلمات تتدفق وتأتي طواعيةً لتعلن استعدادها التام للصياغة والتعبير عن عبير صاحب السيرة العطرة.
فشرفُ للكلام والمتكلم، وشرفُ للمكتوب والكاتب أن يكونا سببًا لوصف هذه الأنوار الإلهية والأسرار الربّانية...
شرفٌ لي أن أذكرك يا شمس الهدى
شرفٌ لي أن أذكرك يا بدر الدجى
شرفٌ لي أن أذكرك يا سيد الكونين
شرفٌ لي أن أذكرك يا شفيع الثقلين
شرفٌ لي أن أذكرك يا مصباح الظلم
شرفٌ لي أن أذكرك يا سيد العرب والعجم
هيا بنا نجدد العهد الذي بدأناه، لنتعرض في كل مرةٍ لنسمةٍ من نسمات رسول الله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن والاه، نذكر بعضنا بسيرته ونتعرض لجوانب العظمة في شخصيته... واضعين نصب أعيننا أن عظمته تعالت على كل عظمة وأن بشريته تسامت عن كل البشرية، كما دللنا على ذلك في المرة السابقة.
فقد كان كل خلق من أخلاقه صلى الله عليه وسلم آيةٌ تتلى كما وصفت أم المؤمنين عائشة بأن (خُلقه القرآن) ، وقد كان عظيمًا جمع العظمة من أطرافها.
اليوم نتناول طرفًا آخر من أطراف عظمة شخصيته آملين أن يتسع المقام حتى يكتمل الكلام،،، فإذا كانت العظمة تتحقق بأي نوعٍ من القوة، فما بالنا بمن جمع كل أنواع القوة، ولم يكتف بالقوتين المادية والروحية، بل زاد عليهما قوة أكبر وهي قوة الخُلُق، إذ استطاع أن ينتصر على النفس وغرائزها.
نعم لقد انتصر على نفسه؟ فقد عفا عن وحشي قاتل عمه حمزة بن عبدالمطلب حين جاءه مسلمًا مستسلمًا، متناسيًا ما ذرف من ماء العيون على أحب الناس إليه وأعزهم عليه.
من منا يوضع في مثل هذا الموضع ولا ينتصر لنفسه؟؟؟؟؟!!!!!!!!
من منا يُوضع هذا الموضع فيعفو كما عفا النبي صلى الله عليه وسلم؟!!!!
صحيح أنه صلى الله عليه وسلم غلبته بطبيعته البشرية التي جُبل عليها فقال لوحشي: (لا تجعلني أراك) فكان يتوارى عن عينيه،،، لكن هذا مما لا يؤاخذ عليه المصطفى طالما أنه لم يخالف الشرع ولم يضر بهذا الرجل، بل ولا يُنسينا انتصاره صلى الله عليه وسلم على نفسها وهواها وميولها بعفوه عنه.
لقد انتصر على نفسه حين بايع هند امرأة أبي سفيان، التي كانت أشد الناس حقدًا عليه
لقد انتصر على نفسه حين قبل إسلام هند، بعد أن فعلت ما لا يفعله بشر بل ولا حيوان ولا ذئب...ز حين شقّت عن صدر حمزة بن عبدالمطلب وأخرجت كبده فلاكتْه.
لقد انتصر –صلى الله عليه وسلم- حين عفا عن أهل الطائف، رغم ما لاقاه منهم من ألوان الأذى؟
انتصر على نفسه حين عفا عنهم بعد أن قُذف بالحجارة حتى أدميت قدمه وسال دمه الشريف وطردوه.
انتصر على نفسه حين عفا عن أهل مكة الذين آذوه وأصحابه وجرعوهم ألوان الأذى والأسى لدرجة أنهم قاطعوه وحاصروه في شعب أبي طالب....إذ قال لهم عندما ظفر بهم: ما تدرون أني فاعلٌ بكم؟؟؟
قالوا: أخٌ كريمٌ وابن أخٍ كريم.
حينها فاجئهم بعفوه وصفحه، فقال لهم: اذهبوا فأنتم الطلقاء.
إننا نتكلم عن عظيمٍ لم يجُد الزمان بمثله..... فصلوات الله وسلامه عليك يا حبيبي حتى يأذن الله باللقاء، صلوات الله وسلامه عليك يا من روحي لك فداء، صلوات الله وسلامه عليك يا صاحب الحوض واللواء.
عزيزي القارئ
نستكمل ونتناول طرفًا آخر من أطراف عظمة شخصيته صلى الله عليه وسلم في العدد القادم إن قدّر الله البقاء واللقاء.