شباب يقطع حبال الحكومة
الوظيفة الحكومية لم تعد حلًا سحريًا للشباب
على مدى فترات طويلة مضت سيطرت على المجتمع العربى والمصرى فكرة أن يلتحق الابن بوظيفة حكومية انتظارًا لمرتب ثابت ومعاش مضمون، لكن مع ضغوط الحياة وموجات الغلاء اختلفت قيم وتقاليد وعادات اجتماعبة كثيرة ولم يعد المجتمع يندهش كثيرًا إذا شاهد شابًا يحمل مؤهلًا جامعيًا ويعمل فى وظيفة بسيطة، ولم يعد الشباب أنفسهم يستنكفون ذلك بل أصبحوا يفخرون به.
وفى السطور التالية نستعرض نماذج مشرفة من الشباب المصرى الذى لم يستسلم لليأس وأصر على النجاح بأى وسيلة طالما كانت شريفة.
فى البداية أوضح لنا حسام هيكل، 27 سنة، أنه ليس من الحاصلين على مؤهلات جامعية عليا، ولكنه خريج دبلوم صنايع التحق بالجامعة العمالية، وفى بداية حياته عمل بأكثر من مجال، مثل عمله فى مطعم كشرى، وسايس عربيات وعامل نظافة وساعى بوسطة وغيرها. تغير مسار حسام هيكل منذ عمله كمساعد مدير تشغيل فى أحد المصانع، ثم شغل منصب مدير تشغيل المبيعات، وبعدها أصبح نائب مدير إقليمى لقطاع مبيعات الشرق الأوسط، ومدير إدارة تطوير التسويق والمبيعات، ومدير البرامج التسويقية.
فنحن أمام قصة نجاح وكفاح، أصبحت حديث مواقع التواصل الاجتماعى، إذ وصل متابعو صفحته الشخصية على «تويتر»، أكثر من ألف و800 متابع، كما أن عدد متابعيه على «فيسبوك» يتخطى 46 ألف متابع، فمجهوده وعمله جعلاه يرتقى إلى مرتبة القدوة التى يحتذى بها من قبل كثير من الشباب الذين يعتبرونه «عيل يشرف»، ويبدأ حاليًا فى تنفيذ حلمه فى مشروع «عيل يشرف».
أما «عمر» فهو شاب يدرس فى كلية دار العلوم ولكنه لم يكتف بتفوقه فى دراسته فقط، ولم يستنكف أن يعمل فى بنزينة، ولم يجد غضاضة فى ذلك، ويقول: ربما يكون المرتب الذى أتقاضاه قليلًا ولكن يعوض ذلك «البأشيش» الذى أتقاضاه من الزبائن حتى يصل دخلى إلى أكثر من مائة جنيه يوميًا، وأنا سعيد بأننى أساعد أسرتى فى نفاقات دراستى، ولا أخفى ذلك عن أصدقائى لأننى لا أرى فيه عيبًا، كما أننى فى المساء أقوم بإعطاء دروس خصوصية لأبناء الجيران تساعدنى أيضًا بدخل إضافى، وأنصح الشباب بعدم احتقار أى عمل مادام شريفًا.
فى حين قال «عبدالمنعم» وهو شاب أنهى دراسته فى كلية الحقوق وبحث كثيرًا عن عمل فى مكاتب المحاماة، ولكنه لم يوفق فى ذلك وكانوا يعرضون عليه العمل مجانًا كنوع من التدريب، ولكنه لم يجلس فى بيته ويندب حظه وعمل فى أحد المقاهى فى منطقة بولاق أبو العلا، ويضيف ضاحكًا: أعلق شهادتى بداخل مقهى وأسعد بعملى لأنه يدر على دخلًا طيبًا، وإن كانت لدى رغبة دفينة فى أن أعمل فى مجال تخصصى وهو المحاماة، ولكنى رضيت بما قسمه الله لى، وربما فى المستقبل تتحسن الظروف وأجد فرصة أفضل.
أما أحمد ناجى فهو صاحب مشروع «دُكان» وهى عربة مأكولات متحركة يقف بها فى منطقة الزمالك.
يدرس نظم ومعلومات ويقول: «قبل العربية كنت شغال مصمم جرافيك وسوشيال ميديا، وعملت العربية دى من حوالى شهرين ونص، السبب اللى دفعنى إنى أفكر فى المشروع ده هو قلة الفلوس، والحمد لله بكسب حتى لو قُليل بس على الأقل قررت أسيب شغل الشركات والمطاعم وكل حاجة وقررت أفتح حاجة لنفسى، وعلى قد ما بتعب بلاقى».
وأضاف بمرارة: «طبعًا فيه مشاكل كتير بتواجهنى منها إنى روحت المحافظة عشان أرخص العربية، قالولى مفيش تراخيص شغالة دلوقتى، روحت القسم التابع للزمالك قالولى ملناش دعوة، روحت المُرور قالولى إحنا هنرخصلك عجَلة، روحت الحى قالولى سيب رقمك وهنكلمك ولحد دلوقتى ولا حس ولا خبر».
وتابع: «على فكرة لما روحت المحافظة أسأل على مشروع (شارع مصر) قالولى هُما هايعملوا فى كل منطقه شارع، وبعدها بأسبوعين روحت أسأل قالولى مفيش جديد ومفيش تراخيص، وكانت دى أول مرة أحس إنّى مش عارف ألاقى حل لحاجة وعاجز عن حلّها».
هؤلاء نماذج من شباب لم يستسلموا لمرارة الواقع والمجتمع وتحدوا كل العقبات التى أمامهم وقرروا أن يبنوا مستقبلهم بأيديهم وألا ينتظروا الوظيفة المرموقة حتى يتباهوا بها أمام الناس، بل حفروا فى الصخر حتى يبنوا مستقبلهم ودون مساعدة من أحد.