العنف الزوجى يسقط ضحايا العجز والخوف الآمن
كسر بالعمود الفقرى لـ«فاطمة».. وجرح قطعى فى وجه «منال».. وجلطة وشلل لعشرات الحالات الأخرى
سيدات لـ«الزمان»: تحملنا الضرب والإهانة خوفًا على مستقبل أبنائنا.. ونطالب رجال الدين بالحديث عن احترام الإسلام للمرأة
أستاذ علم اجتماع: خمسة أسباب للعنف الزوجى.. والبداية تكون من عند الرجل.. و«الأبناء» يسددون الفاتورة
مصطفى شاهين
يبدو أن حديث الرئيس عبدالفتاح السيسى مرارًا وتكرارًا عن المرأة وضرورة احترامها والحفاظ عليها وعدم تعنيفها أو التعرض لها بأى سوء، لم تكن من فراغ أو مجرد آراء يسردها فى خطاب سياسى، بل هى معلومات توافرت إليه من منظمات حكومية ومؤسسات لحماية المرأة، بعد زيادة معدل العنف ضد المرأة وصل إلى مرحلة حرجة تحتاج إلى توعية المواطنين اجتماعيًا وثقافيًا بأن «العنف الزوجى» هو بداية لكل السلبيات التى تأتى بعدة من ضيق رزق وقلة حيلة وزيادة سكانية.
وتستعرض «الزمان» روايات لزوجات تعرضن للعنف فى أبشع صورة على يد أزواجهن، وقد لجأن لبعض الجمعيات التى تقدم خدماتها لتأهيل تلك السيدات مرة أخرى ليستطيعوا التعامل مع المجتمع مرة أخرى.
«بسبب ميراثى عن والدى أعيش على كرسٍ متحرك».. عبارة لخصت الحالة التى تعيش عليها «فاطمة البسيونى» صاحبة الثمانية والثلاثين عامًا بعد فت زرةواج قضتها مع زوجها استمرت عشرين عامًا، قائلة: «بعد وفاة والدى طالبنى زوجى بالمطالبة بحقى الشرعى فى الميراث وكان عبارة عن شقة بمنزل والدى وبسبب طمع أشقائى رفضوا إعطائى حقى الشرعى، وما بيدى حيلة فعدت لزوجى وأخبرته بما جرى، ولم تكن الحياة قبل ذلك اليوم على ما يرام فهو عامل باليومية فى قهوة وتزوجته عن علاقة حب استمرت ثلاثة أعوام ولكن البدايات وحدها هى ما تكون جميلة، وما بعدها يكون عذابا، وإذا بزوجى بعد أن أخبرته بما جرى مع أشقائى ينهال علىّ بالضرب والسباب والشتائم القذرة، ولأن الكيل طفح دخلت غرفتى ولكنه استمر وكسر الباب وانهال على بالضرب وأمسك بقطعة حديد فى يده وضربنى بها على ظهرى وعلى أثرها فقدت الوعى».
وتابعت البسيونى: «استيقظت داخل غرفة مستشفى المطرية العام والآلام تنهش فى ظهرى وتم إخطارى بأنه حدث كسر بالفقرة الرابعة وشرخ بالخامسة وعلى أثر ذلك أعيش على كرسٍ متحرك نظرًا لعدم قدرتى على السير بقدمى إلا لقضاء حاجتى، وزوجى يقضى عقوبة بالسجن خمسة سنوات، وقمت برفع دعوى خلع لأنه لا يمكن العيش معه بعد هذا الحادث».
معاناة أخرى تعيشها «منال فرج» مع العاهة المستديمة التى تسبب فيها زوجها مدمن المخدرات بعد أن تعرض لها بالضرب وقام بتشويه وجهها بجرح قطعى، نتيجة الخلاف على مصروف المنزل، إذ تروى «منال» تفاصيل تلك الليلة، قائلة: «زوجى مدمن مخدرات ورغم أنه يعمل كهربائى ويكسب الكثير من مهنته إلا أن أمواله تذهب على المخدرات ورفاق السوء، وذات يوم طلبت منه مصروف المنزل وأن يراعى الله فى أبنائه وزوجته وبعد مشادة كلامية أمسك بسكين المطبخ، ولا أتذكر ماذا حدث بعدها سوى أن النقاب لم يعد يفارق وجهى وأرتديه حيثما ذهبت لأدارى به ما فعله، وهرب بعدها من المنزل وعلى مدار عامين وأنا أبحث عن حقوقى ولا أعلم شيئا عنه».
بدوره، كشف الدكتور ماهر مصطفى، أستاذ علم الاجتماع، أسباب العنف الزوجى المنتشر فى مصر وزاد مؤخرًا، قائلا إن هناك خمسة أسباب رئيسية نستطيع من خلالها تفسير ما جرى، وليكن الفقر هو السبب الأول والرئيسى باعتباره أساسا لكل المشكلات الاجتماعية، فعدم قدرة الزوج على تدبير مصاريف أسرته يدفعه فى كثير من الأحيان إلى الاعتداء على الزوجة، ثانيًا الإعلام، فمعظم البرامج الحوارية (التوك شو) تساعد على نشر العنف وكذلك المسلسلات والأفلام التى أصبح معظمها يتحدث عن المخدرات والبلطجة.
وأكد أن ثالث تلك الأسباب الموروثات الثقافية وأبرز أمثلتها العنف ضد الأطفال، إذ يسود مفهوم أن تأديب الأبناء لا يتم إلا بالعنف وهذا النوع ينطبق على المنزل والمدرسة، رابعًا انتشار المخدرات، وهو ما يجعل متعاطيها يمارس العنف ضد أسرته من دون وعى، خامسًا انتشار ظاهرة أطفال الشوارع وعمالة الأطفال، وهو ما ينعكس بشكل مباشر على الأسرة المصرية.
وتابع أستاذ علم الاجتماع: «العنف يكون له مردود سلبى على الأطفال فغالبيتهم يصبح مجرم أو قاطع طريق فيما بعد إلى جانب الآثار النفسية السيئة التى يتعرضون لها».
ومن جانب رجال الدين، أكد الشيخ سلامة فتحى إمام وخطيب بوزارة الأوقاف، أن الإسلام هو دين الرحمة، وقد وصف الله تعالى حبيبه المصطفى صلى الله عليه وسلم بأنه رحمة للعالمين فقال: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ)، وأكد الشرع على حق الضعيف فى الرحمة به، وجعل المرأة أحد الضعيفين، فقال النبى صلى الله عليه وسلم: (اللَّهُمَّ إنِّى أُحَرِّجُ حَقَّ الضَّعِيفَينِ: اليَتِيم وَالمَرْأة) كما قال الإمام النووى فى (رياض الصالحين)، والمرأة أحق بالرحمة من غيرها، لضعف بنيتها واحتياجها فى كثير من الأحيان إلى من يقوم بشأنها، ولذلك شبه النبى صلوات ربى وسلامى عليه النساء بالزجاج فى الرقة واللطافة وضعف البنية، فقال لأنجشة: (ويحكَ يا أَنْجَشَةُ، رُوَيْدَكَ بِالقَوَارِيرِ).