مؤامرة للقضاء على «الذهب الأبيض»
قرار كارثى لوزارة الزراعة..
الذهب الأبيض يصارع البقاء
«أياد خفية» تسعى للقضاء على القطن المصرى
التوسع فى زراعات القطن قصير التيلة بالوجه البحرى يقضى على طويل التيلة
مليون قنطار صادراتنا من القطن.. و2.3مليار دولار من الغزل والمنسوجات القطنية
60% من المصانع المصرية تعتمد على القطن قصير التيلة
على مدى أكثر من قرن سيطرت مصر على نحو 30% من التجارة العالمية للقطن طويل التيلة، وحتى عندما تقلصت مساحات زراعته من 1.6 مليون فدان طوال فترة ستينيات القرن العشرين إلى أقل من 250 ألف فدان خلال السنوات العشر الأخيرة ظل للقطن المصرى سمعته العالمية، وظلت مصر المصدر الثانى فى العالم له، والآن تتصاعد أصوات مطالبة بالتوسع فى زراعات القطن قصير التيلة على حساب طويل التيلة، الأمر الذى ينذر بفقدان مصر لميزتها النسبية فى محصول القطن .
«الزمان» تفتح الملف للوقوف على أسباب هذه الكارثة
حسين أبو صدام، نقيب الفلاحين، قال إن مساحات زراعة القطن بلغت هذا العام 336 ألف فدان مقابل 220 ألف فقط العام الماضى، بزيادة قدرها نحو 50% نتيجة صدور قرار وزير الرى بقصر محصول الأرز على 724 ألف فدان بدلا من مليون و76 ألف فدان.
وأوضح أبو صدام لـ«الزمان» أن مساحة القطن قصير التيلة بلغت 30 ألف فدان فى الوجه القبلى، تم بيعها بالكامل لتعاقد المزارعين مع شركات الغزل والنسيج، مقابل 305 آلاف فدان للقطن طويل التيلة فى الوجه البحرى لا تجد من يشتريها بحجة أنها مرتفعة الثمن، لافتا إلى إعلان الدولة سعر ضمان 2500 جنيه لقنطار القصير و2700 جنيه للطويل.
وأضاف نقيب الفلاحين أن المزارعين لن يزرعوا القطن مرة أخرى إذا استمر الوضع على ما هو عليه حاليا، موضحا أن تكلفة زراعة الفدان 15 ألف جنيه بخلاف 5 آلاف قيمة الإيجار، بإجمالى 20 ألف جنيه فى الوقت الذى تتراوح إنتاجيته بين 5 و12 قنطارا بمتوسط 7 قناطير، ما يعنى أن متوسط مبيعاته 18.9 ألف جنيه.
وطالب صدام الحكومة بتفعيل المادة 29 من الدستور التى تنص على التزام الدولة بشراء المحاصيل الزراعية الأساسية بسعر مناسب يحقق هامش ربح للفلاح، وذلك بالاتفاق مع الاتحادات والنقابات والجمعيات الزراعية، كما تلتزم الدولة بحماية الفلاح والعامل الزراعى من الاستغلال، وذلك على النحو الذى ينظمه القانون، لافتا إلى قيام الفلاحين ببيع المحصول للتجار بسعر 2500 جنيه.
لكن شهدت أسعار الأقطان المصرية، هبوطا خلال الأسابيع الأولى من انطلاق الموسم التسويقى لمحصول 2018، وتراجع سعر القنطار لأصناف وجه بحرى بنحو 5,6% بقرابة 150 جنيها، ليبلغ 2650 جنيها مقارنة بسعره التجارى المتداول به بداية الموسم البالغ 2800 جنيه.
ويتفق «محمد .أ.م» مزارع من البحيرة مع نقيب الفلاحين، فى انخفاض سعر القطن إلى أقل من 2550 جنيها، متوقعا حدوث عزوف جماعى عن زراعة القطن الموسم المقبل نتيجة رفض شركات قطاع الأعمال العام استلام المحصول.
الدكتور هشام مسعد مدير معهد بحوث القطن بوزارة الزراعة رفض التعليق بحجة وجود تعليمات من الدكتور عز الدين أبو ستيت وزير الزراعة بعدم الإدلاء بأى تصريحات صحفية، وهو ما حدث مع الدكتور محمد عبد المجيد رئيس لجنة القطن بالوزارة لصدور تعليمات بعدم التحدث عن موضوع القطن أمام وسائل الإعلام.
فى سياق متصل أكد الدكتور «محمد. ف» الباحث الزراعى أن محصول القطن يواجه أزمة تسويقية حاليا فى محافظات الوجه البحرى، ليس بسبب انسحاب الشركة القابضة من شرائه فقط، ولكن لرفض الشركات والجمعيات الزراعية، التعاقد على شراء المحصول من المزارعين، لزيادة سعر الفائدة، وتفضيل الشركات الغزل استيراد الأقطان الأجنبية منخفضة السعر.
توقع محمد انخفاض سعر القنطار لـ2000 جنيه، لوجود مخزون من العام الماضى، وانخفاض السعر العالمى للبيما الأمريكى، الذى يعد أحد مؤشرات تحديد أسعار الأقطان محليا ليصل إلى 150 سنتا للبرة بما يعادل 2943 جنيها للقنطار، مقابل 165 سنتا للبرة بما يعادل 3237.5 جنيها للقنطار خلال نفس الفترة من الموسم الماضى.
وأضاف الحاج «أحمد. م» أحد أصحاب المحالج بالمحلة الكبرى، أنهم يعتمدون منذ فترة كبيرة على القطن المستورد قصير التيلة لتفوق جودته عن نظيره المصرى، بالإضافة إلى سعره الملائم عكس القطن المحلى الذى جن جنونه وارتفع بطريقة غير عادية، مؤكدا أنه لن يحقق لأصحاب المصانع الربح الذى يستحق الاعتماد عليه .
وقال إن الدولة تستهدف حاليا التوسع فى زراعة القطن قصير التيلة، ليناسب المحالج الجديدة، لكن اللجنة التنسيقية لتسويق القطن بين وزارات «الزراعة، وقطاع الأعمال، والتجارة والصناعة»، لم تؤد دورها، فى حل مشكلة تسويق القطن فكان لا بد أن تكون الزراعة على مراحل، وليست على المساحات التى سبق الإعلان عنها كافة.
من جانبه اعترض مفرح البلتاجى، الرئيس السابق لاتحاد مصدرى الأقطان، على قرار وزارة قطاع الأعمال بالبدء فى تجربة محدودة لزراعة الأقطان قصيرة التيلة فى مصر، ورغبتها فى استيراد بذور جديدة تعطى إنتاجية عالية للفدان، ضمن خطة الوزارة المعلنة لتطوير منظومة زراعة القطن وصناعة الغزل والنسيج وخاصة للشركات القابضة للغزل.
وقال مفرح أن القرار سيؤدى إلى انهيار الذهب الأبيض، مشيرا إلى أن ذلك يفقد القطن المصرى ميزته النسبية فى السوق العالمية، لوجود خطورة كبيرة من خلط أنواع الفطن المصرية مع المستوردة لأنها ستؤدى إلى ظهور أصناف ذات صفات غير مرغوبة فى التسويق.
وحذر الرئيس السابق لاتحاد مصدرى الأقطان، من أن احتمالية الخلط كبيرة لصعوبة قصر الزراعة على مناطق معينة فى الجمهورية، نظرا لسهولة نقل البذور المستوردة إلى كافة مناطق الوجه البحرى، خاصة إذا وجد المزارع أنها تحقق له عائدا أعلى من القطن طويل التيلة.
واستشهد مفرح بما حدث عام 1994 عند صدور قرار تحرير زراعة القطن، إذ أدى إلى انتهاء الأصناف المصرية الأصيلة، نتيجة جهل التجار بأنواع السلالات وخصائصها بحثا عن أعلى سعر، مؤكدا أن هناك مساحات مزروعة بالقطن الأمريكى حاليا فى وجه بحرى حتى قبل السماح بزراعة القطن المستورد.
وتابع الرئيس السابق لاتحاد مصدرى الأقطان، أن صادراتنا تصل إلى مليون قنطار قطن خام فضلا عن الغزول والمنسوجات والمفروشات بما يعادل 2.3 مليار دولار سنويا، ومن الممكن زيادتها عند تطبيق سياسة إنتاجية رشيدة للتغلب على تذبذب حجم المحصول من عام لآخر، نظرا لاختلاف المساحة المزروعة من عام لآخر، مما يؤثر بالسلب على حجم التعاقدات.
وحذر مفرح من فقدان قدر كبير من الصادرات والعملة الصعبة حال الشك داخل الأسواق العالمية من نقاء القطن المصرى، ذى السمعة العالمى، مطالبا الدولة باستمرار استيراد القطن القصير التيلة، بدلا من التوسع فى زراعته محليا، وأكد مفرح أنها لن تلبى الاحتياجات المحلية مهما بلغت مساحة الأراضى المزروعة .
ويرى عبد المجيد شكر، العضو المنتدب لشركة المحمودية للغزل، أن التوسع فى زراعة القطن قصير التيلة سوف يقلل حجم الاستيراد موضحا أن ما يقارب من 60% من المصانع المصرية تعمل بالقطن قصير التيلة، ولا بد من التوسع فى زراعته بدلا من استيراده، مستبعدا حدوث عملية خلط بين الأصناف إذا قامت وزارة الزراعة بتوفير آليات واضحة لمراقبة عملية الزراعة ومنع التلاعب.