حادث طبيبة عين شمس لن يكون الأخير.. الأزمات والمخاطر تحاصر موظفي الحكومة في استراحات الدولة
الأماكن غير آدمية ويسكنها «العقارب والثعابين».. غياب الصيانة الدورية يحولها إلى بيوت أشباح
موظفون مغتربون: الراتب لا يتحمل السكن الخاص ونلجأ لاستراحات الحكومة على مضض
بعضنا تعرض للصعق الكهربائى وآخرون للسرقة بالإكراه.. وبعض المعلمات تعرضت للتحرش وأخريات للاغتصاب
مراقبو الثانوية العامة يفترشون فناء المدرسة للمبيت ويغلبهم النوم أثناء المراقبة على اللجان
خبير بالتنمية الإدارية: يمكن الاستفادة من المبانى الحكومية غير المستغلة.. وتشييد فنادق للموظفين ليتمكنوا من أداء عملهم
«استراحات الموت».. هكذا يمكن وصف استراحات الموظفين المغتربين عن محافظاتهم، بعدما فقدوا الأمل فى توفير بديل آدمى يناسب مكانه الموظف أيما كان منصبة سواء كان طبيبا أو مهندسا أو معلما وحتى معاون خدمة داخل محكمة، وأمام تجاهل الحكومة والمسئولين وتوفير بدائل مناسبة لا يجد الموظف المنتدب والمغترب عن منزلة إلا وسيلتين، إما أن يرضى بتلك الاستراحة، أو يضطر إلى تأجير أخرى على حسابه الشخصى ونظرًا لتدنى الأجور بالشكل الذى يحيل بينه وبين الاستعانة بوحدة سكنية أخرى يضطر أسفًا للعيش بتلك الاستراحة والتى تفتقر إلى أبسط متطلبات الحياة مما يجعلها أشبه بالزنزانة.
وفى ضوء الحادث الذى تعرضت له طبيبة المطرية قبل عدة أيام بعدما زهقت روحها الطاهرة نتيجة صعق كهربائى داخل استراحة الأطباء، تستعرض «الزمان» وفى السطور التالية، حكايات لموظفين يعانون المرار مع استراحات الحكومة وما هى البدائل المناسبة لهم فى ظل وجود مئات الشقق السكنية الفاخرة المملوكة للحكومة بالمحافظات وغير مستغلة على الإطلاق وتم حصرها ضمن صندوق مصر السيادى لإدارة الأصول غير المستغلة.
البداية كانت مع «أحمد.ك» طبيب بوحدة صحية بمحافظة قنا، يروى لـ«الزمان»، معاناته وزملاءه، قائلا: نعيش داخل وحدة سكنية ذات جدران متهالكة والشقوق تعيش داخلها الفئران ولأنه مجرد عام وينتهى التكليف غالبًا ما نصبر أنفسنا بأن الأمر مؤقت ولن يستمر طويلا ونعتبر الأمر بأنه فترة تجنيد وسوف تمر، وأتذكر قبل ثلاثة شهور تعرض أحد الأطباء المقيمين معى داخل الاستراحة إلى لدغة ثعبان أثناء نومه، وقد اضطررنا إلى إحضار أحد الأشخاص المنوط بهم استخراج الزواحف السامة، وبالفعل نجح فى استخراج الثعبان من المنزل.
وتابع: «واقعة أخرى تتعلق بى شخصيًا وقد تعرضت لاختناق أثناء نومى وذلك بسبب تسريب غاز، فمثل تلك الاستراحات لا تشهد أية أعمال صيانة مثل استراحات القضاة ولا أعلم السر وراء ذلك وكأننا نقوم بوظيفة أقل ممن يقوم بها رجال العدالة مع احترامهم بالطبع ولكن لا بد أأن توفر لنا وزارة الصحة استراحات آدمية تساعدنا على القيام بعملنا على أكمل وجه».
ويتفق معه الطبيب «أكمل.ص» ويقضى فترة تكليف بمحافظة بنى سويف، قائلا: «نعيش مع الحشرات والزواحف داخل استراحة نسميها بيت الأشباح بسبب قصة سمعناها من أحد الجيران حول مقتل أحد الأطباء داخل تلك الاستراحة قبل عشرين عامًا على يد أحد اللصوص وفى الليل كنا نسمع صوت هواء وتكسير زجاج ولم نكن نلقى بال لتلك الأمور الخرافية ولكن ما رأيناه بأعيننا حشرات وزواحف منتشرة فى أرجاء الاستراحة، وكلما حاولنا استخدام مبيدات لا تفلح معها، وهو ما يجعلنا شبه مقيمين بالمستشفى ونضطر أحيانًا للنوم داخل العنابر مع المرضى وعلى الأرض أحيانًا أفضل 100 مرة من الاستراحة غير الآدمية التى وفرتها لنا وزارة الصحة».
وإلى المعلمين، لم تختلف الصورة كثيرًا، فمع هؤلاء رصدنا عشرات الحكايات حول المعاناة التى يرونها كل عام بالتزامن مع امتحانات الثانوية العامة، ويروى «أحمد.ص» معلم لغة إنجليزية، تفاصيل ما يحدث معه وزملائه، قائلا: المفروض أن وزارة التربية والتعليم تقوم بتأجير استراحات أو التنسيق مع وزارة التنمية المحلية والمحافظات لتوفير استراحات للمعلمين خاصة فى الصعيد والمناطق النائية البعيدة عن القاهرة بمئات الكيلومترات فنحن لا نملك رفاهية الذهاب والعودة إلى المنزل فى ذات اليوم، وكل عام نجد نفس الأزمة وهى تأجير استراحات غير آدمية وأحيانًا لا تكون موجودة من الأساس.
وتابع: نضطر وعلى مضض إلى إحضار مراتب إسفنجية من منازلنا أو نشتريها وربما نؤجرها من عمال المدارس ونقوم بوضعها فى فناء المدرسة وننام حتى تشرق الشمس، وللأسف يغلبنا النوم داخل اللجان ولا نستطيع القيام بدورنا على أكمل وجه بسبب عدم حصولنا على القسط الكافى من النوم.
مغتربين الـ30 ألف معلم «معاناة توقفت مؤخرًا»
وعلى نفس النهج، شهد العام قبل الماضى سلسلة حوادث اقترنت بالمعلمات المغتربات والمعينات بمسابقة التربية والتعليم المعروفة إعلاميًا باسم مسابقة الـ«30 ألف معلم»، إذ تروى «ف.ع» معلمة ضمن المعينين من محافظة المنوفية وكانت مغتربة بالإسكندرية، قائلة: عشنا داخل استراحة تابعة للوزارة ولم تكن بأمان فلم نكن نستطيع الخروج منها بعد الساعة السابعة مساءً وكنا أشبه بمن يعيش داخل سجن، وذات يوم وأثناء عودة زميلتى من المدرسة استوقفتها سيارة ماركة سوزوكى فان وتسمى بالإسكندرية باسم المشروع وأجبرها السائق وشخص آخر بالركوب وكانت المنطقة خالية من المارة واستغاثت وصرخت لكن دون جدوى وتعرضت للتحرش اللفظى وتطور الأمر إلى تحرش باليد ومحاولة اغتصابها واقتيادها بالقوة داخل السيارة ولكنها حررت نفسها بالقوة أثناء تحرك السيارة فتعرضت لكدمات وجروح سطحية.
واقعة أخرى لمعلمة بمحافظة الجيزة وتعرضت للضرب من إحدى أولياء الأمور داخل الاستراحة، وتروى «م.ا» تفاصيل الواقعة، قائلة: «تعرضت للضرب المبرح من ولية أمر لطالب فى الصف الثالث الابتدائى داخل الاستراحة المخصصة من جانب وزارة التربية والتعليم، وذلك بسبب أولوية الجلوس على الديسك الأول، ولم ينقذنى أحد سوى بعض الجيران تدخلوا قبل أن تفتك بى تلك السيدة التى فقدت صوابها، وللأسف أغلب الاستراحات التى كانت مجهزة للمعلمات غير آدمية مما جعلنا هدف سهل للسماسرة ممن تاجروا بنا طوال العامين الذين قضيناهم خارج بلادنا.
المهندسين: المستعمرات مكتملة العدد ونسكن على حسابنا
فيما رصدت «الزمان» معاناة بعض مهندسى الكهرباء ورغم أن الوزارة منوطة بتوفير سكن لهم داخل محطات توليد الكهرباء وهو المعمول به فعليًا، إلا أن المستعمرات المخصصة لهذا الأمر مكتملة العدد، بالدرجة التى جعلت بعض ساكنى تلك المستعمرات يورثونها لأبنائهم رغم أن أبناءهم من غير موظفى وزارة الكهرباء.
المهندس محمد فريد يوضح لـ«الزمان»، أن المستعمرات التابعة لمحطات الكهرباء مكتملة العدد وهناك وحدات سكنية مغلقة على حساب بعض الأفراد الخارجين على المعاش، وهو ما يجعل الوزارة مضطرة لتوفير سكن بديل وأحيانًا نضطر للسكن الخاص على حسابنا نظرًا لأن بعض تلك المستعمرات وإن كان بها وحدات خالية فإنها متهالكة نظرًا لمرور سنوات طويلة عليها دون صيانة، فهناك أحد المهندسين سقط عليه أجزاء من السقف وهو نائم ولولا العناية الإلهية لكان فى عداد الموتى.
وشدد فريد على ضرورة إعادة بناء الدولة النظر فى سكن الموظفين المغتربين خاصة أن هذا أبسط حقوقهم فلا يمكن تقبل فكرة أن الموظف العام درجة ثانية ويجب تسكينه فى مكان يليق بآدمتيه.
من جانبه، شدد الدكتور وائل فتحى خبير التنمية الإدارية على ضرورة صيانة استراحات الموظفين على مستوى الجمهورية فهى جزء أصيل من مهام الدولة تجاه هؤلاء، فهى كواحدة من عوامل الدفع نحو تحقيق الإصلاح الإدارى، وهناك حلول عملية وعلى رأسها توفير الوحدات السكنية الفاخرة والمملوكة للدولة وغير المستغلة لتكون سكنا ملائما للموظف كالشقق الفندقية وربما يتم تأجيرها للموظفين بسعر رمزى.
وتابع فتحى: لدى الحكومة مئات الأصول غير المستغلة فى حين تتجاهل أهم شيء لجعل الأصول المنتفع بها تؤدى وظيفتها وتستمر فى الخدمة، وهى عمليات الصيانة التى تقوم بها الدولة مطلقًا لمبانيها على مستوى المحافظات والصيانة تكون بناء على أعطال فقط وتستمر تلك الأعطال ربما لسنوات دون علاج.