في ذكرى وفاته..
«أزهري من المهد إلى اللحد».. حياة الكفيف المبصر الشيخ عبد الحميد كشك
«هنا مدرسة محمد» كلمة سطرها عالمُ جليلُ فقهيهُ زاهدُ عابدُ.. نصر الحق ودفع الظلم ظل طيلة أيامه يصعد من منبر إلى آخر لنشر دين الله ولدافع ويعالم سنة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ظل صوته خفقًا في سماء العلى، كفيفًا كان لكنه رزق نور البصيرة علم المبصرون أمور دينهم ودنياهم.. سطر أروع الدورس العظمى في التحدث بالعربية إذ خطب 2000 خطبة مسجلة لمدة أربعين سنة دون أن يخطئ أو يسهو مرة واحدة، أنه الشيخ عبد الحميد بن عبد العزيز كشك.
أزهري من المهد إلى اللحد
نالت مدينة شبراخيت بمحافظة البحيرة شرف ولادته، إذ كان يوم الجمعة 13 ذو القعدة 1351 هـ الموافق لـ 10 مارس 1933م، وحفظ القرآن وهو دون العاشرة من عمره، ثم التحق بالمعهد الديني بالإسكندرية، وفي السنة الثانية ثانوي حصل على تقدير 100%.
وكذلك في الشهادة الثانوية الأزهرية وكان ترتيبه الأول على الجمهورية، ثم التحق بكلية أصول الدين بجامعة الأزهر.
وكان الأول على الكلية طوال سنوات الدراسة، وكان أثناء الدراسة الجامعية يقوم مقام الأساتذة بشرح المواد الدراسية في محاضرات عامة للطلاب بتكليف من أساتذته الذين كان الكثير منهم يعرض مادته العلمية عليه قبل شرحها للطلاب، خاصة علوم النحو والصرف.
عُين عبد الحميد كشك معيدًا بكلية أصول الدين بجامعة الأزهر بالقاهرة عام 1957م، ولكنه لم يقم إلا بإعطاء محاضرة واحدة للطلاب بعدها رغب عن مهنة التدريس في الجامعة، إذ كانت روحه معلقة بالمنابر التي كان يرتقيها منذ الثانية عشرة من عمره، ولا ينسى تلك الخطبة التي ارتقى فيها منبر المسجد في قريته في هذه السن الصغيرة عندما تغيب خطيب المسجد، وكيف كان شجاعًا فوق مستوى عمره الصغير، وكيف طالب بالمساواة والتراحم بين الناس، بل وكيف طالب بالدواء والكساء لأبناء القرية، الأمر الذي أثار انتباه الناس إليه والتِفافِهم حوله.
مثل الأزهر
وحصل على جائزةالتدريس بامتياز بعد تخرجه من كلية أصول الدين، ومثل الأزهر الشريف في عيد العلم عام 1961م، ثم عمل إمامًا وخطيبًا بمسجد الطحان بمنطقة الشرابية بالقاهرة.
شارع مصر والسودان يشهد
انتقل إلى مسجد منوفي بالشرابية أيضًا، وفي عام 1962م تولى الإمامة والخطابة بمسجد عين الحياة، بشارع مصر والسودان بمنطقة حدائق القبة بالقاهرة.
ذلك المسجد الذي ظل يخطب فيه قرابة عشرين عامًا.
نور البصيرة
عبد الحميد كشك كان مبصرًا إلى أن بلغ سنه الثالثة عشرة، فقد إحدى عينيه، وفي سن السابعة عشرة، فقد العين الأخرى، وكان كثيرًا ما يقول عن نفسه، كما كان يقول ابن عباس:
«إن يأخذِ الله من عينيّ نورهما.. ففي فؤادي وعقلي عنهما نورُ».
كفيفًا ولكن ترك
ترك الإمام عبد الحميد كشك 108 كتب تناول فيها كافة مناهج العمل والتربية الإسلامية، وصفت كتاباته من قبل علماء معاصرين بكونها مبسطة لمفاهيم الإسلام، ومراعية لاحتياجات الناس.
وكان له كتاب من عشرة مجلدات سماه «في رحاب التفسير» ألفه بعد منعه من الخطابة وقام فيه بتفسير القرآن الكريم كاملًا، وهو تفسير يعرض للجوانب الدعوية في القرآن الكريم.
وتحل اليوم ذكرى وفاة ذاك العالم المفوه الكفيف المصبر، إذ غربت شمس علمه، يوم جمعة 25 رجب 1417 هـ الموافق لـ 6 ديسمبر 1996م، فقد ذهب وتوضأ في بيته لصلاة الجمعة وكعادته، بدأ يتنفل بركعات قبل الذهاب إلى المسجد، فدخل الصلاة وصلى ركعة، وفي الركعة الثانية، سجد السجدة الأولى ورفع منها ثم سجد السجدة الثانية وفيها توفي. وكان ذلك يوم الجمعة