«الزمان» تقتحم أكاديميات «بير السلم» لتأهيل المرشحين لمجلس النواب
الكيانات تنهب أموال الطامحين لعضوية البرلمان.. وبرامج وهمية ودورات تدريبة على الخطابة وحشد الجمهور
تستهدف رجال الأعمال وراغبى الشهرة.. وتستعين بأصحاب المؤهلات المتوسطة
تمنح شهادات فى الموارد البشرية.. وتستقبل الدارسين بعد الخامسة مساء.. و«الهرم» و«عبود» أماكن تمركزها
على غرار مدارس الإدارة والسياسة المنتشرة فى الغرب والتابعة للأحزاب الحاكمة والمعارضة، حاولت بعض الأكاديميات العاملة فى مجال التنمية البشرية وغير المقننة أوضاعها، خلق وسيلة جديدة لتحقيق الأرباح استغلالا لبعض الظروف السياسية وعلى رأسها استعداد بعض الأشخاص وإن كان بشكل فردى لانتخابات مجلس النواب المقبلة والتى يفصلنا عنها عام تقريبا، وذلك من خلال دورات تدريبية وتنمية مهارات تواصل وتعزيز نقاط القوة ولكن بشكل غير محترف بما يجعل الأمر أشبه بـ«السبوبة»، وهو ما رصدته «الزمان» من انتشار أكاديميات بير السلم لتعليم فن السياسة والإدارة وذلك لتأهيل بعض الأشخاص من أصحاب المال لخوض الانتخابات والقدرة على التواصل مع الجمهور، وفى ختام الدورة التدريبية المزعومة يتم تدشين حفل كبير بواحدة من فنادق القاهرة وبدعوة شخصيات عامة لها لتكريم هؤلاء بعد حصولهم على الدورات التدريبية، على عكس المتبع فى عالم السياسة فمن يرغب فى تعلمها ليس عليه سوى الانضمام لحزب سياسى كبير ويشارك فعالياته بما يضمن له الممارسة العملية والعلمية، ومن خلال التدرج داخلة يصبح أحد كوادره لخوض الانتخابات.
أكاديميات بير السلم لفن السياسة والإدارة
«لم نكن نعلم أنها لتنمية الموارد البشرية وليس لها علاقة بالسياسة» هكذا علق رجل الأعمال «خالد.ف» صاحب سلسلة محلات تجارية، وكان يرغب بالترشح فى انتخابات البرلمان المقبلة، قائلا: أحد الأصدقاء وبعد معرفة نيتى للترشح نصحنى بالتعرف على آليات العمل السياسى واستقطاب الجمهور بعيدا عن البذخ والإنفاق بشكل غير مبرر، خاصة أننى أفنيت حياتى خارج مصر أجمع الأموال التى ساعدتنى على افتتاح مشروعاتى، وكانت نصيحة صديقى هى الالتحاق بأكاديمية «برايم» للتنمية البشرية ومقرها عبود فى محافظة القاهرة ورغم أن موقعها لا يعبر نهائيا عن قدرتها على تعليم الراغبين مثلى فن السياسة والإدارة، إلا أن حب الفضول دفعنى خاصة أن صديقى هذا أكد لى أن أحد النواب الحاليين حصل على نفس الدورة التدريبية.
وتابع: تقدمت بالفعل وسددت رسوم 3 آلاف جنيه وتبقى ألف بعد انتهاء الدورة وتسلم الشهادة تسدده، وخلال المدة التى قضيتها هناك لم أر سياسيا واحدا يحاضر، وكل المحاضرين من الشباب ومحاضراتهم عبارة عن أساليب حشد الجمهور والندوات وإلقاء الخطب ولغة الجسد وأمور يصعب فهمها أو بمعنى أدق لا يعرفون وسيلة أفضل لتوصيل المعلومة سوى القراءة من نشرات يحملونها بأيديهم طوال مدة المحاضرة والتى تستغرق ساعة بمعدل مرتين فى الأسبوع ولمدة شهرين.
وعن استفادته من الدورة التدريبية، قال إنه لم يستفد نهائيا وبالعكس أهدر وقته على سراب، ولم يكن الدارس الوحيد فهناك آخرون لديهم نفس الرغبة ولأن الحصانة أولوية لأصحاب الأموال لاحظ أن الغالبية من رجال الأعمال ممن لديهم الرغبة فى الحصول على أكبر قدر ممكن من الحظ للوصول إلى مقعد داخل البرلمان.
حالة أخرى رصدتها «الزمان» لشاب فى العقد الثالث من عمره، لم يحالفه الحظ فى جولة الانتخابات الماضية بما دفعة لتعزيز قدراته السياسية وبدلا من الالتحاق بواحدة من الأحزاب أو عمل مبادرة للحصول على أكبر قدر من الشعبية، التحق بأكاديمية السياسة والإدارة وفرعها بمنطقة الهرم، إذ أوضح «أحمد.ص» ويعمل مهندسا بشركة بترول، أنه يعشق العمل السياسى منذ الصغر، ورغم ذلك لم يرغب فى الانضمام للأحزاب لعلمه أنها مؤيدة على طول الخط، ما ساقه إلى تلك الكيانات للتعرف إلى التجارب والحصول على محتوى قد يجعله أكثر حظا من غيره فى الانتخابات المقبلة.
وأكد لـ«الزمان» أنه التحق بأكاديمية عرف فيما بعد أنها كانت فى السابق مكانا لتدريس الحاسب الآلى وبعد إغلاق المكان أعيد افتتاحه لمنح دورات تنمية بشرية، وفى وقت الانتخابات تزعم منحها دورات فى السياسة والإدارة وتستهدف أصحاب الأموال وتقوم بقيادة حملات انتخابية وللأسف تحصل على إشادة من بعض السياسيين المعروفين، بما يمنحها الثقة، وفى مدخل الأكاديمية ستجد صورا معلقة لدارسين سابقين بصحبة كبار الساسة، وربما تكون صورا لإغراء الدارسين الجدد.
وتابع: بعد تسديد الرسوم وقيمتها 2000 جنيه ومثلهم فى نهاية الدورة التدريبية، يقوم صاحب الأكاديمية بعمل احتفالية فى أحد فنادق القاهرة لتسليم الشهادات إلى الدارسين وتكون بمبلغ إضافى ويتم دعوة عدد من الشخصيات العامة، وبالنسبة للمحاضرين لم نر أيا من السياسيين المرموقين الذين وجدناهم فى الصور أثناء التقديم للدراسة، وللأسف نعلم أنها أكاديمية بير سلم يديرها سماسرة الانتخابات ممن يستنزفون أموال الطامحين لدخول المجلس قبل عام من انطلاق الانتخابات.
فيما كشف الدكتور محمد أبويوسف أستاذ العلوم السياسية، أن مثل مدارس السياسة موجودة فى الخارج وتعمل تحت عباءة الأحزاب السياسية وتمنح دورات تدريبية، أما الموجودة فما هى إلا أكاديميات بير سلم تستهدف بعض الأشخاص محدودى الفكر ولكن لديهم أموال أغلبهم يعملون فى تجارة المواد الغذائية والجلود ومع احترامى لكافة المهن إلا أن بعض هؤلاء ينخدعون فى المظاهر ويسددون رسوما قد يستغلونها فى قضاء مصلحة عامة ليفيدوا بها المواطنين ويكسبوا قاعدة شعبية وإن كانت قليلة.
وتابع أبويوسف: علم السياسة لا يكتسب فى شهر أو عام وإنما يأتى بالممارسة العملية والمرجعية العلمية وقبل أى شيء ليس كل شخص مؤهل للقيادة وبسبب تلك الأكاديميات قد نرى سياسيين فى المستقبل لا يعرفون الفرق بين الاستجواب وطلب الإحاطة، ولا يعرفون عن السياسة سوى الحصانة فقط.
ويتفق معه محمد المحمدى عضو مجلس الشورى السابق، قائلا إن مدرسة السياسة قبل أحداث يناير 2011 كانت الحزب الوطنى من خلال أمانات المحافظات واللجان المنتشرة داخل الحزب وخدمة الجماهير، وكان للحزب كوادر سياسية لن تنجب مثلها مصر مجددا، أما بالنسبة للأكاديميات المجهولة فهو أمر طبيعى طالما وجدت الزبائن الراغبين فى تعلم السياسة وكأنه منهج تتلقاه لتمتحن نهاية العام.