الخدعة القاتلة.. «هرم ميدوم».. الموت في سبيل الإنجاب
الخدعة القاتلة..
«هرم ميدوم».. الموت فى سبيل الحمل الوهمى
دجالون ينصحون العاقرات بالقفز من فوق الجبل لحدوث «الخضة».. وقليلا منهن ينجون من القفزة بعد تعرضهن لكسور وجروح
شهود عيان: النساء يأتين فى ساعات مبكرة من يوم الجمعة.. ونسمع صرخاتهن
رجال الدين: بدعة وشرك بالله.. وضرورة التصدى للممارسات الشيطانية
تركت منزلها فى ساعات مبكرة من نهار يوم الجمعة، مستقلة دراجة نارية خلف شقيقها الذى يكبرها بثلاث سنوات، عاقدة النية القفز من فوق «جبل ميدوم» والذى يتوسطة الهرم المشهور، على أمل أن تحظى بخضة تعالج عقمها الذى حرمها من الإنجاب لخمس سنوات، حتى أصبحت تعاير بالأمر بين نساء المنزل، وانتهى بها المطاف مصابة بكسور مضاعفة فى القدم لا تقوى على الحركة دون مساعدة زوجها.. هكذا أصبح حال العشرات بل المئات من النساء الحالمات بالإنجاب فى محافظة بنى سويف ممنْ قررن اللجوء إلى البدع والخرافات للحصول على حلم الأمومة، تاركين وراءهم ما تعلموه من صحيح الدين بأن الشفاء والمرض من عند الله، وليس بيد مخلوق أو شيء آخر، وبدلا من اللجوء إلى الطب لجأوا إلى السحر والشعوذة.
«هرم ميدوم» واحد من معالم بنى سويف الأثرية، يقع أعلى تبة ترابية يصل ارتفاعها إلى عدة أمتار، ونظرًا لصعوبة الصعود أعلى قمة التبة والقفز من أعلاها، لجأ المشعوذون إلى تلك الحيلة لإقناع النساء بأن هذا التصرف سوف يجلب لها الحمل، وهو ما قامت به بعض النساء اللاتى تواصلنا معهن ليحكين تفاصيل ما تعرضن له وهل تحقق لهن على حلم الأمومة أم لا؟
كانت البداية، من واقع الشهادة التى حصلنا عليها من أحد المشايخ الذين دأبوا على مواجهة تلك الخرافة، وأوضح الشيخ محمد مسعد إمام وخطيب بوزارة الأوقاف لـ«الزمان»: نحذر الأهالى من خلال المساجد وخطب الجمعة من الانسياق وراء تلك الخرافة، وكانت هناك توجيهات من قبل لوكيل وزارة الأوقاف ببنى سويف، بضرورة تحذير النساء من تلك الممارسات التى تعتبر شركا بالله واستغاثة بغير الله، كذلك يقضى على دور الطب والأطباء فى علاج الحالات التى تعانى من تأخر فى الإنجاب.
ولفت إلى أن بعض الدجالين استطاعوا إقناع النساء بأن الصعود إلى قمة جبل ميدوم، والتدحرج من أعلى قمة الجبل يصيب العاقم بخضة، وفى مساء ذلك اليوم يحدث الجماع بينها وبين زوجها، ليحدث بعدها حمل مباشرة، وهو أمر لم يسبق لسيدة أن لجأت للجبل وحدث حمل، وما ينتج عن السقوط هو إصابة السيدة بكسور وأحيانًا وفاة، نظرًا لأن الجبل به قطع من الصخر قد ترتطم به رأس إحداهن، ناهيك عن العصابات التى تبحث عن الآثار فى تلك المنطقة وأحيانًا تطلق النار على زوار الجبل.
الضحايا: «المعايرة دفعتنا للانتحار»
ولأن حلقة البحث عن حقيقة هرم ميدوم وقدراته الخرافية فى علاج العاقر، لم تكن لتكتمل دون الاستماع إلى شهادات حية من نساء قمن بهذا التصرف، شرط عدم الكشف عن هويتهن خوفًا من الفضيحة، فرغم أن الأمر شائع بين نساء القرى القريبة من الهرم إلا أن الأزواج يرفضن هذا التصرف بما يدفع النساء للقيام به دون علم أحد، وفى الغالب والدة الزوجة هى من تساعدها على هذا الأمر، وهو ما أكدته «هناء.ح» والبالغة من العمر 28 عاما، ولم تحصل على حمل حتى الآن رغم قيامها بالأمر مرتين.
وتروى معاناتها قائلة: «ذهبت إلى هرم ميدوم بصحبة والدتى فى المرة الأولى وكان بعد مرور عامين على زواجى دون إنجاب وبعد أن تجولت بين عيادات الأطباء ولم يكن لدى مشكلة صحية ولا بزوجى تمنعنا من الإنجاب، حتى نصحتنى والدتى بضرورة الذهاب إلى أحد المشايخ العرافين لرؤية إن كان هناك عمل معمول يمنع الحمل.
وأشارت إلى أنها توجهت إلى الشيخ والذى نصحها أولا بالذهاب إلى هرم ميدوم، والقيام بالتدحرج من أعلى الجبل وبعدها سيحدث الحمل، وتابعت: قمت بما نصحنى به الشيخ وتعرضت لكسر فى الذراع اليسرى، وعدت وكررت الأمر مرة أخرى بعد ثلاث سنوات على أمل الحصول على حمل يرحمنى من معايرة النساء فى منزل عائلة زوجى لكن دون فائدة، وعرفت وقتها أن كل ما يقال عن هذا الهرم ومعجزاته هى كذبة.
رواية أخرى، لفتاة تبلغ من العمر 31 عاما، فشلت كل محاولات المشعوذين فى علاجها رغم عدم إصابتها بشيء يحرمها من الإنجاب، وتروى «أسماء.ر» قصتها مع الهرم، قائلة: سمعت من نساء القرية أن عددا من النساء ذهبن إلى قمة جبل ميدوم وتبركن بالهرم، وحدث بعدها إنجاب، وتواصلت مع بعضهن، وأكدن نفس الحديث ولا أعلم الحقيقة أين؟ فعلى الرغم من كونى متعلمة وحصلت على بكالوريوس التجارة من جامعة بنى سويف إلا أن البحث عن حمل لا يفرق بين متعلم أو جاهل فالجميع سواسية فى هذا الأمر.
وتابعت: «حصلت على حمل بعد زواجى مباشرة إلا أن ابنتى توفت بعد شهرين من الولادة، وبعدها لم أحظ بحمل بشكل طبيعى وجربنا كل الوسائل الممكنة وغير الممكنة ولم نحصل على حمل مرة أخرى، وكأن كل الظروف تقول لنا مستحيل أن يحدث حمل، وهنا فكر زوجى فى الزواج من أخرى، لأجد نفسى أمام حل وحيد وهو اللجوء إلى الدجالين وبالفعل تواصلت مع أحدهم ونصحنى بالذهاب إلى جبل ميدوم، وعمل نفس الشيء الذى تقوم به النساء، وهو الحصول على الخضة ليحدث بعدها حمل، ولكنى لم أحصل إلا على كدمات بالجسم وجرح قطعى بالرأس، وكاد أن يطلقنى زوجى بسبب هذا الأمر الذى عرض حياتى للخطر وكذلك سمعته.
شهود العيان: نشاهد تصرفات مجنونة لا يقوم بها عاقل
على الطرف الآخر، أكد بعض شهود العيان ممن تواصلنا معهم، أن مثل هذه الأمور غير العاقلة وتقوم بها سيدات فى سن الرشد لا يمكن السكوت عنها، وحاول الخفراء المعينون لحراسة المنطقة الأثرية منع بعضهن لكن يأتين فى ساعات مبكرة ويقمن بهذه الأمور غير المتزنة.
حامد عبدالله، ويعمل خفير بالمنطقة يوضح لـ«الزمان»: المنطقة غير آمنه على النساء وقد تتعرض لمحاولة اغتصاب من عتاة الإجرام بالمنطقة فهناك تجار آثار ينقبون فى مناطق قريبة، وهناك حملات ودوريات تجوب المنطقة بين الحين والآخر لكن فى الساعات المبكرة من صباح كل يوم جمعة نسمع صوت صراخ وأخرج من غرفتى أشاهد من بعيد سيدة تتدحرج من قمة الجبل وهو أمر اعتدنا عليه، وبعدها بدقائق إما أن تفيق وتخرج على قدميها أو تأتى والدتها أو من معها تطلب النجدة لابنتها إذ تكون قد تعرضت لكسر أو إصابة فى جسدها تمنعها عن الحركة.
فيما يروى الشيخ أحمد السنوسى إمام وخطيب بوزارة الأوقاف، أن تلك التصرفات حاولوا من قبل منعها لكن دون فائدة ومرارا وتكرارًا نحذر الناس من الشرك بالله والتبرك بغير الله فهى أمور تعتبر من أساسيات الشرك، ولكن دون فائدة، وهو ما جعلنى أذهب بنفسى ذات يوم جمعة وفى الصباح الباكر، ووجدت سيدة ومعها والدة زوجها وقبل أن تقوم بهذا الفعل نصحتها فى الله واستجابت وعرفتها أن مثل تلك الأمور هو شرك بالله، وممارسة شيطانية.