الجلود المسرطنة تكسو أجساد المصريين في الشتاء
«الجاكت» يباع على الأرصفة بـ250 جنيها.. وتنتجها مصانع بير السلم.. وتصيب المستهلكين بأمراض خبيثة على المدى البعيد
تصنيعها بواسطة صبغات محرمة دوليًا
خبراء: تدخل فى صناعة الجلود وغياب القوة الشرائية يساهم فى انتشارها
تصيب المستهلك بالحساسية وضيق التنفس.. وتصل إلى الأورام
يقف شاب فى العقد الثانى من عمرة ممسكًا بعدد من الجواكت الجلدية ذات الألوان السمراء والبنية والحمراء فى ميدان الدقى، ينادى على المارة لشراء إحدى تلك المنتجات التى يعرضها بأسعار زهيدة لا تقبل المنافسة، وما هى إلا ساعات قليلة ويكون قد انتهى من الكمية التى يعرضها، دون أن يدرى وربما يكون على علم بأن تلك الجواكت تم تصنيعها بواسطة جلود مسرطنة لا تقبل استيرادها أىٌّ من دول الاتحاد الأوروبى ولا الخليج سوى الصين فقط، والتى تقوم باستخدام تلك الجلود فى تصنيع تلك الملابس وتصديرها إلى مصر وبعض دول أفريقيا النامية ليتم عرضها على المستهلكين بأسعار زهيدة للغاية تناسب حجم الدخل فيما تساهم فى إصابتهم بأمراض متنوعة، ومع حصار الدولة لبعض المنتجات التى تصيب المستهلكين بأمراض خبيثة لجأت بعض الشركات الصينية وبالتعاون مع مصريين إلى عمل مصانع بير سلم تقوم بتصنيع تلك الجواكت.
«الزمان» وفى السطور التالية، تلقى الضوء على واقعة خطيرة انتشرت مؤخرًا فى الميادين وفى الطرقات لا سيما أن بعض الشباب الحالم بفرصة عمل شريفة يروج لها دون أن يعلم، وهى انتشار جواكت مصنعه من جلود مسرطنة تم إنتاجها عبر صبغات محرمة دوليًا وقد لاقت رواجًا بين الشباب المصرى نظرًا لرخص ثمنها، لينتهى بهم المطاف مصابين بأمراض ربما تأتى بعد سنوات قليلة وربما بعد شهور، لكن يظل الخطر قائما طالما غابت الرقابة المنوط بها حماية المستهلك.
الدكتور أحمد جعفر استشارى الأمراض الجلدية والتناسلية، كتب فى تدوينة على موقع التواصل الاجتماعى يحذر من انتشار تلك الجواكت والتى لاحظ وجودها بقوة فى ميادين القاهرة وانتقلت إلى الأقاليم ويتم ترويجها عبر أشخاص سوريين.
وتواصلت معه «الزمان» لمعرفة التفاصيل، وقال إنه بشكل عام وحتى نكون منصفين فى البداية يؤكد أن السوريين الذين ذكرهم من قبل وترويجهم للجواكت لا يعلمون أى شيء عن صناعتها وإنما هم وسيلة فقط للبيع وتحصيل الأموال من الزبائن ولا يعلمون عنها شيئا سوى أنها رخيصة الثمن وتناسب جميع الفئات العمرية وفى متناول الجميع، وبالتالى يوجه أصابع الاتهام هنا إلى المصنعين وهم غير معروفين بالنسبة له وكذلك بالنسبة للدولة، فلا توجد علامة تجارية ملصقة على الجاكت، وإذا ما وجدنا فهى غير مسجلة لدى وزارة الصناعة، أيضًا وجه أصابع الاتهام إلى جهاز حماية المستهلك والمنوط به القيام بحملات ورصد كل هذه الظواهر السلبية الواضحة للعلن ولا تحتاج إلى اجتهاد.
وتابع: من خلال البحث عن حقيقة الجاكت الذى يتراوح سعره من 180 جنيها إلى 250 جنيها وهو مصنوع من الجلد الطبيعى بحسب كلام البائع، وكذلك ملمس الجاكت، وجدت الآتى بعد شراء واحد من تلك الجواكت، وهو أنه مصنوع من خامات بلاستيكية أشبه بالجلود يتم إضافة مركبات كيميائية عليه وصبغات من أرخص أنواع الصبغات ومحرمة دوليًا، وهى مصنعة فى الصين ويتم إدخالها داخل حاويات لعب الأطفال حتى لا يتم إخضاعها للجهات الرقابية والتى تحصل على عينات وتقوم بتحليلها داخل الموانئ.
ولفت إلى أنه بعد أن تم كشف هذه الحيلة إضافة إلى أن عملية الاستيراد من مصر والتصنيع فى الصين أصبحت مرهقة، وتبدلت المسائل وأصبح للصينيين شركات مصرية تقوم بتصنيع تلك الجواكت داخل مصر فى مصانع بير السلم، ووضع علامات تجارية مزيفة واستغلال السوريين لكسب ثقة وتعاطف المستهلكين بدعوى أن تلك المنتجات جاءت مهربة من الخارج، لأن المتعارف عليه بالوقت الحالى أن سعر جاكت جلد طبيعى لن يقل فى أى حال عن 1000 جنيه.
فيما يروى أحمد أبوصقر، أحد تجار الجلود، بمنطقة مجرى العيون، تفاصيل مثيرة حول حقيقة الجواكت رخيصة الثمن، قائلا إنه قبل ثلاثة أعوام ظهرت أزمة فى الجلود بسبب بسبب ارتفاع أسعار المواشى والعلف مما يؤثر على أسعار المنتجات الجلدية، وبالتالى كانت الوسيلة الوحيدة لتحقيق الأرباح كانت بالتوجه نحو التصدير إلى الخارج مما جعل السوق المصرية متعطشة للمنتجات الجلدية والتى ارتفع سعرها، فكانت الخامات البلاستيكية رديئة التصنيع هى البديل من خلال الصبغات ومواد كيميائية تضاف عليها لتأخذ شكل الجلد وهى صناعة صينية احترفها الصينيون مثلما استطاعوا تصنيع الأرز من البلاستيك.
وتابع أبوصقر: قمامة سور مجرى العيون من الجلود هى أقصى ما تطمح إليه مصانع بير السلم سواء كانت مملوكة لمصريين أو صينين، وقد نجحت تلك المصانع فى إنتاج عدد من المنتجات الجلدية ومنها الأحذية والجواكت والأحزمة وغيرها ويتم عرضها فى جميع أنحاء الجمهورية، أما الجلود الطبيعية فتأتى مستوردة من الخارج بعد أن قامت نفس الدول باستيرادها من مصر على شكل جلود لتعيدها منتجات وماركات عالمية.
فيما أوضح محمد يحيى صاحب محل لبيع الملابس، أن حجم الإقبال على الجاكت الجلد الماركة تراجع خلال العامين الماضين بالتزامن مع موجة ارتفاع الأسعار ونفس الشيء بسبب انتشار الجواكت السورية وهو الاسم السوقى الدارج، بما دفعنا إلى أن نلجأ لشراء كميات من تلك الجواكت لتلبية رغبات الزبائن وحتى نستطيع أن نوفر قيمة الإيجار وأجر العمال.
وتابع يحيى: بعض الزبائن لم يشعروا بالراحة حينما ارتدوا هذا الجاكت المصنع من خامات رخيصة الثمن، فيما تقبل الأمر آخرون نظرًا لأنهم لا يملكون المال الكافى لشراء الماركات العالمية.
من جانبه، أوضح الدكتور محمود الإمام استشارى الجلدية بطب المنوفية: أنه لا بديل عن تشديد الرقابة على مثل هذه المنتجات ولكن فى الوقت الحالى لن تستطيع الدولة منعها فأنت حر ترتدى ما شئت فهو قرارك وحدك، خاصة أن الحكومة تدرك أن الموظف لا يمتلك القوة الشرائية التى تساعده على شراء جاكت مصنع من خامات طبيعية، وبالتالى الحل يكمن فى توعية المواطنين والقرار يعود إليهم.
وعن أضرار ذلك الجاكت المصنع من خامات غير صحية، أكد الإمام أنه يصيب المستهلك بحساسية وهذا فى حال ما ارتدى تحته ملابس قطنية تعزله عن الجسم لكن تظل الأطراف والرقبة معرضة للاحتكاك، أما فى حال ارتداه دون شيء يعزله عن الجلد ويحدث احتكاك وتلامس فإن الأمر قد يصل على المدى البعيد وحسب الخامة إلى الإصابة بسرطان الجلد.