«الزمان» تقتحم العالم السحري لتجارة أرحام أطفال الشوارع
عصابات تجبر الفتيات على الحمل المربح
الأزمات الأسرية والمالية تقود البريئات لطريق التجارة الحرام
لا ذنب لهم سوى أنهم وجدوا أنفسهم فى الشارع، الذى أصبح معلمهم ومأواهم ويجدون بين جنباته لقمة عيشهم، أيضا ضاعت فيه آمالهم وباعوا كل مالديهم من أجل القليل من المال، وتخلوا عن كل شيء حتى أجسادهم من أجل الخلاص من الجوع والأيام الصعبة، الانقياد وراء الأهواء والأغراض الأخرى الدنيئة، بعد أن استغلهم تجار الجسد وسلبوا براءتهم واحتياجهم للمأوى والأموال، حتى وصل الأمر لاستئجار أرحامهن الصغيرة لصالح متطلبات الأغنياء فى طفل، بمقابل مادى.
فى منزل ريفى متواضع فى منطقة الحوامدية بمحافظة الجيزة، تستقل «سماح.ع» ذات الـ22 عاما لتقديم الخدمات للزبائن، ولا تسلم من التعرض للتحرش اللفظى والجسدى طوال ساعات عملها، غادرت «سماح» منزلها بمدينة السادس من أكتوبر بعد وفاة أمها منتصف عام 2014 مصطحبة معها شقيقتها ذات الـ9 أعوام بعد أن طردها زوج أمها بعدما رفضت إقامة علاقة جنسية معه.
6 أشهر هى المدة التى قضتها فى شوارع المدينة الصناعية بمنطقة السادس من أكتوبر، قبل أن تتعرف على «أشرف» خلال بحثه اليومى عن فتيات كلف باستقطابهم للانضمام إلى شبكة تعمل فى بيع أبنائهم بعد الحمل بطريقة غير شرعية بعدما عرض عليها مغادرة الشارع وتوفير سكن وعمل براتب مجزٍ لها ولشقيقتها.
تقول: «وافقت بسبب ظروفنا الصعبة وعلى الرغم من عدم معرفتى المسبقة به وبطبيعة عمله وصلنا إلى مدينة الحوامدية ليتم نقلنا إلى شقة صغيرة، وفى اليوم التالى التقينا بسيدة فى عقدها الرابع تدعى المعلمة خضرة تجلس داخل غرفة يعمها الصمت معتلية كعبا حادا وترتدى فستانا شفافا، بحواجب مرسومة بالقلم الأسود ووجها مغطى بالمكياج لإبراز بياض وجهها، تلقيت منها العديد من التعليمات المصحوبة بالتهديدات إذ لم أستجب لتعليماتها».
وتتابع: «فى اليوم التالى باشرت العمل فى منزل مشبوة، فيما تم تشغيل شقيقتى فى نظافة الأماكن التى يقام فيها العلاقات الجنسية وبعد أسابيع قليلة من خدمة الزبائن عرضت علىّ المعلمة خضرة إقامة علاقة جنسية مع زميل لنا بهدف إنجاب طفل يتم بيعه للأغنياء مقابل الحصول على ثلث المبلغ المتفق عليه».
وتشير: «بعد فترة طويلة من التهديدات لم يكن هناك مجال للرفض لإنقاذ شقيقتى من علاقة غير شرعية رغما عنها حتى تم الجماع الذى نتج عنه حمل وبعد الولادة بشهر تم بيع الطفل مقابل 200 ألف جنيه كان نصيبى منهم 50 ألف جنيه، فعلمت أن تأجير الأرحام هى المهنة التى سوف أظل عليها طوال حياتى».
«عبير.ج» 23 عاما غيرت مسار حياتها بعد أن تعرضت لاعتداءات جنسية طيلة 6 أعوام من قبل قواد كان يأويها، تقول: «من صغرى وأنا فى الشارع، لم أعلم شيئا عن أسرتى، ولم يكن لدى منزل أقيم به، وذات يوم تعرفت على فتاه تدعى رضوى بمنطقة مؤسسة الزكاة، عرضت علىّ العمل معها فى التسول مقابل الحصول على مرتب أسبوعى ومكان للإقامة».
وتتابع: «بعد موافقتى بعدة أسابيع لانضمامى إليهم، دفعتنى إلى الشارع بصحبة فتاة أخرى تعمل معهم، لاصطياد فتيات من أطفال الشوارع، من أجل إقامة علاقة جنسية معهم بمقابل مادى، وبعد الحمل يتم ترتيب لقاءات مع رجال أغنياء راغبين فى الحصول على أطفال حتى يتم الاتفاق على سعر الجنين وهو فى بطن أمه حسب النوع ومباشرة الحالة الصحية من قبل الأغنياء للفتاة الحامل».
وتضيف: ببشرة سمراء وجسد ضخم، جلس العمريطى رجل فى العقد الخامس من عمرة واضعا ساقا فوق الأخرى مرتديا ملابس سوداء، ويخرج يد مليئة بالحظاظات والسلاسل حتى نقبلها، ويده الأخرى تحمل زجاجة صغيرة من البيرة يتعاطاها كلما أراد، حينما يعطى الأمر لأحد أتباعه لا بد من تنفيذه، فقد امتلك 5 فتيات يمارس عليهن كل الصلاحيات، وبصوت عفوى قال لى (استعدى عشان إنتى اللى عليكى الدور فى الحمل، لأن المواصفات المطلوبة من الراجل اللى هيشترى مش متوفرة فى حد غيرك)، وتتابع: كان عمرى حينها 17 سنة وسمعت من أحد زميلاتى بعرض من رجل أراد الحصول على طفل من فتاة لم تنجب من قبل، وأن هذا الرجل غنى وسوف يعطيهم أموالا كثيرة مقابل إنجاب طفل يكتب باسمه.
وتشير: عندما أبديت خوفى واعتراضى، قام القواد بضربى حتى كاد أن يقتلنى، وقال لى إن هذا مصيرى، ولم أكن أعلم معنى الحمل، ولما سألت صديقاتى قلن لى بكرة تحملى وتشوفى العز اللى هتبقى فيه، وتستكمل: بعد 9 أشهر أنجبت الطفل المطلوب وقبض القواد الثمن 150 ألف جنيه حصلت منهم على 30 ألف جنيه ومنذ تلك اللحظة وأنا أكرر ما فعلته كلما تطلب الأمر ذلك مقابل الحصول على الأموال.
ووفقا للآخر إحصائية صادرة عن الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء لعام 2018 فإن 117.220 طفلا تتراوح أعمارهم من 10 إلى 17 عاما سبق لهم الزواج.
ووفقا للمركز القومى للبحوث الجنائية والاجتماعية لعام 2015 فإن عدد الأطفال القاطنون فى الشارع بلغ 16019 طفلا يتمركزون فى 2500 منطقة بنسبة 88% للحضر و12% فى القرى، إذ أن نسبة الذكور بلغت 83% والإناث 17%.
كما ثبتت الدراسة أن 21% من أساب نزول الأطفال للشارع لارتياحهم فيه و11% لهروبهم من الأسرة و38% بسبب عدم توفير احتياجاتهم و25% بسبب عدم اهتمام الأهل و15% بسبب الالتحاق بالعمل.
وبحسب قسم بحوث الجريمة فإن عدد الأطفال المتسولين فى مصر عام 2015 بلغ 21650 طفلا متسولا ما بين قاطنين فى الشارع وأسر الشارع تتراوح أعمارهم ما بين 7 إلى 18 سنة ونسبة 1140 شابا تتراوح أعمارهم ما بين 18 إلى 25 سنة.
الدكتور جمال فرويز استشارى الطب النفسى، قال إن هذا النوع من المعاشرة هى عملية نفسية قبل أن تكون عضوية، إذ يتم قتل الرغبة الجنسية بالكامل عند الفتاة، عندما يقوم أحدهم بمعاشرتها بالإجبار وهى فى وعيها الكامل، ما يجعل الأمر نقطة سوداء فى تفكيرها، مشيرا إلى أن إجبار الفتيات على الجماع فى سن صغيرة يدمر العملية الجنسية لهن بالكامل، ويجعل منهن هدفا واحدا فقط وهو الحصول على المال، ويشير إلى أن أسباب استغلال الفتيات فى هذا النوع من التجارة يرجع لعدة عوامل أبرزها ضعف الجانب الدينى، وصعوبة الظروف الاقتصادية التى تدفع الفتيات إليها فى ظل عدم وجود بديل آخر يوفر لهن حياة كريمة، فضلا عن غياب الدعم الأسرى والرعاية التى تؤدى بهن إلى الانحراف.
ويتابع: بعض الفتيات تلجأن إلى الدعارة وإنجاب أطفال سفاح بعد مرورها بظروف نفسية سيئة تعرض لها أثناء فترة تواجدها بالشارع، مضيفا: لا بد من تفعيل دور الأسرة التربوى وتقوية النزعة الدينية حتى لا تعود على المجتمع بالسلب.
بدورها تقول الدكتورة عزة كريم أستاذ علم الاجتماع، إن الكثير من أطفال الشوارع هربوا من بيوتهم وتركوا أسرهم ليتخذوا من الشارع مأوى لهم، بعدما وجدوا فيه خيارا أفضل، مضيفة أن الكارثة تتمثل فى غياب الرقابة على هؤلاء الأطفال وعدم توفير الرعاية لهم، وسط انعدام القيم والمبادئ الأخلاقية، بما يقود إلى فضول الطفل باللجوء إلى أعمال يرفضها الشارع والقانون مقابل الحصول على المال.
وأوضحت أن الحل يكمن فى سرعة السيطرة على هؤلاء الأطفال والقبض عليهم وعلى من يديرهم ووضعف فى الأحداث مع إعادة تأهيلهم نفسيا واجتماعيا وسلوكيا فى إطار يخدم المجتمع.
أما النائب شكرى الجندى شدد على ضرورة إقرار إصلاح تشريعى يساوى بين المرأة والرجل فى تلك القضايا، فلا يعقل أن تعاقب المرأة ببمارسة البغاء والدعارة، ويتم إخلاء سبيل شريكها فى الجريمة باعتباره شاهد عيان فكلاهما شركاء فى الجريمة ولا بد من أن ينزل بهما نفس العقاب، مطالبا بضرورة وجود تعديلات تشريعية تعاقب على ممارسة الأعمال المنافية للآداب خارح الإطار الشرعى، وتتفق مع العرف والدين.