«توابل مغشوشة» تفتك بأمعاء المصريين
استخدام «العجين والصبغة السوداء» لإنتاج الفلفل الأسمر.. والاستعانة بخلاط أسمنت لعمل التركيبة
طحن أوراق شجر وخلطها بمواد كيماوية محظورة لإنتاج «حبة البركة» والبهارات.. والمطاعم الشعبية الأكثر استهلاكًا
خبراء: استيراد الخامات المستخدمة فى التصنيع من الصين.. وتؤدى للوفاة على المدى القصير
لا يمكن التفريق بينها وبين الأصلية داخل الطعام.. والرقابة على المنشآت غير المرخصة بداية الخيط
لا تخلو وجبة مصرية من بعض التوابل والبهارات التى تضفى نكهة على الأكلات المصرية تميزها عن باقى الأكلات، وهو ما يجعل مطابخ المصريين غير خالية من نوعين وثلاثة وربما أربعة للتوابل، لكن للأسف مع غياب الضمير اختمرت فكرة شيطانية فى عقول بعض الأشخاص الباحثين عن الثراء السريع وقرروا غش تلك التوابل مستخدمين مواد خام ضارة بصحة الإنسان وتصنيع بعض أنواع التوابل والتى تعطى نفس الرائحة، ولكن نتائجها كارثية على المدى القصير ومع كثرة الاستخدام.
وتنتهى بالمستهلكين بأمراض خبيثة تستوطن منطقة الأمعاء وهو ما رصدته «الزمان» فى ضوء حالات روت معاناتها مع التوابل المغشوشة، كما رصدنا كواليس التصنيع وخطواته بداية من نخل «التراب» حتى يصل إلى شكل «الكمون»، ومناطق توزيع تلك البضاعة المغشوشة وتأثيرها الضار على صحة المستهلك وكيفية التفريق بين الأصلى والمغشوش.
«لم أعرف أن الفلفل الأسمر سيكون سبب هلاك أمعاء زوجى».. بتلك العبارة بدأت صاحبة الأربعين عام «زينب محمد» حديثها لـ«الزمان»، قائلة: «فى سوق الخميس بالمطرية هناك كل ما لذ وطاب ولأننى أعيش فى تلك المنطقة منذ سنوات كنت أشاهد بعينى تجار التوابل ينهال عليهم الزبائن من كل مكان، ولأن الرائحة كانت نفاذة ولا تستطيع أن تقاومها كنت أشترى بشكل شهرى كمية من التوابل لا بأس بها ومن جميع الأصناف، ولأنها سعرها رخيص كنت أشترى لشقيقاتى وأقاربى».
وأضافت: «زوجى يعشق الطبيخ المضاف عليه الفلفل الأسمر والبهارات، ولأنى أعتمد أحيانًا نتيجة غلاء الأسعار على اللحوم البرازيلى كنت أستخدم الكثير من التوابل لمنحها طعما أفضل، وبعد فترة بدأ زوجى يشعر بإعياء شديد فى الأمعاء وبعد الكشف الطبى عليه لدى أكثر من طبيب نصحه بالابتعاد عن التوابل، وخاصة الفلفل الأسمر، إذ تسبب فى تقرحات بالأمعاء من الدرجة الثالثة، وهو ما دفعنى لسؤال صاحب الفرشة الذى اشترى منه عن مصدر تلك التوابل، وكان رده فى كل مرة أنها مستوردة من الهند، ومرات أخرى يخبرنى بأنها مصنوعة محليًا ومن أجود الخامات، حتى أجابنى أحد العاملين على الفرشة بالحقيقة، وأخبرنى بشكل ودى بأنها مصنوعة من خامات محلية وربما تكون خامات غير مطابقة للمواصفات ولكنها تعطى نفس الطعم والرائحة».
«الزمان» بدورها، حققت فى بعض المعلومات المتعلقة بعالم صناعة التوابل فى مصر وكيف تتم تلك العملية حتى تصل إلى شكلها النهائى، وكانت البداية مع أحمد عابد صاحب محلات لبيع العطارة والتوابل، والذى أكد لـ«الزمان» أن الكثير من الزبائن اشتكى لى من توابل مغشوشة ومجهولة المصدر يتم ترويجها فى الأسواق الشعبية وفى بعض محال البقالة والعطارة، وكنت أنصحهم بشراء التوابل على وجه التحديد من محال معروفة ويمكن الرجوع إليها قانونًا إذا كان المنتج غير مطابق للمواصفات.
ولفت إلى أن التوابل المغشوشة تصنع داخل ورش بير السلم والتى تقوم بتحويل التراب الذى ندوس عليه فى الأرض إلى توابل من خلال إضافة بعض نكهات التوابل والمستوردة من الصين، وأنت كزبون لن تميز بين الأصلى والمغشوش إلا بعد ظهور النتائج السلبية عليك سواء إعياء شديد بالأمعاء أو أية أعراض أخرى.
وأكد عابد أن المسألة منتشرة بقوة ولكن لم يسلط الإعلام ولا الصحافة عليها الضوء من قبل، بما شجع الكثير من الأشخاص على غش التوابل، وترويجها فى الأسواق الشعبية وبأسعار رخيصة بدلا من السليمة والموجودة فى كبرى المحال مثل «رجب العطار» وغيرها من كبرى المحال التجارية.
وحول طريقة التصنيع وصولا إلى بيع التوابل على شكلها النهائى للمواطنين، يروى «أ.ع» تجربته مع تلك المصانع والتى تعامل معها فيما مضى قبل أن يغادر هذا النشاط دون رجعة، لأن ما تحصل عليه من مكاسب هو مال حرام – على حد وصفه – قائلا: هناك نوعان من التوابل، الأول وهو السليم ويباع بالجرام وعلى ميزان إلكترونى حساس فهو من خامات نظيفة مستوردة وأحيانًا يكون مستوردا من الهند، أما النوع الآخر يباع بالكيلوجرام وهو رخيص الثمن ويلجأ بعض التجار إلى بيعه بالجرام لعدم لفت الأنظار إلى حقيقته ولكن بسعر أقل من السليم.
وأضاف أن عملية التصنيع تختلف من صنف إلى آخر، ولم يكن متاح تقليد كل الأصناف حتى وقت قريب، وفيما يخص الفلفل الأسمر على سبيل المثال يتم تصنيعه من خلال عجين يتم تحضيره فى الشمس وتركه لفترة حتى يجف تمامًا وبعد ذلك تأتى بصبغة سمراء وتقوم برشها عليه فيأخذ شكل الفلفل وعند طحنه يكون أنعم من الفلفل السليم وهو ما يجعل السيدات يرتحن للمغشوش بدلا من السليم، كذلك الكمون يتم طحن ورق شجر الجزوارين وإضافة محسنات بيضاء يتم صبغها فيما بعد وخلط كل هذه المواد سويًا داخل خلاط أسمنت لإنتاج الشكل النهائى، ومع مرور الوقت ابتكرت الصين وسيلة جديدة وهى نكهة التوابل وهى عبارة عن بودرة رخيصة الثمن يتم استيرادها من الخارج ويتم وضعها على تلك التركيبة لتصبح ذات رائحة نفاذة مثلها مثل التوابل السليمة.
ومن جانب ضحايا التوابل المغشوشة، تواصلت «الزمان» مع أفراد أصيبوا بمشاكل فى الأمعاء نتيجة استهلاك تلك النوعية من التوابل عن جهل ودون دراية منهم بأنها توابل مغشوشة، إذ يروى «محمد جمال» والذى اعتاد على شراء التوابل بنفسه لتعلقه الشديد برائحتها فى الطعام حتى ارتفع سعرها مما اضطره لشرائها من الأسواق الشعبية، ويقول إنه لم يستهلكها سوى شهرين متواصلين خاصة الفلفل الأسمر والذى كنت أضعه على كمية من الماء وأشربه يوميًا للتخلص من الكرش بحسب وصف بعض المتخصصين، وللأسف دخلت فى مشاكل بالأمعاء وقد نصحنى الأطباء بالتوقف عن ذلك الأسلوب أو البحث عن عطار يبيع توابل مضمونة بدلا من المغشوشة.
فيما التقط عبدالله صبرى طرف الحديث، قائلا: لم أتجاوز الثلاثين عامًا وأصبت بتقرحات الأمعاء بسبب تلك التوابل المغشوشة، وأنا واثق من أنها السبب وراء التعب الذى أعانى منه ليل نهار علمًا بأنى لا أتناول أية أطعمة خارج المنزل، ولكن للأسف تعودت زوجتى على وضع كميات من التوابل التى أشتريها من بائعى الأرصفة.
من جانبهم، اتفق خبراء التغذية على أن السبب الرئيسى وراء أمراض الأمعاء وما يترتب عليها من آثار نتيجة غياب الرقابة وعدم إحكامها على المصانع التى تقوم بغش التوابل، إذ أوضح الخبير بمجال التغذية محمد أدهم أن الفترة الماضية ومع ارتفاع الأسعار توجه المواطنون نحو المنتجات مجهولة المصدر، متابعا: التوابل واحدة من الأشياء التى لا غنى عنها داخل كل منزل فى مصر، ونعتمد عليها بشكل كبير فى تحضير الطعام لإضفاء طعم ورائحة ولكن يجب البحث عن مصادر موثوق بها لشراء تلك التوابل، فمثل تلك المنتجات تصيب الإنسان على المدى القصير بتقرحات وربما يتطور الأمر إلى أمراض أخرى مزمنة.
ويتفق معه الدكتور محمود حسن أخصائى السمنة والنحافة، قائلا إن بعض الوصفات لتخسيس المرضى تكون معتمدة على نوعيات من التوابل ولكن نوصيهم بالشراء من مناطق معروفة ومحال مشهورة لضمان الحصول على منتج جيد، ولكن إصابتهم بمضاعفات طبية نتيجة تناولهم تلك الأشياء مجهولة المصدر ليلقى بالتهمة على الطبيب ووصفاته، والحقيقة هو وجود خامات مسرطنة ومحظورة دوليًا يتم استيرادها من الصين لتصنيع تلك التوابل محليًا ومن هنا تظهر المشكلة.