عصائر «البودرة» تروي عطش الصائمين بالسرطان
أجوله مجهولة الهوية تروج بالأسواق وتباع بالكيلو.. وارتفاع أسعار الفاكهة يدفع المستهلكين لشرائه
مصانع «بير السلم» تنتجها من مكسبات طعم منتهية الصلاحية وصبغات مسرطنة
وخبراء يحذرون: تحتوى على مواد قاتلة تسبب أمراضا مزمنة
لا يختفى «إبريق العصير» من على مائدة المصريين خلال شهر رمضان الكريم، بما يساهم بشكل كبير فى إنعاش سوق عصائر البودرة، إذ وجد أصحاب الضمائر الشيطانية طريقهم لتحقيق مكاسب ضخمة من وراء التلاعب فى السلعة التى تروى عطش الصائمين، من خلال إنتاج وترويج كميات ضخمة من العصائر مجهولة المصدر، مستغلين ضعف القوة الشرائية للمستهلكين وعدم قدرتهم على شراء السلع الطبيعية المضمونة معروفة المصدر.
ليشهد فى المقابل سوق العصائر البودرة المباعة فى أجوله رواجًا ضخمًا بالأسواق الشعبية، مخلفًا وراءه مئات الضحايا المصابين بأمراض مزمنة بعد أن استوطنت المواد الضارة بالصحة أمعاءهم ليدخلوا بعدها فى دوامة الغسيل الكلوى، وانتهاءً بالمعهد القومى للأورام، وهو ما دفع وزارة الصحة هذا العام إلى التحذير من استهلاك عصائر البودرة مجهولة المصدر، والتأكد من سلامة المنتج الذى يتعاملون معه.
«سموم يشربها المواطن يغتالهم على المدى القصير».. بتلك العبارة بدأ الدكتور باسم محمد استشارى الجهاز الهضمى والكبد، حديثه لـ«الزمان»، قائلا إن عصائر البودرة مجهولة المصدر والتى انتشرت بقوة فى الأسواق الشعبية داخل أجولة وتباع بالكيلو أشد ما يكون على الأمعاء والجهاز الهضمى، فهى تحتوى على صبغات تدخل عادة فى صناعة تلك العصائر تتسبب فى مشاكل صحية على فترات زمنية مختلفة لمن يشربها بصورة معتادة ودائمة مثل الإصابة بالسرطان، وهو ما يدق ناقوس الخطر بالنسبة للمستهلك وما يجب أخذه فى اعتباره.
ولفت إلى أن هناك صبغات المحرم استخدامها فمثل تلك العبوات مجهولة المصدر لن تعتمد بأى حال من الأحوال على الصبغات المصرح بها من وزارة الصحة، إلى جانب احتواء عصائر البودرة على نسب هائلة من السكريات التى تضاف إليها وتتفاعل مع المياه التى يتم إعداد تلك العصائر منها، وهو أمر غير صحى لأن تناول السكريات يجب أن يكون بصورة مضبوطة هذا إضافة إلى المشاكل التى قد تطال المصابين بأمراض مزمنة.
وأضاف استشارى الجهاز الهضمى أن أمراض الفشل الكلوى تفشت بين المواطنين لعدة أسباب، يأتى من بينها تناول تلك العصائر مجهولة المصدر والتى تفتك بأمعائهم وهى موجودة طوال العام وتستهلك بقوة بين الأطفال، لكن فى موسم رمضان يرتفع الاستهلاك إلى 100% ومن ثم تنتشر الأمراض المعوية خلال هذا الشهر دون باقى الشهور، ومن الأمراض قرح الأمعاء بسبب ارتفاع تركيز مكسبات الطعم بعصائر البودرة مجهولة المصدر، ناهينا عن أمراض السمنة المصاحبة لتناول تلك العصائر بإفراط.
وحول القصة الكاملة لتصنيع تلك العصائر وتوزيعها بالأسواق، تواصلت «الزمان» مع أحد المطلعين على عالم عصائر البودرة مجهولة المصدر، وهو من قاطنى قرية البرادعة التابعة لمدينة القناطر الخيرية ويسميها البعض بالصين الشعبية، إذ اشتهرت بتقليد بعض السلع الغذائية ومن مواد مجهولة المصدر، ويروى «محمد.ز» لـ«الزمان» أنه عمل سابقا بواحدة من مصانع بير السلم لعمل عصائر البودرة، موضحا: «تعتمد الصناعة فى الأساس على مكسب الطعم والريحة واللون، أما البودرة التى تذوب مع الماء فهى بودرة ملمع سيراميك أو ما نطلق عليه داخل المصانع اسم محسنات، وداخل وعاء كبير يتم سكب كمية البودرة مضاف عليها المكسب طعم ورائحة وكذلك الصبغة ويتم خلط الكمية ووضعها داخل أجوله وتوزيعها على المحال التجارية سواء كانت جملة أو قطاعى بسعر 250 جنيها للجوال الواحد، ويحقق صاحب المحل ضعف المبلغ مكاسب وربما الضعفين خاصة فى موسم رمضان.
وأضاف أن هناك نوعين من المصانع، الأول يقوم بتعبئة العصير البودرة داخل عبوات ووضع اسم وعلامة تجارية مضروبة وتاريخ صلاحية مضروب أيضًا وتوزيعها على المحال التجارية بنظام القطاعى، وهو أكثر ربحية ولكن مخاطره كبيرة إذ تعرض نفسك للتعامل مع المستهلكين بشكل مباشر، وبالتالى من السهل تتبعك ومعرفة مكان المصنع وتقديم بلاغ ضد صاحبه الذى لم يحصل على أية تراخيص بالأساس، أما النوع الثانى وهو الذى يقوم بتعبئة العصير البودرة داخل جوال وتوزيعه على المحال لبيعه بالكيلو، ويتم تسريب تلك الكميات داخل الأسواق الشعبية مثل سوق المطرية وسوق الأحد فى شبرا الخيمة، إلى جانب مناطق الصعيد التى تعتبر من المناطق الشرهة فى استهلاك تلك العصائر.
ويلتقط «م.ع» طرف الحديث، قائلا: «اشتغلت لعام واحد فى مصنع لإنتاج عصير البودرة بقرية أبوالغيط بالقليوبية، ورأيت كيف يتم تصنيع العصائر التى انتشرت فى المواصلات العامة عن طريق الباعة السريحة، إذ يقوم صاحب المصنع بشراء خلاط أسمنت صغير الحجم ويقوم بوضع المكونات وخلطها لمدة ساعة أو أقل ومن ثم يتم تفريغها داخل وعاء والاستعانة بالعمال لتعبئة العصير داخل أجولة أو عبوات، وكان المصنع الذى اشتغلت به يقوم بالتوزيع جملة وقطاعى وتمت مداهمته قبل ذلك وألقى القبض على صاحبه لكن استطاع شقيقه العودة والعمل مرة أخرى والاستعانة بنفس العمال، ولكن هذه المرة رفضت العودة خوفًا من إلقاء القبض عليّ».
فيما حذر الدكتور أحمد عامر استشارى الأورام، من خطورة تلك العصائر، قائلا إن عصائر البودرة المملوكة للعلامات التجارية الكبيرة تحتوى على صبغات ونسبة سكريات ضارة بالمستهلك، فما بالنا بالمجهولة وغير المتعارف على مكوناتها، ولا أدرى لماذا تتجاهل الأجهزة الرقابية إلقاء القبض على أصحاب تلك المصانع وتشديد العقوبة عليهم لتصل إلى المؤبد، فهم لا يقلون خطورة عن تجار المخدرات وكلاهما يدمران صحة الإنسان.
واستطرد: «كل ما تحتويه عبوة عصير البودرة من مكونات تفتك بالمستهلك وتسبب له السرطان، وبالتالى أناشد بقوة الأجهزة الرقابية بتشديد الرقابة على الأسواق وضبط أجولة عصير البودرة».