«الشاي المغشوش» يعكر مزاج المصريين
ألاعيب ملتوية لتعبئة الشاى داخل مصانع بير السلم
ضبط مئات الأطنان بالمحافظات
استغلال علامات تجارية شهيرة وترويج المنتج بأسعار متدنية لضمان الانتشار.. وتصنيع العبوات الفارغة بمعرفة مطابع باسوس بالقليوبية
مصطفى شاهين
ارتبط الشاى فى أذهان المصريين بالوسيلة الفعالة للقضاء على الصداع وضمان راحة البال، بالشكل الذى جعله أيقونة نشاطهم، حتى فى ساعات الحر التى تتطلب مرطبات ومثلجات إلا أن الشاى كان حاضرا بقوة بالشكل الذى لا يدفع الشركات إلى الإعلان بكثرة عن منتجاتها فهو مثل السجائر لا يمكن لمتعاطيها الإقلاع عنها بسهولة، ومع مرور الوقت وانتشار علامات تجارية كثيرة داخل السوق تسللت عصابات وتمركزت فى محافظات مصر واتخذت من أوكارها وسيلة لتعكير مزاج المصريين بالشاى المغشوش المصنوع من التراب على حد وصف من تحدثت إليهم «الزمان».
كانت البداية التى قادتنا لفتح ملف «الشاى المغشوش» الضربات المتتالية التى وجهتها مباحث التموين لمافيا تزوير الشاى بمحافظتى الدقهلية والجيزة منذ فترة، لتعود من جديد فى محافظة القليوبية والتى ينظر إليها البعض كالمنصة، إذ تنطلق منها كميات هائلة من المنتجات غير المرخصة وغير المطابقة للمواصفات إلى جميع أنحاء الجمهورية، بالدرجة التى جعلت بعض الأهالى يقومون بتزوير عبوات «البايرسول» المخصص لقتل الذباب والناموس.
مصدر بمباحث التموين – فضل عدم ذكر اسمه - أكد لـ«الزمان» أنه تم رصد كميات هائلة من الشاى المغشوش معبأة داخل عبوات لشركات عالمية ومعروفة بجودة منتجاتها، وذلك فى محافظتى الدقهلية والجيزة، ففى المرة الأولى تم رصد 4 آلاف باكو شاى وعبوات فارغة مقلدة داخل مصنع غير مرخص لتعبئة الشاى بالدقهلية، وتمت الاستعانة بمواد مجهولة المصدر ووضع شاى مغشوش فرز رابع وطرحه بالأسواق بأسعار متدنية لتحقيق أرباح طائلة غير مشروعة، وفى المرة الثانية تم ضبط صاحب مصنع دون ترخيص بمنطقة إمبابة لتعبئة الشاى المغشوش، وتقليد ماركة معروفة، وبحوزته 850 كيلو شاى عبوات مختلفة الأحجام.
وتابع المصدر: الـمر ليس مقتصرا على الواقعتين وهناك وقائع أخرى على مستوى الجمهورية، إذ هى وسيلة فعالة لتحقيق الربح السريع فى الوقت الذى يبحث فيه المستهلك عن توفير ولو بضعة قروش فى كل سلعة، وبالتالى وجدت تلك المنتجات ضالتها نحو المستهلك الذى لا يعنيه سوى السعر فى النهاية، وطالما كان فى متناول اليد إذن فالمنتج سليم، ولكن حفاظًا على أرواحهم نعمل باستمرار على ضبط المزيد من تلك المنتجات والتى انتشرت فى محافظات مصر.
«الزمان» بدورها تواصلت مع أفراد لديهم معلومات بشأن عمليات غش الشاى، إذ أوضح «أدهم.ع» 33 عاما، وسبق له العمل فى تعبئة الشاى المغشوش، قائلا: «تستطيع القول أن الشاى المغشوش هو عبارة عن تراب تم تغليفه داخل أكياس لعلامات تجارية شهيرة، وتبدأ العملية بشراء مادة أديست، وهى مستوردة من الهند عبارة عن شاى غير معبأ، وذى لون فاتح تستطيع أن تميز بينه وبين الشاى السليم، وبالتالى يلجأ صاحب المصنع إلى إضافة صبغة حمراء اللون وهو ما يجعل الشاى أحمر أثناء تناوله، وبعد وضع الصبغة بأيام قليلة ربما لا تزيد عن أربعة إلى خمسة أيام يتم تجفيفه تمامًا لمنع تسلل الصبغة منه، ومن ثم يتم وضعه داخل العبوات المعدة مسبقًا لهذا الغرض».
وأضاف أدهم أن طريقة التحضير لا تختلف من مصنع إلى آخر وجميعها واحدة ولكن تختلف العبوات، فهناك أشخاص يقومون بتقليد الماركات العالمية وآخرون يقومون بتصنيع عبوة تحمل اسما جديدا وعلامة تجارية جديدة دون وجود سجل تجارى وبطاقة ضريبية وموافقة من وزارة الصحة، ويعتبر هذا الصنف قليل الانتشار خوفًا من افتضاح أمره مع الحملات التموينية التى تجوب المحال التجارية وسهولة رصده، وبالتالى يجد رواجا فى الأقاليم والريف حيث لا يسأل أحد عن اسم الشاى وماركته طالما كان موجودا، ومجرد أن يتم تعبئة الشاى المغشوش فى العبوات السليمة لا تستطيع التمييز بين الاثنين إلا عند تذوقه وغالبًا ما تجد له رائحة وأحيانًا تلقى اللوم على الزوجة التى قامت بتحضيره ونقول عبارة «الشاى كرف» فى إشارة إلى أنه التقط رائحة سائل غسيل الأطباق.
وعن أماكن تصنيع الشاى المغشوش، أكد «عادل.ص» والذى عمل فى توزيع تلك العبوات المغشوشة فيما مضى قبل أن يتم القبض عليه فى حملة أمنية ويتعرض للسجن ثلاث سنوات، ليتم الإفراج عنه مؤخرًا، قائلا: «تبت إلى الله ولن أعود إلى ذلك الطريق الشمال مرة أخرى، وأتمنى أن يتم القبض على جميع أصحاب مصانع التعبئة بطريقة بير السلم، لأن الصبغات المستعملة فى صبغ الشاى هى نفسها المستعملة فى صبغ الجلود وهى شديدة الخطورة على صحة الإنسان وتصيبه بأمراض لدرجة أننى وأثناء العمل فى المصنع لم أكن أتناول الشاى خوفًا أن تكون العبوة واحدة من العبوات التى نقوم بتعبئتها».
وأضاف عادل: «كنا نعمل طوال الليل والنهار، فهى صناعة لا تسبب ضوضاء ولا تحتاج إلى مساحة كبيرة، إذ قام صاحب المصنع بتفريغ شقة بالطابق الأرضى وعمل ورديتين صباحية ومسائية لتنفيذ جميع الطلبيات، وكنا مقسمين إلى ثلاث مجموعات، الأولى تقوم بتفريغ أجولة الشاى الهندى وهو صنف رابع سيئ المذاق، ثم تقوم المجموعة الثانية بسكب كميات من الصبغة على الشاى وخلط الكمية ثم تقوم المجموعة الثالثة بوضعها داخل خلاط توكتوك، وهو خلاط صغير الحجم يستخدم فى صب العمدان الخرسانية وبناء المنازل ولكنه صغير الحجم، وتستمر عملية الخلط لدقائق، وأخيرًا يتم وضع الشاى فى غرفة وتسليط الضوء عليه لتجفيفه وأحيانًا نستعمل الهواء الساخن، ثم تأتى مرحلة التعبئة ولصق العبوات باستخدام معدات مجهزة لذلك».
على الجانب الآخر، وصف المهندس أشرف عبدالغنى خبير جودة بواحدة من المصانع المعتمدة فى صناعة الشاى، التركيبة المغشوشة بـ«القاتلة»، مضيفًا: «العبوات المستعان بها يتم تقليدها داخل مطابع وهى سهله للغاية، وقد حاولت الشركات وضع علامات مائية للتفريق بينها وبين المغشوشة لكن دون فائدة، وبالتالى لا بد من الإشارة هنا إلى خطورة تناول هذا الشاى المغشوش، ففى حال تناول الشاى الهندى ذى الفرز الرابع، فهو لا يصيب بأية أمراض فهو شاى بنهاية المطاف، ولكن إضافة صبغات عليه هذا هو الأمر الخطير والقاتل فى الموضوع، إذ تتسبب تلك الصبغات فى إصابة الأمعاء بسرطان وأورام حال تناوله بكثرة على المدى البعيد».
وتابع عبدالغنى: هناك ثلاث علامات تستطيع أن تميز بها الشاى السليم من المغشوش، الأولى اللون ففى حالة المغشوش يكون شديد الاحمرار، والعلامة الثانية الرائحة فيكون ذا مذاق سيئ ورائحته نفاذة، والثالثة تشعر وكأن هناك تراب داخل العبوة وذلك أثناء تفريغه من العبوة إلى الكوب وتستطيع رؤية الغبار بالعين المجردة».
فيما أوضح المستشار أسامة الرخ المحامى بالنقض والإدارية العليا، أن ما يحدث من غش لعبوات تجارية يندرج بالمخالفة لأحكام القانون رقم 281 لسنة 1994 والقانون رقم 67 لسنة 2006 والقانون رقم 82 لسنة 2002 والقانون رقم 359 لسنة 1956 والقانون رقم 24 لسنة 1977 والقرار الوزارى رقم 113 لسنة 1994، وهى جرائم تستوجب الحبس والغرامة على كل من يتورط بها.