«مشلة».. قرية اهتم بها الرئيس وتجاهلتها الحكومة
منطقة ينتهشها السرطان فى ظل نسيان وزارى
ورى الأراضى الزراعية بمياه الصرف الصحى واختلاطها بمياه الشرب
ارتفاع نسبة المصابين بالسرطان والأورام وانتشار الفيروسات القاتلة بين الأهالى
ومشروع الصرف توقف رغم توجيهات الرئيس بسرعة الانتهاء منه
أهالى مشلة: نعيش داخل مقبرة جماعية.. والمسئولون لا يملكون سوى الوعود ولا نملك سوى الدعاء
كانت عقارب الساعة تشير إلى السادسة صباحًا حينما استيقظ عادل محمد ذلك الرجل الأربعينى ليرتدى جلبابه الفلاحى ويوقظ نجله محمد، منطلقين فى رحلة تستغرق ثلاث ساعات من قرية مشلة بكفر الزيات فى محافظة الغربية، متجهين صوب مستشفى سرطان الأطفال بالسيدة زينب، للخضوع لواحدة من جلسات الكيماوى التى اعتاد نجله الحصول عليها بشكل دورى بعدما أصيب بالسرطان، على خلفية البيئة التى ولد فيها ذلك الفتى الذى يحلم بأن يصير فى يوم من الأيام ضابطا بالجيش المصرى.
وعلى بعد عشرات الكيلومترات من مدينة كفر الزيات بالغربية، يعيش أبناء قرية مشلة، والمعروفة باسم قرية السرطان، حياة لا يحسدون عليها، فحالة الطفل محمد ليست الأخيرة فى قائمة طويلة ضمت عشرات بل مئات الأطفال مصابين بأمراض متفاوتة، ناهيك عن انتشار الفيروسات القاتلة التى تنهش فى جسد الفلاحين الذين ارتويت أراضيهم بمياه الصرف الصحى.
وكانت المفارقة الغريبة التى رصدتها «الزمان» اثناء رصد معاناة الأهالى مع الأمراض المنتشرة بالقرية هو استقبال الرئيس عبدالفتاح السيسى قبل عامين أحد الأطفال المصابين بالسرطان ويدعى أحمد، وهو من قرية مشلة بالغربية، وقد تحدث الطفل عن معاناة الأهالى مما دفع الرئيس وبشكل فورى إلى إصدار تعليمات وتوجيهات مشددة للمسئولين ببحث الأمور الخاصة بتلك القرية، وعمل محطة للصرف الصحى وقد تناولت جميع وسائل الإعلام وقتها توجه المعدات نحو القرية وبدء العمل، لكن بشكل مفاجئ وصادم توقف العمل ولم يتم الانتهاء من أى شيء بما يجعل الحكومة منعزلة تمامًا عن توجيهات الرئيس ولا تزال تعمل بنفس السياسات القديمة التى قلبت الشعوب على الحكام.
رضا عبدالله أحد أبناء القرية، يروى لـ«الزمان»، معاناتهم مع الأمراض القاتلة، قائلا: لا نزال نعيش فى نفس الكابوس ولم يتبدل شيء، والصورة كما كانت عليه قبل سنوات وربما زادت سوءًا، وملخص الحال هو اختلاط مياه الشرب بالصرف الصحى ورى الأراضى يتم بواسطة مياه ملوثة يتم إلقاؤها فى الترع نظرًا لعدم وجود محطة مياه صرف صحى، والتى بدأ العمل بها عام 2016 على الورق فقط ولم يتم الانتهاء منها حتى الآن، والسبب عدم انتهاء المحافظة من انتزاع ملكية الأرض المخصصة لبناء محطة الصرف الصحى، نظرًا لعدم دفع المحافظة المبالغ المالية المتفق عليها مع الأهالى.
وأضاف: «أبناؤنا يدفعون الثمن من صحتهم وحينما أعلنت وزارة الصحة عن مبادرة 100 مليون صحة كانت الكارثة مع كشف وجود مئات الحالات مصابة بفيروس سى، رغم أن النسبة التى توجهت لعمل التحاليل الطبية لا تقارن ببقية أبناء القرية، فما بالنا لو ذهب الجميع ستكون النتيجة كارثية، والعلاج لحل مشاكل القرية بسيط ويتلخص فى عمل محطة صرف صحى».
ويلتقط أحمد همام طرف الحديث، قائلا: توجد بالقرية ترعة وعد المسئولون بتغطيتها بالكامل لمنع عمليات الصرف العشوائى التى تتم بشكل يومى جهارًا نهارًا، وتمت تغطية جزء بسيط منها بعد لقاء الرئيس بالطفل أحمد أحد أبناء القرية بقصر الاتحادية، لكن سرعان ما همّ المسئولون بجمع المعدات بعد أن تم تصويرهم وهم ينفذون التعليمات الرئاسية، وغادروا القرية دون رجعة، ومنذ ذلك الحين ونحن نستجديهم ونستغيث بهم للعودة مرة أخرى لكن دون فائدة».
واستطرد همام: «المسئولون صموا آذانهم ويرفضون الاستماع إلى مطالبنا، وهو ما استدعانا إلى إرسال عشرات الاستغاثات إلى مجلس الوزراء ورئيس الحكومة والمحافظة لحماية الأهالى من الأمراض المنتشرة بين سكان القرية، لا سيما أننا نعيش حياة العصور الوسطى، فعلى سبيل المثال لا الحصر أحيانًا تنقطع المياه باليومين والثلاث دون استجابة من مسئول، كذلك اشتعال النيران فى عدد من المنازل قبل ذلك واستمرار الحريق لساعات ونفوق الماشية فى ذلك الحادث دون استجابة من مسئول، وأعتقد أن الحكومة لو أرادت أن تعاقبنا لن تفعل أكثر من ذلك من تجاهل وعدم إحساس بالمسئولية.
وعن وضع الطرق بالقرية، يروى محمود خلف معاناة التلاميذ، قائلا: موسم الشتاء يعتبر موسم إجازة لدى الطلبة من المدارس فما أن تسقط الأمطار يتم إغلاق المدارس نظرًا لصعوبة المرور من الطرق المؤدية إلى المدارس، سواء كانت الابتدائية أو الإعدادية أو الثانوية، وبعض العائلات تعتمد على الحمير فى نقل أبنائهم وهى وسائل بدائية تعود بنا إلى العصور القديمة.
فيما حذر، الدكتور أحمد سويلم استشارى الجهاز الهضمى وأمراض الكبد بطب القصر العينى، من خطورة الوضع بقرية مشلة بعد أن شارك فى توقيع الكشف الطبى المجانى على عدد من أبناء القرية داخل عيادته الخاصة بمدينة كفر الزيات فى الغربية، قائلا: الوضع صعب ولا بد من تدخل أعلى الجهات الرسمية بالدولة، فما تعيشه تلك القرية وتشهده من أمراض مزمنة وخبيثة يستوجب محاسبة المسئولين، علمًا بأن مياه الصرف الصحى ربما تكون قد تسللت أيضًا إلى المياه الجوفية، والتى يعتمد عليها غالبية الأهالى بحسب حديث معهم أثناء توقيع الكشف الطبى، وقد رصدت إصابة جميع الحالات بفيروس سى، والحمدلله أنه يوجد علاج لهذا المرض المزمن.
وتابع سويلم: رى الأراضى بمياه الصرف الصحى يصيب النبات الذى ينتقل بطبيعة الحال إلى الحيوان ومنه إلى الإنسان ليصاب الهرم الغذائى بالأمراض الخبيثة، وتنتهى بوفاة الإنسان على المدى البعيد، وأتمنى من الحكومة النظر إلى تلك القرية، علمًا بأن استمرار الوضع كما هو عليه سيؤدى لمزيد من الأضرار.