في عيد ميلادها الـ 84.. حكاية ست أغاني غنتها فيروز للدول العربية
بصوت قوي كالجبال ممزوج بورقة ناعمة يصحبها وقوفا شامخ على خشبة المسرح، كانت "فيروز" تطل دائما وتطرب محبيها وعشاقها حول العالم بصوتها العذب، في مثل هذا اليوم الـ 21 من نوفمبر تحتفل جارة القمر بعيد ميلادها الـ 84 في تلك المسيرة التي امتدت لأكثر من نص قرن قدمت خلالها المئات من الأغنيات، التي مازالت تُشعر النفوس والأبدان عند سماعها برقتها وإحساسها.
فيروز بدأت عملها الفني في عام 1940 مغنيةَ كورس في الإذاعة اللبنانية، عندما اكتشف صوتها الموسيقي محمد فليفل وضمها لفريقه الذي كان ينشد الأغاني الوطنية ألف لها حليم الرومي مدير الإذاعة اللبنانية أول أغانيها.
وكانت انطلاقة فيروز الجدية عام 1952 عندما بدأت الغناء بألحان الموسيقار عاصي الرحباني الذي تزوجت منه بعد هذا التاريخ بثلاث سنوات، وأنجبت منه أربعة أطفال، وكانت الأغاني التي غنّتها في ذلك الوقت تملأ القنوات الإذاعية كافّة، وبدأت شهرتها في العالم العربي منذ ذلك الوقت، حيث كانت أغلب أغانيها آنذاك للأخوين عاصي ومنصور الرحباني الذين يشار لهما دائما بالأخوين رحباني.
شكل تعاون فيروز مع الأخوَين رحباني مرحلة جديدة في الموسيقى العربية، حين تم المزج بين الأنماط الغربية والشرقية والألوان اللبنانية في الموسيقى والغناء، وساعد صوت فيروز ورّقته على الانتقال دائما إلى مناطق جديدة، ففي وقت كان فيه النمط الدارج هي الأغاني الطويلة إلا أن فيروز قدمت أغاني قصيرة.
وقدمت فيروز خلال مسيرتها الغنائية عدداً من الأغاني تعبر عن مراحل بعينها لعدد من الدول العربية حيث غنت لمصر أغنية تحمل عنوان مصر عادت شمسك الذهبي وللملكة العربية السعودية أغنيتها الشهير "غنيت مكة"، وقدمت عدد كبير من الأغاني لوطنها لبنان.
وتعد أشهر الأغاني التي قدمتها فيروز على الإطلاق لفلسطين أغنية "زهرة المدائن"، التي عبرت فيها عن مناصرتها للقضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني، كما غنت للأردن أغنية بعنوان "عمان في القلب"، وغنت للجزائر أغنية "رسالة إلى جميلة بوحيرد" التي غنتها للمقاومة الجزائرية الشهيرة والتي تجسد مدي الترابط الكبير الذي عبرت عنه السيدة فيروز لمحيطها العربي.
غنت فيروز لكثير من الشعراء والملحنين؛ منهم ميخائيل نعيمة بقصيدة تناثري، وسعيد عقل بقصيدة لاعب الريشة. كما أنها غنت أمام العديد من الملوك والرؤساء وفي أغلب المهرجانات الكبرى في العالم العربي، وأطلق عليها عدة ألقاب منها "سفيرتنا إلى النجوم" الذي أطلقه عليها الشاعر سعيد عقل للدلالة على رقي صوتها.
وقدّمت مع الأخوين رحباني، وأخيهما الأصغر إلياس، المئات من الأغاني التي أحدثت ثورة في الموسيقى العربية لتميزها بقصر المدة وقوة المعنى، بخلاف الأغاني العربية السائدة في ذلك الحين التي كانت تمتاز بالطولن زيادة على ذلك، كانت أغاني فيروز بسيطة التعبير مع عمق الفكرة الموسيقية وتنوع المواضيع؛ حيث غنت للحب والأطفال، وللحزن والفرح والوطن والأم. قُدِّم عدد كبير من أغاني فيروز ضمن مجموعة مسرحيات، وصل عددها إلى خمس عشرة مسرحيّة، من تأليف وتلحين الأخوين رحباني، تنوّعت مواضيع المسرحيّات بين نقد الحاكم والشعب وتمجيد البطولة والحب بشتى أنواعه.
على الرغم من قلة عدد القصائد التي غنتها فيروز نسبة إلى إجمالي أغانيها، إلاّ أن القصائد تعتبر من أجمل أغانيها، مثل خذني بعينيك، والآن الآن وليس غدا، وتناثري وسكن الليل، وزهرة المدائن، وأناجيك في سر، وأعطني الناي وغني، وأحب من الأسماء، ولما بدا يتثنى. لكن هذه الأغاني لا تذاع كثيرًا في التليفزيون، ربما لأن بعضها غير مصور.
لم تترك فيروز لبنان في الحرب اللبنانية؛ بل ظلت فيه رافضة النزوح منه، ممثلة بذلك أعلى درجات حب الوطن والانتماء. وحتى حين فقدت ابنتها ليال بعد أن تعرض منزلها لقصف صاروخي ظلت على موقفها. وبقيت فيروز طيلة فترة الحرب منقطعة عن الغناء في لبنان، حتى لا تُحسب أنها منحازة لفئة ضد أخرى.
ولم تسلم مواقف فيروز السياسية من نقد بعض المجموعات، فمثلاً تعرضت للنقد من جماعات معادية لنظام البعث الحاكم بسوريا عندما غنّت فيروز في دمشق عام 2008، وفي أواخر عام 2013، صرح ابنها زياد بحب والدته للسيد حسن نصر الله، مما أثار ردود فعل إعلامية؛ الأمر الذي أثار ضجة دعت ابنة فيروز، ريما الرحباني، والناطقة باسمها، إلى إصدار بيانها إلى مَن أسمتهم بـ"أصدقائها الفيروزيين فقط لا غير"، مؤكّدة لهم بأنّها تعرف بأنّ الحملة الإعلاميّة الأخيرة الناتجة عن تصريحات زياد عن لسان فيروز قد ضايقتهم وتركت عندهم تساؤلات كثيرة، ولكنّها دعتهم إلى عدم انتظار ردّ من فيروز، لأنّهم، على حدّ قولها، يعرفون بأنّ فيروز التزمت عدم الردّ منذ زمن طويل، ومهما كلّف الأمر، فكيف إذا كان هذا الأمر متعلّقًا بزياد تحديدًا.
وتابعت قائلةً: "أؤكّد لكم من موقعي، ومن هذا البيت، ومن حرصي وواجبي على المحافظة على احترام فيروز لاسمها، ومسيرتها، ورسالتها، وأعمالها، وماضيها، وحاضرها، وأسلوبها بالتعاطي مع الأمور، فإنّ هذا الموضوع وكل المواضيع والتصريحات السابقة السياسية وغير السياسية التي تناولت فيروز، لا تتعدّى كونها تكهنّات وتركيبات زيادية على حساب فيروز فقط لا غير، فلا تزعلوا، لأن مصير هذه الحملة سيكون مثل كل الحملات التي سبقتها، وهو معلوم.