”أدوية الجدول” تقتل أصحاب الأمراض المزمنة بالبطىء
زادت معاناة مرضى الأورام ومرضى العظام فى السنوات الخمسة الماضية أضعاف ما كانوا يعانون منه قبل ذلك، وذلك بعد أن وضعت وزارة الصحة أغلب الأدوية المسكنة للألم على جدول المخدرات وبالتالى لا تصرف إلا بروشته طبيب، وحتى الأخيرة لم تعد تفلح معهم بعد أن امتنعت الصيدليات أو أغلبها عن صرف الأدوية بحجة عدم وجودها وضخها عبر أبواب خلفية فى السوق السوداء لتحقيق أرباح 500% من قيمتها الحقيقية.
وبالتالى تصبح وسيلة المنع ووضع الدواء على جدول المخدرات هى أفضل طريقة لتحقيق ثراء سريع للصيدليات، ليقابله زيادة فى معاناة أصحاب الأمراض المزمنة ولأن الهدف "نبيل" من وجهة نظر وزارة الصحة سعيًا منها للقضاء على استغلال الأدوية وتحويلها إلى مخدرات، إلا أن الوزارة لم تضع آليات واضحة لمساعدة أصحاب تلك الأمراض المزمنة.
"أعانى من التهاب الأعصاب ولا أستطيع الاستغناء عن دواء ليروين المحتوى على مادة بريجابالين، وللأسف تم وضعها على جدول المخدرات".. بتلك العبارة بدأ صاحب الخمسة وثلاثين عامًا حديثه لـ"الزمان"، حيث يروى "فارس عبدالله" مندوب المبيعات، معاناته قائلاً: بعد إدراج مادة البريجابالين على جدول المخدرات، أنه تم منع حوالى 90 صنف دواء يستخدم تلك المادة الفعالة والتى تعالج حالات الصرع والتهاب الأعصاب الذى أعانى منه منذ سنوات ولا أستطيع العمل دون تناول الدواء بصفة منتظمة ودون روشتة طبيب، كنت أذهب إلى الصيدلى وأشترى علبة الدواء بكل سهولة، عكس الآن، حيث اضطر إلى شرائها من السوق السوداء بثلاثة أضعاف قيمتها الحقيقية وأحيانًا لا تكون متوفرة بقصد من الصيدلى لتعطيش المنطقة منها، ثم تباع بأضعاف قيمتها الحقيقية.
وأضاف، أنه ليس الذى يعانى تلك الأزمة، هناك أيضا صيدليات تشترط روشتة الطبيب لصرف الدواء المدرج على الجدول ولكن حتى الروشتة لا تعنى شيئا لبعض الصيدليات التى تخزن الأدوية لبيعها إلى الشباب الذى يتعاطى الأدوية المخدرة، وأقترح على وزارة الصحة أن يكون لديها منافذ لبيع الأدوية الموجودة على جدول المخدرات أو فى صيدليات بعينها تكون محل ثقة من جانب الصحة ومن خلال روشتة الطبيب يتم صرف الدواء بسعره الحقيقى.
وبنفس المعاناة، يستمر "محمود" فى البحث عن دواء العظام لوالدته التى تعانى من انزلاق غضروفى وتستعمل مسكن "ليركا" والذى تم إدراجه ضمن جدول المخدرات مؤخرًا، ليجد نفسه وجهًا لوجه مع سماسرة سوق الأدوية الموجودة على جدول المخدرات ليضطر إلى شراء العقار الذى يسكن أوجاع والدته بأضعاف السعر الأصلى.
ويروى "محمود" معاناته ووالدته، قائلاً إن روشتة الطبيب لا يتم الاحتجاج بها حتى لا تخرج علينا وزارة الصحة والصيدليات تدعى أنها وسيلة لصرف الأدوية، علمًا بأن مكسب بعض الصيدليات يأتى من وراء بيع أدوية مخدرة لبعض الشباب، وفى المقابل يتم منع الدواء عن الحالات التى تعانى بصدق من وجع العظام، وهى معاناتى ووالدتى والتى أضطر فى أحيان كثيرة إلى شراء كمية من الدواء ربما عبوتين إلى ثلاثة، وقبل انتهاء شريط الدواء الأخير أبدأ جولتى على الصيدليات وعلى تجار الدواء.
وأوضح عن وجود صفحات بموقع التواصل الاجتماعى "فيس بوك" يتم عرض الأدوية الموجودة على جدول المخدرات ومن خلالها تتم عملية البيع، وأحيانًا اضطر للذهاب إلى تلك الصفحات، ولا أعلم سر انزعاج وزارة الصحة بشكل مستمر ورغبتها فى وضع جميع المسكنات على جدول المخدرات وأخشى أن يتم قريبًا وضع أدوية الصداع على نفس الجدول، وأعتقد ومن واقع تجربتى المريرة أن هناك مافيا تقف وراء تلك الأمور الشائكة التى تغضب المرضى أكثر من أمراضهم.
روشتة مضروبة
فى المقابل، استطاع بعض الأشخاص صرف أدوية على جدول المخدرات والمتاجرة بها أو تعاطيها من خلال روشتة مضروبة يتم تزويرها بواسطة مطابع موجودة بشارع "محمد على" بمنطقة العتبة بوسط القاهرة، وهو ما أكده الدكتور مايكل مجدى "صيدلانى"، قائلاً إن بعض الأشخاص تتردد علىّ فى الفترة الأخيرة وفى كل مرة يحمل روشتة جديدة باسم طبيب أعرفه بشكل شخصى وهو طبيب عظام ومدون بالروشتة أدوية كثيرة أغلبها مسكن للألم وبعضها جدول مخدرات، وفى كل مرة يكون تاريخ الروشتة حديثا، حتى اشتبهت فى أمره وتواصلت مع الطبيب وطرحت عليه الاسم نفس اليوم الذى جاء هذا الشخص إلى الصيدلية ونفى تمامًا معرفته، وعرفت أن الروشتة تم تقليدها باسم الطبيب والتخصص ليتمكن من خلال تلك العملية صرف الأدوية الموجودة على جدول المخدرات ومن كبرى سلاسل الصيدليات.
وأضاف، أن تزوير الروشتة أصبح شكلا معتادا من الأساليب المستخدمة فى صرف الأدوية الممنوعة فى السوق، وأحيانًا يطلب بعض المرضى من الطبيب تدوين أدوية ممنوعة مقابل رفع قيمة الكشف وجميعها أمور معروفة للصيادلة، والحل يكمن فى وزارة الصحة وإدارة التفتيش الصيدلى، وعدم الاستسهال فى إدراج الأدوية على جدول المخدرات بحجة أن البعض يستخدمها كمخدرات وإن كانت كذلك يجب توفير منافذ رسمية فى المستشفيات لتوفير تلك الأدوية للمرضى، خاصة مرضى السرطان ومن يخضعون لجلسات كيماوى ويحتاجون لمسكنات قوية مثل "ترامادول" وغيره من المسكنات الفعالة.
ويتفق معه، الدكتور هانى عزيز "صيدلى"، قائلاً إن البعض باع ضميره للشيطان ويستغل حاجة مرضى الأورام لبعض الأصناف الموجودة على جدول المخدرات ويقوم بيعها للسوق السوداء وعزل تلك الأدوية عن باقى الأصناف داخل الصيدلية لتجنب حملات التفتيش الصيدلى وتسجيلها على جهاز الكمبيوتر بأنها مباعة وفى الواقع تكون بحوزة الصيدلانى.
وتابع، أن الوضع مؤسف على مرضى الأورام والعظام ممن يتألمون وبعضهم يأتى الصيدلية يصرخ، فهل من المعقول أن تقوم وزارة الصحة بوضع كل هذا الكم من المسكنات على جدول المخدرات لأنها غير قادرة على ضبط المنظومة واستهلاك المدمنين أدوية المرضى، وبدلاً من إدراج الأدوية على الجدول بحساب ودون حساب يتم تقنين صرف الأدوية عن طريق قاعدة بيانات للتعرف على التاريخ المرضى للشخص دون الحاجة إلى روشتة الطبيب لأن بعض الحالات، أو تقليص عمليات الصرف على صيدليات المستشفيات المركزية والعامة، حتى لا يدفع المريض ثمن لجوء البعض إلى أدوية المسكنات كمخدرات.