«ابن يونس» المصرى يهدى الأزهر جداول رصد القمر
فى إطار سلسلة نشر الوثائق والمخطوطات النادرة التى حصلت عليها "الزمان" المنسوبة إلى تاريخ «كعبة العلوم فى العالم العربى والإسلامى»، ننشر وبمناسبة أوائل شهر رجب المبارك، مخطوطة أهديت إلى مكتبة الأزهر الشريف، عبارة عن جداول خاصة فى علم الفلك، تشرح طريقة رصد القمر من العالم الجليل ابن يونس المصرى.
من أعلى نقطة فى المقطم بمصر القديمة، أجرى العالم الفلكى الكبير أبوالحسن بن يونس الصدفى المصرى، أُطلق اسمه على إحدى مناطق السطح غير المرئى من القمر؛ تجاربه الفريدة التى صنفته بين أهل هذا العلم "الأكثر دقة" لينزل منزلة كبيرة فى هذا التخصص، لأنه كان بارعًا فى أرصاده الفلكية، وليطلق عليه مؤسس علم الفلك الحديث، ويعد المخترع الحقيقى للبندول أو رقَّاص الساعة، من منظور هذا الابتكار تطورت آلات حساب الوقت، كما أصبح للبندول الدور الكبير لدراسة الذبذبات والاهتزازات.
ينتسب ابن يونس المصرى إلى عائلة عرفت بالعلم والفقه أواخر عهد الدولة الإخشيدية بمصر، كان والده أبوسعيد عبدالرحمن بن يونس، محدث مصر ومؤرخها، وأحد الأعلام فى عصره، وهو صاحب كتاب تاريخ ابن يونس المشهور، الذى قال فيه ابن كثير: "كان والده من كبار المحدثين الحفاظ، ومن الذين وضعوا لمصر تاريخًا نافعًا يرجع العلماء إليه فيه".
ويرى ابن ناصر الدين أن والده "كان من الأئمَّة الحفاظ والأثبات الأيقاظ"، وروى أن جدُّه الأعلى هو يونس بن عبدالأعلى، هو صديق الإمام الشافعى، كان فقيه مصر وعالم الحديث فيها، قال "الشافعى" فيه "ما رأيت بمصر أحدًا أعقل من يونس، كما توارث ابن يونس هذا العلم من جده الذى كان من المتخصصين بعلم النجوم أيضًا.
لقب "ابن يونس" بالصدفى لأنه يرجع إلى مولده فى مركز صدفا بمدينة أسيوط فى صعيد مصر؛ وقيل أن أجداه كانوا يعملون بمهنة تطعيم الأثاث الخشبى بالصدف، ووُلد فى مصر فى النصف الأول من القرن الرابع الهجرى، حوالى سنة 342هـ950م.
وساهم "ابن يونس" بعلمه برصد كسوفين للشمس وكسوف للقمر، خلال عامى 366 و367هـ977م و978م، وذلك من محلِّ عمله بمرصد المقطم، فكانا أول كسوفين تم تسجيلهما بدقَّةٍ متناهيةٍ وبطريقةٍ علميَّةٍ بحتة، وحَسَب ميل دائرة البروج بدقَّةٍ مثيرةٍ للإعجاب، فجاءت أدق وأتقن ما عرف قبل إدخال الآلات الفلكية الحديثة.
وعلى الرغم من أن ابن يونس كان يعمل فى مرصد القاهرة باستقلالية تامة عمن عاصروه من الفلكيين، إلا أنه وصل لنفس النتائج التى وصل إليها فلكيو بغداد فى أرصادهم مما يؤكد أن علم الفلك كان متقدما فى هذه الفترة فى كل أرجاء الدولة الإسلامية، إلا أن أعماله الفلكية كانت أول سجل أرصاد دون بدقة علمية ملحوظة، مما جعل فلكيى عصره ومن جاءوا من بعدهم يتخذونها مرجعا يرجعون إليه.
ابتكر "الصدفى" طريقة سهَّلت العمليات الحسابية التى أدت إلى علم اللوغارتميات، فحقق بهذا سبقاً على علماء الغرب بسبعة قرون."
"واخترع ابن يونس الصدفى حساب الأقواس التى تسهل قوانين التقويم، وكانت حساباته فى الرصد الفلكى من أتقن ما عرف فى التاريخ.
يقول george sarton ( الباحث فى تاريخ العلوم) فى كتابه ''المدخل إلى تاريخ العلوم''، 'إن ابن يونس أول من اكتشف المعادلة الجدائية فى حساب المثلثات بينما يدعى الغرب أن jonh napier أسكتلندى الجنسية (1550 ـ 1617) هو مخترع العلاقة المذكورة ."
"كان ابن يونس راصداً رفيع المنزلة للظواهر السماوية، وعالماً نظرياً من الطراز الأول، وربما كان أعظم فلكى.
"من بين أعماله العلمية كتاب عن الرقاص وكتاب الميل، وهو عبارة عن جداول أوضح فيها انحراف الشمس وكتاب لقياس زمن ارتفاع الشمس من وقت الشروق وجداول أوقات الصلاة، لكن أهم كتاب ألفه ابن يونس هو:
الزيج الكبير الحاكمى": بدأ تأليفه بأمر من الخليفة العزيز الفاطمى سنة 380هـ/990م، وأتمه سنة 1007م فى عهد الخليفة الحاكم."
"وسماه الزيج الحاكمى، نسبة إلى الخليفة، وتوجد أجزاء من هذا الكتاب فى عدد من المكتبات العالمية مثل اكسفورد، وباريس، والاسكريال، وبرلين، والقاهرة، وقد قام كوسان Caussin بنشر وترجمة أجزاء هذا الزيج التى فيها أرصاد الفلكيين القدماء وأرصاد ابن يونس نفسه عن الخسوف والكسوف، واقتران الكواكب".
وكان هدف ابن يونس من تأليف كتابه هو تصحيح أرصاد وأقوال الفلكيين الذين سبقوه.
وترجم علماء الغرب مؤلفات ابن يونس الصدفى إلى لغات أوروبية عدة، وتوجد بعض مؤلفاته بمكتبة ليدن فى هولندا وبعضها فى مكتبة الأزهر فى القاهرة، وله من المؤلفات أيضاً منها "كتاب الميل"، و"كتاب الظل".