اغتصاب أراضى ”الغلابة” بقوة السلاح
ضحايا قرارات التمكين يستغيثون بالرئيس
خبراء: تعديل قوانين حيازة الأراضى.. وتسريع وتيرة التقاضى ضرورة ملحة
مواطنون: أراضينا نهبت أمام أعيننا ولا نستطيع استردادها إلا بحكم المحكمة
حالة من اليأس وصل إليها الحاج "سعد" بعد ثمانى سنوات من الجرى فى المحاكم، أملاً فى استعادة الأرض التى نهبت منه عقب أحداث يناير 2011، وذلك بعدما هبط عليه مجموعة مسلحة فى منطقة "الخطاطبة" الكائنة فى محافظة المنوفية والتابعة لمركز ومدينة السادات، تلك الأرض التى ورثها عن والده بنظام وضع اليد وقام باستصلاحها وزراعتها هو وأبناؤه، ليستيقظ صباح أحد الأيام على مجموعة مسلحة تستولى على أرضه أثناء إجازة عيد الأضحى، وبحسن نيه ظن أن بلاغ الشرطة سيكون رادعا لهؤلاء ليكتشف أن البلاغ بداية مشوار طويل فى المحاكم للحصول على قرار تمكين لكى يستطيع دخول الأرض مرة ثانية.
"ممكن اطلعك من بيتك بالقوة، ومش هتعرف تطلعنى غير بالمحكمة".. هكذا بدأ سعد صاحب الخامسة والستين عامًا حديثه، مضيفًا: على هامش المجتمع يعيش فى المناطق الجبلية على مستوى الجمهورية "عربان وصعايدة" يمتلكون ترسانة أسلحة وعن طريقها يختارون أى أرض يعجبون بها ومن ثم يستولون عليها، فهم يعلمون كيف يسير القانون فى بلدك، البداية يستولى على الأرض بعقد مزور وحينما تأتى الشرطة للمعاينة يظهر لهم ذلك العقد لتغادر على الفور ويتم تحويل البلاغ إلى النيابة والتى تقوم بتحويله إلى المحكمة وبعد أعوام طويلة يصدر لك قرار بالتمكين، وهنا تقول "يا فرج الله"، لتصطدم بواقع أكثر مرارة حينما تعلم أن قوات الشرطة قد ترجئ أمر التنفيذ لحين وجود حملة مكبرة من المديرية التابع لها قسم الشرطة.
وتابع، بالنسبة لحالتى، استولى أحد الأشخاص وهو من محافظة أسيوط على 30 فدان عقب أحداث يناير وقت الانفلات الأمنى بقوة السلاح وحينما توجهت لتحرير محضر تم تحويله إلى النيابة العامة والتى حولته بعد التحقيق معى إلى المحكمة وبعد 3 سنوات حصلت على قرار تمكين وعند تنفيذه قام السارق بتغيير بعض ملامح الأرض ليتم إرجاء التنفيذ وبعد عام صدر قرار تمكين مرة أخرى وقام نفس الشخص بمقاومة السلطات وتم تحرير محضر له لكن دون جدوى، ولا أعرف متى سيتم تعديل هذا القانون الظالم الذى يعطى حق البقاء لمن يحوز الأرض رغم أن أوراق الملكية والثبوتية جميعها باسم شخص آخر ولكنه لا يمتلك قوة المال والسلاح الموجودة لديه.
ويلتقط منه طرف الكلام، "سلامة.ج" وهو ضحية نفس الشخص، قائلاً إن الشخص الذى استولى على أرضى وأراضى أشخاص آخرين ويدعى "ز.ف" سبق أن كان صبيا لدى "عزت حنفى" تاجر المخدرات والسلاح والذى أسس إمبراطورية الإجرام فى أسيوط منذ سنوات، وكان معه بنفس القضية ولكن استطاع الهرب ليتم القبض عليه لاحقًا ونفذ عقوبة سجن على إثر ذلك وبعدها ألقى القبض عليه بتهمة حيازة السلاح، لكن لا حياة لمن تنادى، فالجميع حينما يتعلق الأمر بالقوة والمال يخبرك بضرورة اللجوء للقضاء، حيث أن أحدهم أجبرنى على شراء سلاح لحماية أرضى حينما استردها من هذا الشخص.
وتابع: "نصيحة أخبرنى بها أحد الأشخاص وليتنى عملت بها، حينما قال إن مسألة التمكين لن تجدى نفعًا مع شخص مثل هذا، والحل الاستعانة بمجموعة من الأشخاص لديهم سجل إجرامى على نفس شاكلته، ليقوموا بالدخول بالقوة إلى الأرض محل النزاع والجلوس عليها ليضطر الطرف الثانى للجوء إلى القضاء، ولكن للأسف مثل تلك الأفعال غريبة علينا وتؤسس لدولة اللا قانون وتفعل قانون الغاب".
وفى نفس القرية "الخطاطبة" يعانى عشرات النماذج من سطوة وقوة عصابات الجبل التى تعيش وتتجول جهارًا نهارًا أمام أعين الأجهزة التنفيذية دون خوف، فهم يعرفون أن القانون أعطى الحق لمن يحوز الأرض بالعمل عليها وزراعتها ولا عزاء لأصحاب العقود، وهنا يروى "حمدى أبواليزيد" أحد ضحايا قرارات التمكين، معاناته قائلاً: اشتريت قطعة أرض من شخص وهى ليست بنظام وضع اليد، أى أنه لدى عقود ملكية مسجلة بالشهر العقارى ومحول كهربائى باسمى لدى شركة الكهرباء وكافة المعاملات الحكومية التى تتم على الأرض باسمى، ومع ذلك تم الاستيلاء على مساحة فدانين بقوة السلاح حينما كنت فى السفر وغبت عن الأرض لمدة عام، وجاء نفس الشخص وهو "ز.ف" واستولى ومن معه على الأرض فقمت بتحرير محضر واعتقدت أن رجال المباحث سيتحركون معى لإخراجه من الأرض، وخاب ظنى عندما تحول المحضر إلى النيابة ثم المحكمة ولم أتمكن حتى برغم كل هذه الأوراق من قرار تمكين من المحامى العام.
وتساءل هل يعقل أن مثل تلك الوقائع لا تزال مستمرة ونحن نعيش الآن فى عصر يشهد أعلى درجات الاستقرار؟، متابعا: "استغيث بالرئيس عبدالفتاح السيسى، للتدخل لحمايتنا من تلك العصابة ومن يقف وراءها لأن استرداد الأرض من خلال قرارات التمكين تحتاج لسنوات وسنوات من الصبر وهو أمر يفوق قدرة البشر على التحمل".
خطوات التمكين
وأوضح المستشار أسامة الرخ المحامى بالنقض والإدارية العليا، أن أزمة أراضى الجبل لن تنتهى والشرطة تقف محايدة، خاصة فى تلك المسألة الحساسة والتى تحمل فى طياتها الكثير من الشبهات، وقرار التمكين يحتاج فقط إلى محام شاطر يستف أوراقه ويقدمها كاملة إلى النيابة والأمر يبدأ من محضر الشرطة والتى تقوم بعمل التحريات عن طريق رجال المباحث وسؤال الجيران، ثم النيابة التى تسأل المشكو فى حقه، ثم عرض المحضر بكل ما يحتويه من أوراق مع المذكرة أمام المحامى العام وبعد تأكده من استيفاء الأوراق لنظر المنازعة كمنازعة حيازة وعدم تقدم أحد أطرافها بطلبات جديدة يصدر قراره لهذه المنازعة، ويصدر بعدها مباشرة قرار المحامى العام ويتم إعلانها للخصوم فى خلال 3 أيام، وفى تلك الأثناء يجوز لأى ذى مصلحة أو صفة التظلم من القرار فى خلال 15 يوما من تاريخ إعلانه من النيابة العامة.
واستطرد، لدينا مشاكل بصفة عامة مع بعض القوانين وهو ما ينادى به الرئيس منذ اليوم الأول فمثل تلك الإجراءات والوقت الذى تستغرقه يؤدى أحيانًا إلى مشاكل ومشاجرات تنتهى بقتيل ومصابين، أى أنه يجب تعديل القانون حيث يتم تخصيص دوائر لهذا الأمر لسرعة الفصل فيها.
ويتفق معه اللواء مصطفى المنشاوى الخبير الأمنى، قائلاً: سرعة الفصل فى القضايا أمر ننادى وينادى به الجميع منذ سنوات فالقضاء البطىء يهدر حقوق البعض، ومثل تلك التعديات يجب أن تنتهى الآن، وذلك من خلال تضييق الخناق على تلك العصابات والقبض على مفتعلى المشاكل والتعامل مع تلك الأزمات بنفس طريقة التعامل مع ملف الارهاب.
وأضاف، أن أحداث يناير 2011 كانت سببا رئيسيا فى استقواء هؤلاء الأشخاص والذين يظنون أن تلك الأيام ستعود ولا يعلمون أنها مسألة وقت لحين القضاء عليهم وخلال فترة زمنية ليست بالطويلة.