أبطال الحرب فى ضيافة «الزمان»:إسرائيل عدونا الرئيسى حتى قيام الساعة
43 عامًا على نصر أكتوبر المجيد
الجيش الوطنى حمى مصر من خطر التفتيت.. وواجبنا الالتفاف حوله
أخطر تحدّ نواجهه هذه الأيام رغبة الشباب فى الثراء السريع دون عمل جاد
نستطيع النهوض ببلادنا إذا عادت الإرادة وروح 1973 القتالية
على مدى ساعتين، تحدث لـ"الزمان"، فى الندوة التى نظمتها بمقرها، بطلان من أبطال نصر أكتوبر المجيد، متطرقين إلى الأسباب التى أدت إلى هزيمة 1967، وكيف استطاعت مصر تخطى الحاجز النفسى للهزيمة، والدور الذى قامت به المجموعة "39 قتال"، لاستعادة الثقة بالنفس لدى كل أفراد الجيش المصرى، حتى تحقق النصر التاريخى، الذى سيظل يومًا فاصلًا فى حياة كل مصر، بعد أن تمكن الجندى المصرى من كسر غرور الجندى الإسرائيلى.
إنهما: اللواء محيى الدين خليل نوح، أحد أبطال المجموعة "39 قتال"، والعميد فتحى عبدالله حماد، أحد ضباط المدفعية فى أثناء العبور العظيم.
فى البداية، يؤكد اللواء محيى الدين نوح أن الجيش المصرى لم يحارب فى 1967، نتيجة سحب الرئيس جمال عبدالناصر للمراقبين الدوليين من مصر، وإغلاق المضايق فى البحر الأحمر، وتم استدعاء قوات الاحتياط الذين لم يتم إعدادهم للحرب، بل دخل بعضهم أرض سيناء بملابسهم المدنية، وهو أمر عجيب، غير أن كل هذه التصرفات تعنى لدى العسكريين أن مصر قد استعدت للحرب.
ويضيف اللواء نوح: كان يجب فى هذا الوقت أن توجه مصر الضربة المفاجئة الأولى لإسرائيل، غير أن أمريكا وروسيا تدخلا لتأجيل هذه الضربة، فما كان من إسرائيل إلا أن ضربت الطائرات المصرية فى أثناء وجودها على الأرض يوم 5 يونيو، فحدثت الهزيمة.
وحول دوره فى الحرب قال نوح: كنت مقاتلًا فى اليمن كضابط صاعقة وتم استدعائى إلى مصر قبل الحرب بأيام، وتوليت مهمة قيادة سارية صاعقة فى شرم الشيخ، قبل أن يتم نقلنا إلى مدينة الإسماعيلية، يوم 5 يونيو، حيث كلفنا بتدمير لواء مدرع ولواء مشاة إسرائيليين قادمين إلى الإسماعيلية فى محاولة لاحتلال القنطرة.
ونظرًا لعدم التكافؤ، فقد كانت قوة السرية لا تزيد على 250 فردًا، فكيف تواجه الآلاف من الجنود الإسرائيليين ومعهم مدرعات ومدافع؟ على كلٍّ، نفذنا الأمر رغم صعوبته، وعندما وصلنا إلى منطقة جلبانة قمنا بإشعال أضواء العربات الحربية، ونجحنا فى صد تقدم العدو بعد اشتباكات بالصواريخ وحققنا خسائر بين صفوفهم، بواسطة القنابل اللاصقة للدبابات.
وبعد وصولنا إلى منطقة الجاب بدأنا العبور للضفة الغربية، حتى بورسعيد، حيث تمركزنا فى مدرسة أشتون هناك، وكلفت بتجميع العساكر الشاردين "جمع الضباط والجنود الشاردين الذين تفرقوا فى الصحارى بعد فقدهم أسلحتهم فى المعركة"، ونجحنا بالفعل فى تجميع عدد كبير منهم بعد أن استعنا ببلنصات الصيد، وقمنا بتغيير ملابسنا العسكرية وارتدينا جلابيب، ثم توجهنا إلى رأس العش والكاب وزرعنا فصائل حربية بجوار مبنى الإرشاد الخاص بقناة السويس.
مواجهات 1 يوليو67
نجحت إسرائيل فى احتلال سيناء كاملة خلال الحرب باستثناء مدينة بورفؤاد على الضفة الشرقية للقناة شرق مدينة بورسعيد، ولأن الهزيمة كانت مذهلة، فقد توقع العدو أن مصر لن تقوم لها قائمة وأن المقاومة قد انتهت، فدفعت إسرائيل يوم 1 يوليو بقوة مكونة من فصيلة دبابات مدعمة بقوة من المشاة الميكانيكى لاحتلالها، فأصدر الرائد سيد الشرقاوى قائد كتيبة الصاعقة رقم 43، أوامره لسرية الصاعقة الموجودة بالمنطقة، وكان عددها 30 فردًا، بالتصدى لها ووقف تقدمها.
ونجحت القوة فى تدمير ثلاث دبابات معادية، ثم عاود العدو مرة محاولة اقتحام الموقع مرة أخرى يوم 8 يوليو، وجاءت عربات مجنزرة إسرائيلية وحاولت التمركز أمام منطقة رأس العش، وأحدثت خسائر بين صفوف السرية المصرية المتمركزة هناك لعدم وجود ذخيرة كافية، ثم فوجئنا بالطيران الإسرائيلى يقوم بتوجيه ضربات تستهدف المدنيين، ولم يصب فى هذه المعركة أحد باستثنائى، حيث أصبت ببعض الشظايا وتم نقلى إلى المستشفى.
المجموعة 39 قتال
ويجب التأكيد على أن المجموعة "39 قتال" كانت طليعة القوات المسلحة المصرية، بهدف إعادة الثقة إلى الضابط المصرى، وكسر الحاجز النفسى بين الجندى والضابط المصرى والجندى والضابط الإسرائيلى بعد أن ردد البعض أن الجندى الإسرائيلى لا يقهر، وبفضل العمليات الخاصة أثبتنا عكس هذه الشائعات.
ويرجع الفضل فى تكوين المجموعة إلى اللواء محمد صادق قائد المخابرات الحربية وقتها، الذى فكر فى تكوين كتيبة صاعقة تكون تابعة لفرع العمليات الخاصة بالمخابرات بقيادة المقدم إبراهيم الرفاعى، تتبع القيادة العامة للقوات المسلحة وتأخذ أوامرها من القائد العام مباشرة بالتنسيق مع قادة الأسلحة والجيوش.
ونفذت 92 عملية وغارة وكمائن خلف خطوط العدو، التى كبدت العدو 430 قتيلًا، و77 مركبة، و17 دبابة و2 لودر وأسير إضافة إلى التدمير الذى أمكن تحقيقه داخل إسرائيل نفسها، حيث نجحنا فى ضرب منطقة "سيدوم داخل إسرائيل" بالتنسيق مع منظمة فتح، ونجحنا فى أسر الإسرائيلى يعقوب بورينه عام 1968.
كان الهدف من تلك العملية تلقين العدو درسًا قاسيًا وردًا على اغتيال الفريق عبد المنعم رياض رئيس أركان القوات المسلحة المصرية فى أثناء تفقده الصفوف الأمامية لخط بارليف يوم 9 مارس 69، فتمت الإغارة على نقطة موقع لسان التمساح التى نفذت سلسلة من غارات المدفعية على الخندق الموجود به حتى لقى الشهادة.
ولأن الموقع كان حصينًا، فقد اعتقد العدو استحالة تدميره، لكننا قمنا باستطلاعه من مبنى هيئة قناة السويس، فقد كان مواجهًا للمعدية رقم 6 بالإسماعيلية، وتم رصد تحركات العدو وتحديد أماكن الدخول والخروج من الموقع وتحديد المناطق الإدارية والمزاغل والدشم والأسلحة، وأقمنا موقعًا هيكليًا فى المناطق الخلفية مشابهًا تمامًا له وقمنا بالتدريب الشاق على الأرض لاقتحامه.
وكان قرار الرئيس جمال عبدالناصر بتدمير الموقع يوم 19 أبريل 1969 يوم ذكرى الأربعين لاستشهاد البطل، وتكونت القوة المهاجمة من سبع مجموعات بقيادة المقدم إبراهيم الرفاعى، وكانت التعليمات تدمير الموقع المكون من 4 دشم يصل بينها خندق وفى الوسط منطقة إدارية والدشم محصنة، وتوجد بها مخازن للأسلحة والذخائر، بالإضافة إلى عربات نصف جنزير ومنصة إطلاق الصواريخ.
وقبل الهجوم بنصف ساعة بدأت مدفعية الجيش الثانى فى قصف لسان التمساح لإجبار الصهيانة على الدخول داخل الخنادق والاحتماء بالدشم وامتد ضرب المدفعية لمواقع أخرى للتمويه.
ويتوقف اللواء نوح قليلًا ثم يقول: الغريب أن الصهاينة لم يخطر ببالهم الهجوم على الموقع لثقتهم فى أنفسهم، فقد كان الموقع يمثل رأس مثلث قاعدته نقطتان قويتان بعيدتان عن لسان التمساح، وكلتاهما أقوى من الأخرى.
كما كان لعنصر المفاجأة الفضل، فقد تحول الموقع إلى جحيم قبل أن يفكر أحدهم فى استطلاع الموقف، وتم تدمير المزاغل وبوابات الدشم الفولاذية بواسطة الآر بى جى، وخلال ساعتين تمت السيطرة على الموقع ولم يخرج أحد منه حيًا، كما تم تدمير كل الذخائر والصواريخ الموجودة فى المخازن.
وبالرغم من تلقينا إشارة بأنه تم رصد رتل من الدبابات يتقدم من عمق سيناء لأجل نجدة الموقع فإننا استمررنا فيه، حيث عزت علينا العودة إلى الضفة الغربية دون أن نضيف رصيدًا جديدًا من الخسائر ولو دبابة، فكان القرار بانتظار طابور النجدة المدرع الإسرائيلى لنرى بسالته القتالية التى طالما تحدثوا عنها، وبمجرد وصوله قمنا بتدمير دبابة المقدمة، وفى لحظة استدارت باقى الدبابات مهرولة إلى داخل سيناء كالفئران المذعورة، وفى هذه اللحظة قررنا العودة مخلفين وراءنا 44 قتيلًا وأربع دشم وقد تحولت إلى جهنم الحمراء.
زيارة الرئيس جمال عبدالناصر
ويضيف اللواء نوح: أصبت خلال تلك العملية بشظايا فى الوجه والكتف والرقبة، فتم نقلى إلى مستفشى القصاصين العسكرى ومنه نقلت بطائرة هليكوبتر خاصة إلى مستشفى المعادى، وهناك زارنى اللواء محمد صادق مدير المخابرات ووعدنى بزيارتى فى نهاية اليوم ومعه شخصية مهمة، اعتقدت أنه وزير الدفاع، ولكنى فوجئت بالرئيس جمال عبدالناصر شخصيًا يقوم بزيارتى للاطمئنان علىّ، وطلب منا الاستمرار فى القتال وتدمير العدو والمحافظة على روحنا المعنوية العالية، فطلبت منه العودة - وأنا مصاب - للمشاركة فى أول عملية قتالية للمجموعة، إذ قمت بتدمير مصنع سدوم للفوسفات جنب البحر الميت يوم 19 مايو بعد أقل من شهر من الإصابة التى كانت كفيلة بتوقفى عن العمل لعدة شهور.
وتحركنا إلى عمان ومنها إلى الطفيلية فى الأردن، وقمنا بضرب المصنع بعشرين صاروخ 130 سقطت جميعها فى منطقة المصانع وأحدثت خسائر كبيرة فى المنشآت والأرواح.
وفى يوم 8 يوليو 69 قمنا بالإغارة على موقع التمساح للمرة الثانية بعد أن أعاد العدو إنشاءه وأحاطه بأسلاك شائكة، لكننا فوجئنا بالعدو يطلق نيرانا كثيفة من كل جانب نتيجة قيام رائد مهندس يدعى فاروق الفقى بإبلاغ إسرائيل بالعملية، فأصيب 23 مقاتلًا من المجموعة، وفقدنا 9 شهداء ونجحت المخابرات العامة المصرية فى خطف الفتاة التى جندته وتدعى هبة سليم وهى الشخصية الحقيقية التتى تناولها فيلم "الصعود إلى الهاوية".
ضرب العمق الإسرائيلى
ويقول اللواء نوح: نجحنا فى ضرب مدينة بيسان الإسرائيلية يوم 27 أكتوبر 1968، حيث تم نقلنا إلى عمان بالأردن ومنها إلى موقع الضرب شرق مدينة بيسان بحوالى 5 كيلو مترات حيث تم ضرب المدينة بـ10 صواريخ عيار 240مم، و15 صاروخًا عيار 130 مم، مما نتج عنه حرائق كبيرة وخسائر فادحة فى الأفراد، والأهم خفض الروح المعنوية لدى اليهود.
كما نجحنا فى ضرب عيون موسى يوم 22 مارس 1969، حيث تحركنا من ميناء الأدبية بالسويس على خمسة قوارب قامت بالاقتراب ببطء من الشاطئ وتم الوصول إلى الطريق البرى وزرع 12 لغمًا مضادًا للدبابات على المدقات الترابية، وبعد ذلك تم تجهيز 8 قواذف لإطلاق الصواريخ، بمعدل 8 صواريخ من كل قاذف، فتم إنزال أكبر الخسائر بمدرعات الدورية الإسرائيلية.
ضرب ميناء إيلات بالصواريخ
وفى يوم 9 أبريل تمكن الرائد عصام الدالى الذى رحل عن عالمنا منذ أيام من التحرك إلى عمان ومنها للعقبة بالتعاون مع بعض عناصر منظمة فتح الفلسطينية، ثم قام بقصف مدينة إيلات بعشرين صاروخ 130 مم و10 صواريخ 240 مم، وتم تدمير بعض المبانى بالميناء وحدثت خسائر كبيرة فى الأرواح.
ويؤكد اللواء نوح أن حرب أكتوبر هى التى أعادت الأرض لمصر، ولم نفرط فى شبر واحد منها، لافتًا إلى تقسيم اتفاقية السلام سيناء إلى أربع مناطق هى المنطقة "أ" شرق قناة السويس وتسمح الاتفاقية بوجود 230 دبابة و22 ألف جندى فيها، والمنطقة "ب "ويوجد بها 4 آلاف جندى، والمنطقة "ج" ويوجد بها 750 جندى أمن مركزى، والمنطقة "د" وتقع داخل إسرائيل وتسمح الاتفاقية بوجود 4 لواءات مشاة فيها.
التمهيد النيرانى لحرب أكتوبر
ثم تحدث العميد فتحى عبد الله حماد، أحد ضباط المدفعية فى حرب أكتوبر، عن دور المدفعية فى التمهيد النيرانى لعبور القوات البرية، والتى استمرت لمدة 53 دقيقة تم قصف العدو خلالها بنحو 10500 دانة فى الدقيقة الواحدة، بمعدل 175 دانة فى الثانية، بواسطة 2000 مدفع تم نشرها بطول 175 كيلومترًا من بورسعيد شمالًا حتى السويس جنوبًا، لافتًا إلى أن حجم القذائف التى تم إسقاطها على النقاط الحصينة للعدو بلغت 11 ألف طن ذخيرة، فى أول 13 دقيقة.
ويقول العميد فتحى: كان التحدى الحقيقى الذى واجهنا هو الأرق الشاسع بين قدرات المعدات القتالية لجيش العدو والمعدات التى يقاتل بها الجندى المصرى، فقد كانت إسرائيل تمتلك مدافع يصل مداها إلى 45 كيلو مترًا، بينما كان المدى المؤثر لمدافعنا 22 كيلومترا فقط، فكان لابد من تعويض ذلك العجز بالاعتماد على المهارات البشرية العالية لدى المقاتل المصرى.
ويوضح العميد فتحى أن رامى المدفعية لا يرى الهدف الذى يصيبه، لأن المدفع غالبًا ما يكون على بعد عدة كيلومترات، لذلك نعتمد على القياسات الهندسية لتقدير المسافة بين المدفع والهدف، وبالرغم من الاعتماد على الحسابات الرياضية اليدوية، كنا نقوم بعمل حسابات ضرب المدفع خلال 7 دقائق وبدقة تصل إلى 100%، بهدف إسكات أو تدمير مواقع العدو، لافتًا إلى تدريب جميع المقاتلين على المعدات الروسية، لدرجة أن هناك بعض الجنود كانوا لا يجيدون القراءة والكتابة ومع ذلك كانوا قادرين على حساب زاوية الهدف بكل دقة أذهلت العدو.
وحول عملية تحديث الجيش المصرى التى شهدتها القوات المسلحة مؤخرًا، بشراء حاملتى الطائرات عبدالناصر والسادات وطائرات الرافال أكد العميد فتحى أنها ضرورية، لعمل توازنات قوى مع إسرائيل، وحتمية لتأمين سواحلنا التى تصل إلى 4 آلاف كيلو متر إضافة إلى التهديدات التى تواجهنا عند باب المندب المدخل الجنوبى لقناة السويس، وكذا تأمين الاستثمارات المقبلة فى عرض البحر المتوسط بعد اكتشاف البترول والغاز بين مصر واليونان وبين مصر وقبرص.
ولفت العميد فتحى النظر إلى الخطر الذى نواجهه لحدودنا المفتوحة مع ليبيا حيث بدأت عمليات التهريب تظهر فى بحر الرمال الأعظم، الذى طالما عرف عنه استحالة عبور الإنسان له، لكن أمكن عبوره باستخدام سيارات حديثة جدًا، مشيرًا إلى أهمية التدريب المستمر للقوات المسلحة لأن إعداد الفرد للقتال يتطلب وقتًا طويلًا كما يحتاج إلى معايشة دائمة لتطور الأحداث على طول حدودنا الخارجية.