50 عاما على رحيل ”الهرم الرابع” جمال عبدالناصر
"الإرادة الشعبية هى التى تملك أن تصنع قيادتها، وأن تحدد لها مكانها، يجب على الشعب دائماً أن يبقى سيد كل فرد وقائده، أن الشعب أبقى وأخلد من كل قائد مهما بلغ إسهامه فى نضال أمته، أقول هذا وأنا أدرك وأقدر أن هذا الشعب العظيم أعطانى من تأييده وتقديره ما لم أكن أتصوره يوماً أو أحلم به، لقد قدمت له عمرى ولكنه أعطانى ما هو أكثر من عمر أى إنسان".. جمال عبدالناصر.
نشأته:
ولد جمال عبدالناصر فى ١٥ يناير ١٩١٨ فى ١٨ شارع قنوات فى حى باكوس الشعبى بالإسكندرية، وكان جمال عبدالناصر الابن الأكبر لعبدالناصر حسين الذى ولد فى عام ١٨٨٨ فى قرية بنى مر فى صعيد مصر فى أسرة من الفلاحين، الذى عمل موظفاً فى مصلحة البريد بالإسكندرية، وكان مرتبه يكفى بصعوبة لسداد ضرورات الحياة.
حياته العسكرية:
بدأت حياة عبدالناصر العسكرية، فى التاسعة عشرة من عمره، عندما حاول الالتحاق بالكلية الحربية لكنه لم يتمكن من الالتحاق بها فقرر دراسة القانون فى كلية الحقوق بجامعة فؤاد وهى جامعة "القاهرة حالياً"، وعندما أعلنت الكلية الحربية عن قبولها دفعة استثنائية قدم أوراقه وتم قبوله، وتخرج منها برتبة ملازم ثان فى يوليو 1938، وبعد عام على تخرجه انتقل إلى السودان ورُقى إلى رتبة ملازم أول، بعدها عمل فى منطقة العلمين بالصحراء الغربية ورُقى إلى رتبة يوزباشى (نقيب) فى سبتمبر1942، ثم تولى قيادة أركان إحدى الفرق العسكرية العاملة هناك، وفى العام التالى انتدب للتدريس فى الكلية الحربية وظل بها ثلاث سنوات إلى أن التحق بكلية أركان حرب وتخرج فيها فى 12 مايو 1948، وظل بالكلية إلى أن قام مع مجموعة من الضباط الأحرار بثورة يوليو.
عبدالناصر والضباط الأحرار:
كان له دور كبير فى تشكيل مجموعة سرية فى الجيش أطلقت على نفسها اسم "الضباط الأحرار"، واجتمعت الخلية الأولى فى منزله فى يوليو 1949 وضم الاجتماع ضباطاً من مختلف الانتماءات والاتجاهات الفكرية، وعام 1950 تم انتخابه رئيساً للهيئة التأسيسية للضباط الأحرار، وحينما توسع التنظيم انتُخبت قيادة للتنظيم وانتُخب عبدالناصر رئيساً لتلك اللجنة، وانضم إليها اللواء محمد نجيب الذى أصبح فيما بعد أول رئيس جمهورية فى مصر بعد نجاح الثورة.
رئيسا للجمهورية:
أعيد تشكيل لجنة قيادة الضباط الأحرار، وأصبحت تعرف باسم مجلس قيادة الثورة مكونة من 11 عضواً برئاسة اللواء أركان حرب محمد نجيب، ولكن وقع خلاف بين عبدالناصر ومحمد نجيب أسفر فى النهاية عن قيام مجلس القيادة برئاسة عبدالناصر بمهام رئيس الجمهورية، ثم أصبح فى يونيو 1956 رئيساً منتخباً لجمهورية مصر العربية فى استفتاء شعبى.
أصدر عبدالناصر خلال حياته السياسية العديد من القرارات الهامة أبرزها تأميم قناة السويس عام 1956، وإعلان الوحدة مع سوريا عام 1958، ومساندته حركات التحرر العربية والأفريقية، بعد هزيمة 1967 خرج بعدها عبدالناصر على الجماهير طالباً التنحى من منصبه، ولكن بعد طلبه هذا خرجت مظاهرات فى العديد من مدن مصر تطالبه بعدم التنحى عن رئاسة الجمهورية واستكمال إعادة بناء القوات المسلحة تمهيدا لاستعادة الأراضى المصرية.
وبالفعل أعاد عبدالناصر بناء القوات المسلحة المصرية، ودخل فى حرب الاستنزاف مع إسرائيل عام 1968، وكان من أبرز أعماله فى تلك الفترة بناء شبكة صواريخ الدفاع الجوى، كما أسس هيئة التحرير 1953 ثم الاتحاد القومى مايو 1957 ثم الاتحاد الاشتراكى مايو 1962 .
أهم خُطب الرئيس الراحل عبدالناصر:
خطبة عيد الجلاء ومحاولة اغتياله:
خلال إلقائه خطبته فى ميدان المنشية يوم 26 أكتوبر عام 1954 بمناسبة عيد الجلاء، أمام الشعب المصرى تعرض لمحاولة اغتيال من عناصر الإخوان، ولكنه عاد ليستكمل خطابه بسرعة كبيرة.
بدأ عبدالناصر خطبته قائلا: "وأنا إذ أتواجد بينكم اليوم لا أستطيع أن أعبر عن سعادتى، ولا أستطيع أن أعبر عن شكرى لله حينما أتواجد فى هذا الميدان، وأحتفل معكم أنتم يا أبناء الإسكندرية، يا من كافحتم فى الماضى، ويا من كافح آباؤكم، ويا من كافح أجدادكم، ويا من استشهد إخوان لكم فى الماضى، ويا من استشهد آباؤكم.. أحتفل معكم اليوم بعيد الجلاء وبعيد الحرية، بعيد العزة وبعيد الكرامة".
وعندما ذكر الرئيس الراحل كلمة الكرامة، ارتفعت أصوات تصفيق عالية من الجماهير وتخللها صوت رصاص، ليكتشف أمام الجميع أنها محاولة اغتيال لناصر، وبعد فترة من الفوضى ردد ناصر أمام الحشود: "فليبق كل فى مكانه، أيها الرجال أيها الأحرار.. فليبق كل فى مكانه.. دمى فداء لكم.. حياتى فداء لكم "
خطبته أمام الاتحاد الاشتراكى العربى:
كلمة الرئيس عبدالناصر يوم 26 يوليو عام 1970 فى ختام دورة المؤتمر القومى للاتحاد الاشتراكى العربى:
"نحن نريد السلام ولكن السلام بعيد، ونحن لا نريد الحرب، ولكن الحرب من حولنا، وسوف نخوض المخاطر مهما كانت دفاعاً عن الحق والعدل، حق وعدل لا سبيل لتحقيقهما غير طرد قوى العدوان من كل شبر من الأرض العربية المحتلة سنة ١٩٦٧ من القدس، من الجولان، من الضفة الغربية من غزة ومن سينا، وحق وعدل لا سبيل لتحقيقهما غير استعادة الشعب الفلسطينى لحقوقه الشرعية، وخروجه من خيام اللاجئين ليدخل مدنه وقراه ومزارعه وبيوته، ويعود مرة أخرى إلى قلب الحياة بعد أن أرغمته الظروف أن يبقى من عشرين سنة على هامش الحياة، ذلك أيها الأخوة هو الهدف والطريق، "انتصار السلام وسلام الانتصار"، هذه هى رسالة هذا المؤتمر، وهذه هى قضية شعبنا وقضية أمتنا العربية، وفقكم الله".
خطبة تأميم قناة السويس:
وكان ذلك فى عيد الثورة الرابع ألقى الخطبة من الإسكندرية وعرف باسم "خطاب تأميم قناة السويس" وقد ألقى يوم 26 يوليو 1956 أهم فقرة فى الخطبة التى تخطت مدتها الساعتين، قال الرئيس الراحل: " قرار من رئيس الجمهورية بتأميم الشركة العالمية لقناة السويس البحرية (تصفيق وهتاف)، وتابع: "باسم الأمة.. باسم الأمة، رئيس الجمهورية، مادة ١: تؤمم الشركة العالمية لقناة السويس البحرية شركة مساهمة مصرية، وينتقل إلى الدولة جميع ما لها من أموال وحقوق وما عليها من التزامات، وتحل جميع الهيئات واللجان القائمة حالياً على إداراتها، ويعوض المساهمون وحملة حصص التأسيس عما يملكونه من أسهم وحصص بقيمتها، مقدرة بحسب سعر الإقفال السابق على تاريخ العمل بهذا القانون فى بورصة الأوراق المالية بباريس، ويتم دفع هذا التعويض بعد إتمام استلام الدولة لجميع أموال وممتلكات الشركة المؤممة.
مادة ٢: يتولى إدارة مرفق المرور بقناة السويس مرفق عام ملك للدولة.. يتولى إدارة مرفق المرور بقناة السويس هيئة مستقلة تكون لها الشخصية الاعتبارية، وتلحق بوزارة التجارة، ويصدر بتشكيل هذه الهيئة قرار من رئيس الجمهورية، ويكون لها -فى سبيل إدارة المرفق- جميع السلطات اللازمة لهذا الغرض، دون التقيد بالنظم والأوضاع الحكومية.
ومع عدم الإخلال برقابة ديوان المحاسبة على الحساب الختامى، يكون للهيئة ميزانية مستقلة، يتبع فى وضعها القواعد المعمول بها فى المشروعات التجارية، وتبدأ السنة المالية فى أول يوليو، وتنتهى فى آخر يونيو من كل عام، وتعتمد الميزانية والحساب الختامى بقرار من رئيس الجمهورية. وتبدأ السنة المالية الأولى من تاريخ العمل بهذا القانون وتنتهى فى آخر يونيه سنة ١٩٥٧. ويجوز للهيئة أن تندب من بين أعضائها واحداً أو أكثر لتنفيذ قراراتها أو للقيام بما تعهد إليه من أعمال، كما يجوز لها أن تؤلف من بين أعضائها أو من غيرهم لجاناً فنية؛ للاستعانة بها فى البحوث والدراسات. يمثل الهيئة رئيسها أمام الهيئات القضائية والحكومية وغيرها، وينوب عنها فى معاملتها مع الغير.
مادة ٣: تجمد أموال الشركة المؤممة وحقوقها فى جمهورية مصر وفى الخارج، ويحظر على البنوك والهيئات والأفراد التصرف فى تلك الأموال بأى وجه من الوجوه، أو صرف أى مبالغ أو أداء أية مطالبات أو مستحقات عليها إلا بقرار من الهيئة المنصوص عليها فى المادة الثانية.
مادة ٤: تحتفظ الهيئة بجميع موظفى الشركة المؤممة ومستخدميها وعمالها الحاليين، وعليهم الاستمرار فى أداء أعمالهم، ولا يجوز لأى منهم ترك عمله أو التخلى عنه بأى وجه من الوجوه، أو لأى سبب من الأسباب إلا بإذن من الهيئة المنصوص عليها فى المادة الثانية.
مادة ٥: كل مخالفة لأحكام المادة الثالثة يعاقب مرتكبها بالسجن والغرامة توازى ثلاثة أمثال قيمة المال موضوع المخالفة. وكل مخالفة لأحكام المادة الرابعة يعاقب مرتكبها بالسجن، فضلاً عن حرمانه من أى حق فى المكافأة أو المعاش أو التعويض.
مادة ٦: ينشر هذا القرار فى الجريدة الرسمية، ويكون له قوة القانون، ويعمل به من تاريخ نشره، ولوزير التجارة إصدار القرارات اللازمة لتنفيذه.
وأنهى عبدالناصر خطبته قائلا: "والآن وأنا أتكلم إليكم يتجه إخوة لكم من أبناء مصر ليديروا شركة القنال، ويقوموا بعمل شركة القنال، الآن بيستلموا شركة القنال.. شركة القنال المصرية.. مش شركة القنال الأجنبية.. قاموا دلوقت ليستلموا شركة القنال، ومرافق شركة القنال، ويديروا الملاحة فى القنال.. القنال اللى بتقع فى أرض مصر، واللى بتخترق أرض مصر، واللى هى جزء من مصر، واللى هى ملك لمصر، يقوموا الآن بهذا العمل؛ لنستعوض ما فات، ولنستعوض الماضى، ولنبنى صروحاً جديدة فى العزة والكرامة وفقكم الله".
وفاته:
توفى الرئيس جمال عبدالناصر فى 28 سبتمبر1970، بعد مشاركته فى اجتماع مؤتمر القمة العربى بالقاهرة لوقف القتال الناشب بين المقاومة الفلسطينية والجيش الأردنى، والذى عرف بأحداث أيلول الأسود بعد 18 عاماً قضاها فى السلطة.
قصائد رثاء عبدالناصر:
رثاه الشاعر نزار قبانى، متهماً الواقع العربى بقتل عبدالناصر وقال: "قتلناكَ يا آخرَ الأنبياءْ، ليسَ جديداً علينا اغتيالُ الصحابةِ والأولياءْ فكم من رسولٍ قتلنا وكم من إمامٍ ذبحناهُ وهوَ يصلّى صلاةَ العشاء، فتاريخُنا كلّهُ محنةٌ وأيامُنا كلُّها كربلاء"، ثم عاد مرة أخرى بقصيدة الهرم الرابع وقال فيها: "السيّدُ نامَ كنومِ السيفِ العائدِ من إحدى الغزواتْ السيّدُ يرقدُ مثلَ الطفلِ الغافى فى حُضنِ الغاباتْ السيّدُ نامَ".
عُرف عن الشاعر صلاح عبدالصبور انتقاده الدائم فى حياة عبدالناصر فى حياته لكنه بعد وفاته قال: "هل مات من وهب الحياة حياته حقا مات؟ ماذا سنفعل بعده ماذا سنفعل دونه؟".
كما قال عنه الشاعر أحمد عبدالمعطى حجازى مرثية لزمن ورجل: "ندعوك فاخرج إلينا ورد ما يزعمونه إن كنت عطشان، كنا إليك ريحا ونهرا أو كنت جوعان، كنا خبزا وملحا وتمرا أو كنت عريان، كنا ريشا، وكنا جناحا أو فى غيابات سجن، كنا مدى وسراحا أو كنت مستنصرا، كنا السيف والأنصار أو تائها فى الصحارى، كنا القرى والدار تعود فينا فقيرا وعاريا وغريب".
رثاه عبدالرحمن الأبنودى وقال: "أعداؤه كرهوه ودى نعمة، مِن كرهُه أعداؤه صادق، فى قلبه كان حاضن أمَّه، ضمير وهمَّة ومبادئ ساكنين فى صوت عبدالناصر".
قال عنه محمود درويش فى قصيدة "الرجل ذو الظل الأخضر": "نعيش معك نسير معك نجوع معك وحين تموت نحاول ألا نموت معك! ولكن لماذا تموتَ بعيدًا عن الماء والنيل ملء يديك؟! لماذا تموت بعيدًا عن البرق والبرق فى شفتيك؟ وأنت وعدت القبائل برحلة صيف من الجاهليةْ وأنت وعدت السلاسل بنار الزنود القويةْ وأنت وعدت المقاتل بمعركة تُرجِع القادسيةْ".
نعاه حمد بن خليفة قائلا: "لو كان يقبل عن جمال فدية لفدته أنفس يعرب والأدمع، لكن حكمة ربنا فى خلقه للمؤمنين به دليل مقنع، واختار ربك ناصراً لجواره شأن الأمانة حينما تسترجع".
إحياء ذكرى وفاة عبدالناصر:
بتاريخ 28 سبتمبر 2020 أناب الرئيس عبدالفتاح السيسى، الفريق أول محمد زكى، وزير الدفاع، بالمشاركة فى إحياء ذكرى وفاة الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، ونشر العقيد تامر الرفاعى، المتحدث العسكرى، عبر حسابه الرسمى مقطع فيديو يرصد قيام وزير الدفاع بوضع إكليل من الزهور على قبر الرئيس الراحل.