أبطال خلدهم التاريخ وكان لهم الفضل فى النصر
حرب أكتوبر ممتلئة بقصص الأبطال الذين ما زالوا على قيد الحياة وآخرين شُهداء خاضوا الحرب بقوة وضرامة لدرجة أن العدو الإسرائيلى نفسه روى عن بطولات الجيش المصرى الذى خاض المعركة بشرف ونزاهة دون خوف من الموت، بل كان "النصر أو الشهادة" هو الطريق الذى انتهجته القوات المسلحة المصرية، وللأبطال الشهداء قصص لن تُنسى حتى بعد موتهم، كشفت مدى حب الوطن لدى المقاتل المصرى وأن الأرض هى العرض الذى يجب حمايته حتى لو تطلب الأمر الموت من أجله.
الشهيد إبراهيم الرفاعى:
مع الضربة الجوية الأولى انطلقت كتيبة الصاعقة "المجموعة 39 قتال" بقيادة البطل إبراهيم الرفاعى فى ثلاث طائرات هليكوبتر لتدمير آبار البترول فى منطقة بلاعيم شرق القناة لحرمان العدو من استخدامها، ثم تعددت العمليات للمجموعة على مواقع العدو الإسرائيلى بمنطقتى شرم الشيخ ورأس محمد، ثم عملية مطار الطور التى نفذتها المجموعة قبل زيارة جولدا مائير، وتم تدمير الطائرات الموجودة فى المطار، الأمر الذى أثار حيرة القيادة الإسرائيلية بسبب سرعة ودقة الضربات المتتالية لرجال الصاعقة المصرية.
فى 18 أكتوبر تم تكليف المجموعة بمهمة اختراق مواقع العدو غرب القناة والوصول إلى منطقة الدفرسوار لتدمير المعبر الذى أقامه العدو لعبور قواته، ثم بعد ذلك وبالفعل تصل المجموعة تغيرت التعليمات فجر التاسعة عشر من أكتوبر إلى تدمير قوات العدو ومدرعاته ومنعها من التقدم فى اتجاه طريق الإسماعيلية، وبالفعل بدأ الشهيد الرفاعى فى التحرك بفرقته إلى منطقة نفيشة فى صباح اليوم التالى ثم جسر المحسمة حيث قسم قواته إلى ثلاث مجموعات، مجموعتان لتولى إحدى التباب، والمجموعة الثالثة تولت تنظيم مجموعة من الكمائن على طول الطريق من جسر المحسمة إلى قرية نفيشة لتحصين مواقعهم من العدو، وعقب وصول مدرعات العدو انهالت عليها قذائف الـ(آربى جى) لتمنعه من التقدم وبعد الانتصار عليه، أمر الشهيد الرفاعى رجاله بمطاردة مدرعات العدو لتكبيده أكبر الخسائر فى الأرواح والمعدات.
وخلال المواجهة وسط قتال ضارٍ مع مدرعات العدو تسقط إحدى دانات مدفعية العدو بالقرب من موقع البطل الرفاعى، فى نفس الوقت الذى يتعالى فيه صوت الأذان من مسجد قرية المحسمة، لتصيبه إحدى الشظايا المتناثرة، ويسقط الشهيد البطل الرفاعى جريحًا، ليستشهد يوم الجمعة 27 رمضان وهو صائمًا.
الشهيد أحمد حمدى
شارك البطل الشهيد أحمد حمدى فى حروب 1956 والاستنزاف وأكتوبر، وكان يتميز بالنبوغ والعبقرية، كما كان موسوعة علمية هندسية عسكرية فى الميكانيكا والمعمار والتكتيك وكافة العلوم العسكرية ويتميز بعقلية صافية وذهن حاضر، ساهم خلال حرب يونيو 1967 بجهد كبير فى التخطيط والتجهيز الهندسى لمنطقة سيناء، حيث كان وقتها نائبًا لرئيس الفرع الهندسى بالمنطقة الشرقية، وعندما صدرت الأوامر بالانسحاب فى 6 يونيو 1967 قام بتكليف من الفريق صلاح محسن قائد الجيش الميدانى بنسف المستودع الرئيسى للقوات المسلحة بسيناء الذى كان يضم كمية كبيرة من الذخيرة والوقود والأسلحة والمهمات والطعام ونسف خط أنابيب المياه الممتد من الإسماعيلية إلى عمق سيناء كى لا يستفيد منه العدو كما كان صاحب فكرة نقط المراقبة على الأبراج الحديدية العالية على الشاطئ الغربى للقناة بين الأشجار حيث نفذ معظمها بيده واختار مواقعها بنفسه.
عام 1971 كلف بإعداد لواء كبارى جديد كامل وتشكيل وحداته وتدريبها من أجل تأمين عبور الجيش الثالث الميدانى، واستكمال معدات وخراطيم العبور بها، فضلا عن تجهيز مناطق تمركزها على طول قناة السويس، كما كان له فضل كبير فى تحويل ساحات ومنازل إسقاط مهمات العبور التى يستغرق إنشاؤها يوما كاملا إلى كبارى اقتحام لا يستغرق بناؤها أكثر من بضع ساعات.
ومع انطلاق أول شرارة لحرب أكتوبر عبر 15000 من قوات المهندسين العسكريين إلى القناة وأخذت تعمل فوق الساتر الترابى ضفة القناة، وخلال الموجة الثانية عبرت 80 وحدة هندسية فى قواربها الخشبية المحملة بالأفراد والطلمبات والخراطيم وخلافها من المهمات لفتح ممرات فى الساتر الترابى وكان أحمد حمدى على رأس رجاله فى الخطوط الأمامية.
استمر البطل الشهيد فى التنقل من معبر إلى آخر ليلة 6 أكتوبر بلا مياه وطعام أو راحة ليطمئن على تشغيل معظم المعابر والكبارى التى استغرق إنشاؤها وتجهيزها من 6 إلى 9 ساعات كما كان يخطط لها، وبالرغم من محاولات العدو بمنع الإنشاءات وتشغيل الكبارى والمعديات بالقصف المستمر أرضا وجوا لمناطق تمركز الوحدات وطرق تحركاتها لكن خطة البطل أحمد حمدى نجحت واستمرت القوات فى العبور.
بينما فى قطاع الجيش الثالث واجهت عملية فتح الممرات بالساتر الترابى وإنشاء الكبارى بعض المشاكل خلال القصف من طائرات ومدفعية العدو، فضلا عن صلابة الساتر الترابى مما أدى إلى إنشاء الكبارى خلال 16 ساعة وهذا بخسارة زمنية تبلغ 7 ساعات عن التخطيط المحدد له، كما قام اللواء أحمد حمدى بالإشراف على إنشاء عشرة كبارى ثقيلة وعشرة أخرى للمشاة وعدد كبير من المعديات، مما أتاح للقوات أن تعبر القناة فى الوقت المناسب بمعداتها، رغم أن معظم الكبارى أصيبت وتم إعادة إصلاحها أكثر من خمس مرات خلال العبور.
وخلال مشاركة البطل أحمد حمدى فى إصلاح أحد الكبارى فى نطاق الجيش الثالث يوم 24 أكتوبر 1973 استشهد ليضرب أعظم مثل فى الفداء والتضحية، تم تكريمه ومنح اسمه وسام نجمة سيناء من الطبقة الأولى وهو أعلى وسام عسكرى مصرى، واختير تاريخ استشهاده ليكون يوم المهندس، كما افتتح الرئيس الراحل أنور السادات النفق الذى يربط بين سيناء بأرض مصر وأطلق عليه اسم الشهيد أحمد حمدى.
الشهيد العريف سيد زكريا خليل
جندى مصرى شجاع من سلاح المظلات المصرى، وأحد شهداء حرب أكتوبر 1973، تمكن بمفرده من إيقاف كتيبة كاملة من الجيش الإسرائيلى بعد استشهاد باقى فصيلته فى حرب 1973، ثم اعتبر فى عداد المفقودين فى حرب أكتوبر 73، إلى أن ظهرت قصة استشهاده عام 1996 واعترف بها جندى إسرائيلى شارك فى الحرب، وذلك فى حفل للدبلوماسيين شمل العديد من سفراء البلاد بما فيهم السفير الإسرائيلى، وقدم متعلقاته التى احتفظ بها طوال 23 عاما إلى السفير المصرى فى ألمانيا واعترف أنه قتل الجندى المصرى سيد زكريا خليل، وأنه مقاتل فذ قاتل حتى الموت وتمكن من قتل 22 إسرائيليًا بمفرده، ونقلت وكالات الأنباء العالمية قصه هذا الشهيد وأطلق عليه لقب أسد سيناء.
وسلم الجندى الإسرائيلى خطابا كتبه البطل إلى والده قبل استشهاده، وقال الجندى الإسرائيلى إنه ظل محتفظًا بهذه المتعلقات طوال هذه المدة تقديراً لهذا البطل، وأنه بعدما نجح فى قتله قام بدفنه بنفسه وأطلق 21 رصاصة فى الهواء تحية للشهداء.
بدأت قصة الشهيد فى أكتوبر 73 بصدور التعليمات لطاقمه المكون من 8 أفراد بالصعود إلى جبل الجلالة فى منطقة رأس ملعب، وقبل الوصول إلى الجبل استشهد أحد المجموعة فى حقل ألغام، ثم صدرت التعليمات من قائد المجموعة النقيب صفى الدين غازى بالاختفاء خلف إحدى التباب، وإقامة دفاع دائرى حولها على اعتبار أنها تصلح لصد أى هجوم، ولكن ظهر اثنان من بدو سيناء حذروا المجموعة من وجود نقطة شرطة إسرائيلية، كانت قريبة فى اتجاه معين وبعد انصرافهما اقتربت منهم 50 دبابة معادية وبصحبتها طائرتان هليكوبتر، اختبأت المجموعة حتى مرت هذه القوات واستعدت لتنفيذ المهمة المكلفة بها، ثم قامت الطائرات بإبرار عدد من الجنود الإسرائيليين بالمظلات لمحاولة تطويق الموقع، ولكن الجندى حسن السداوى أطلق قذيفة (آر.بى.جى) على إحدى الطائرات فأصيبت واستمر القتال.
استشهد خلال القتال كل زملاء البطل سيد زكريا خليل، واستمر فى القتال بمفرده وكان ينتقل من مكان إلى آخر فاعتقدت القوات الإسرائيلية فى وجود قوة مصريه كبيرة نظراً لتعدد الضرب من أماكن مختلفة ولذا طلبت الدعم بقوة إسرائيلية أخرى، واستمر البطل يقاتل حتى نفذت ذخيرته وذخيرة زملائه التى استخدمها بعد استشهادهم، ثم تم تطويق المنطقة واستشهد بعد أن تمكن من قتل 22 جنديًا اسرائيليًا، تم منح الشهيد البطل سيد زكريا نوط الشجاعة من الطبقة الأولى، وأطلق اسمه على أحد شوارع حى مصر الجديدة.
الشهيد عصام الدالى وعامر يحيى
عام 1967 اتخذ العدو الإسرائيلى منطقة "الكرنتينة" كمرسى للوحدات البحرية تناور به القوات المسلحة المصرية عن طريق البحر والبر، و"الكرنتينة"، هو مكان الحجر الصحى الذى كان يتم فيه إجراءات الوقاية للحجاج المصريين العائدين من رحلات الحج والعمرة قبل احتلال العدو الإسرائيلى سيناء فى 1967 ويقع على الشاطئ الشرقى برأس خليج السويس أمام مدينه السويس مباشرة ما بين الشط شمالا وعيون موسى جنوبا.
كلفت القيادة العامة المجموعة 39 قتال بقيادة الرفاعى مهمة نسف المرسى ومنع العدو الإسرائيلى من استخدامه مرة أخرى، وبعد استطلاع للموقع تبين أنه قريب من موقع عيون موسى الحصين والذى يتألف من سريتين مدفعية ميدان عيار 155 مم ذاتية الحركة وفصيلة دبابات مكون من 5 دبابات أمريكية الصنع.
جهزت المجموعة المعدات والمتفجرات وتحركت من نقطة الانطلاق مع آخر ضوء بخمسة زوارق زودياك بمحازاة الشاطى الشرقى لخليج السويس، كان فى المقدمة زورق القيادة وبه قائد العملية العميد إبراهيم الرفاعى ويقوده الطبيب على نصر وعدد من المقاتلين، الزورق الثانى كان بقيادة الشهيد عصام الدالى ويقوده المقاتل وسام حافظ، والزورق الثالث كان يقوده إسلام توفيق، والخامس يقوده المقاتل أحمد رجائى واللواء محى نوح وقاموا بتلغيم ونسف السقالة بشكل لا تصلح بعدها للاستخدام مرة أخرى.
نزع الشهيد إبراهيم الرفاعى وعصام الدالى فتيل الأمان للمتفجرات التى تحيط بأعمدة المرسى وابتعدا بزورقيهما عنها للانضمام إلى باقى التشكيل، وكان يومها مياه الخليج شديدة الاضطراب والأمواج عالية وشاهدوا الانفجار وألسنة اللهب تلتهم المرسى، بينما إحدى المتفجرات لم تنفجر وتأخرت بعض الوقت الأمر الذى دفع الرفاعى للعودة إليها بالرغم من اتصال العميد مصطفى كمال به على اللاسلكى وإبلاغه بالشفرة أن هناك "3 بطات" تقترب ومعناها 3 دبابات للعدو على شاطئ الخليج فى مواجهتهم مباشرة، ولكن البطل الرفاعى أصر على معالجة الخطأ فى اللغم ولم يخاف الموت وطلب من باقى الزوارق العودة إلى نقطة الالتقاء، وخلال هذه العملية لمحت الدبابات المعادية حركة الزوارق على سطح الماء ففتحت نيرانها واصطدمت إحدى داناتها بالزورق الذى يحمل المقاتل وسام حافظ وأصابت عصام الدالى فى ذراعه اليمنى التى يحمل بها اللاسلكى، وأصابت رأس الجندى الواقف خلفه الشهيد عامر يحيى واشتبكت باقى الزوارق مع العدو لإنقاذ الرفاعى الذى بدأ تفجير اللغم يدويا ليفجر رصيف الكرنتينة تماماً، ثم عادوا إلى نقطة الانطلاق حاملين أجساد الشهداء.
فى اليوم التالى قسم الرفاعى المجموعة إلى قسمين القسم الأول بقيادة الرفاعى لدفن الشهيد البطل عصام الدالى بمسقط رأسه بمدينة البدرشين بالجيزة، والقسم الثانى لدفن الشهيد البطل عامر يحيى بمسقط رأسه ببركة السبع محافظة المنوفية، واستمرت المجموعة فى عملياتها بعد ذلك إلى أن انتقمت للشهداء وحققت نصر أكتوبر المجيد.