أهم وسائل تخريب الدول من الداخل
استكمالا لموضوع الحرب النفسية التى تستهدف الدول وبالرغم من وجود تعريفات كثيرة للحرب النفسية إلا أن أكثر تلك التعريفات شيوعا هو أنها "الاستخدام المخطط للدعاية أو ما ينتمى إليها من الإجراءات الموجهة إلى الدول المعادية أو المحايدة أو الصديقة، بهدف التأثير على عواطف وأفكار وسلوك شعوب هذه الدول بما يحقق أهداف الدولة التى توجهها أو العدو".
ويلاحظ من هذا التعريف أن الحرب النفسية لا توجه فقط إلى الدول المعادية أولا تنحصر فقط فى نطاق الصراع بين الدول المتحاربة أو المتنافسة، وإنما تشمل أيضا الدول الصديقة والمحايدة، ولعل هذا هو ما جعل الخبراء يفضلون لفظ "الدعاية" بدلا من "الحرب النفسية"، كما أن "الحروب النفسية" أو "الدعائية" تختلف باختلاف "وضع" الدولة التى توجه إليها فى العلاقات الدولية، فإذا كانت الدولة معادية، كان الهدف تحطيم الروح المعنوية والإرادة القتالية وتوجيهها نحو الهزيمة، وإذا كانت الدولة محايدة، كان الهدف توجيهها نحو الانحياز للدولة الموجهة أو التعاطف مع قضيتها، أو على الأقل إبقاؤها فى وضع الحياد ومنعها من الانحياز إلى الجانب الآخر، أما إذا كانت الدولة صديقة، كان الهدف توجيهها نحو تدعيم أواصر الصداقة مع الدولة الموجهة ونحو المزيد من التعاون لتحقيق أهدافها.
المهام
أصبحت الحروب النفسية علما ومنهجا تستخدمه الدول فى هدم أعدائها بدلا من اللجوء إلى استخدام المتفجرات والرصاص لاعتبارات كثيرة، وفى مجال الصراع الدولى نستطيع أن نقول إن الخبراء الذين يخططون لحملات الحرب النفسية لتدمير الروح المعنوية وتحطيم الإرادة القتالية، يسعون إلى تحقيق هذا الهدف من خلال المهام الرئيسية التى تتمثل فى التشكيك فى سلامة وعدالة الهدف أو القضية، وزعزعة الثقة فى القوة "من كافة عناصرها" والثقة فى إحراز النصر، وإقناع الجانب الآخر بأنه لا جدوى من الحرب أو الاستمرار فى القتال أو المقاومة، وبث الفرقة والشقاق بين صفوف الشعوب، والتفريق بين الجانب الآخر وحلفائه ودفعهم إلى التخلى عن نصرته، وتحييد القوى الأخرى التى قد يلجأ إليها الجانب الآخر للتحالف معها أو لمناصرته.
الأساليب
ثمة عدة صور وأساليب تستخدم لتحقيق نتائج إيجابية فى الحروب النفسية لا سيما مع التطور الهائل الذى شهده العالم خلال أوائل القرن الـ21 فى تكنولوجيا الاتصالات وسرعة تداول الأخبار، ومن هذه الأساليب الكلمة المسموعة أو المقروءة التى من شأنها التأثير على العقول والعواطف والسلوك، وهو مجال تتعدد فيه الأشكال والوسائل كمواقع التواصل الاجتماعى على الإنترنت والكتب والصحف والمنشورات واللافتات والإذاعة والتليفزيون والسينما والمسرح.. إلخ.
وأيضا فإن الشائعات تعتبر من أهم الأساليب التى يتم استخدامها فى الحروب النفسية، وهى أخبار مشكوك فى صحتها، ويتعذر التحقق من أصلها، وتتعلق بموضوعات لها أهمية لدى الموجهة إليهم، ويؤدى تصديقهم لها أو نشرهم لها "وهذا هو ما يحدث غالبا" إلى إضعاف الروح المعنوية.
كما أن التهديد بواسطة القوة "تحريك الأساطيل- إجراء المناورات الحربية بالقرب من الحدود- تصريحات القادة- إعلان التعبئة الجزئية.. إلخ " يعتبر أيضا أحد أهم هذه الأساليب، وأيضا الخداع عن طريق الحيل والإيهام، وبث الذعر والتخويف والضغط النفسى وكذلك الإغراء والتضليل والوعد لاستدراج الجانب الآخر لتغيير موقفه.
الألوان
توجه الحرب النفسية فى ثلاثة ألوان بحسب مصدرها، فهناك الدعاية البيضاء، وهى نشاط الدعاية العلنى والصريح، الذى يحمل اسم الدولة التى توجهه مثل الإذاعة ووكالات الأنباء والتصريحات الرسمية، ولذلك تسمى أحيانا بالدعاية الصريحة أو الرسمية، وهناك أيضا الدعاية الرمادية، وهى الدعاية الواضحة المصدر، ولكنها تخفى اتجاهاتها ونواياها وأهدافها، أى التى تعمل وتدعو إلى ما تريد بطريق غير مباشر، كالكتاب الذى يحتوى على قصة أو رواية عادية، لكنه يدعو -بين السطور- وبطريق غير مباشر إلى اعتناق مذهب سياسى معين أو التعاطف معه، وأخيرا الدعاية السوداء وهى الدعاية التى لا تكشف عن مصدرها مطلقا، فهى عملية سرية تماما، ومن أمثلتها الصحف والإذاعات والمنشورات السرية والخطابات التى ترسل إلى المسئولين دون توقيع أو باسم أشخاص أو منظمات وهمية أو سرية.
وبالمقارنة بين تلك الألوان الثلاثة للدعاية، يتضح لنا أن الدعاية الرمادية هى أخطرها على الإطلاق: فالإنسان بقليل من الوعى والفطنة، يستطيع أن يكشف بسرعة ما وراء الدعاية البيضاء والسوداء، أما الدعاية الرمادية فهو يتجرعها قبل أن يكتشف أهدافها، ويتعرض لتأثيرها دون أن يشعر، لأنها "تتسلل" إلى عقله ووجدانه مستترة وراء شىء ظاهرى لا غبار عليه.. أى أنه "يتناول السم فى العسل".. والمعروف أن حملات الدعاية تضم عادة الألوان الثلاثة، ولا تكتفى بلون واحد منها، لكننا لا نجافى الحقيقة إذا قلنا إن الدعاية الرمادية تحظى بالنسبة الأكبر، وأنها هى الأكثر استعمالا والأوسع انتشارا، وذلك تأكيدا لكونها أقوى أثرا.