«العيش المر».. «السقالات» تغتال المجملين لواجهات العقارات
كانت الساعة الرابعة عصرًا حينما وقف "عادل" على سقالة خشبية بالطابق الثالث لإنجاز أعمال تشطيب واجهة عقار بمحافظة المنوفية، وذلك رغبة من صاحب المنزل إدخال المرافق والتى اشترط الحى عليه تشطيب الواجهة أولاً، ولكن لسبب لا يتذكره العامل الذى يعول أربعة أطفال وأمهم ووالدته المسنة سقط من أعلى السقالة على ظهره ليتعرض إلى كدمات متفرقة بالجسد ويظل طريح الفراش بعدها لشهور لا يستطيع الحركة أو العمل مثلما كان عليه الوضع قبل الحادث، لم يضع "عادل" فى اعتباره قبل الحادث عمل بوليصة تأمين ضد الحوادث أو الوفاة ولم يهتم بما يسمعه من حكايات لأصدقائه الذين فقدوا حياتهم سقوطًا من أعلى السقالة، وكأن القدر أراد أن يرسل له هذا الحادث ليعتبر منها الآخرون حسب ما قال لـ"الزمان" بصوت خافت يكاد يخرج الكلمات بصعوبة، بدأ "عادل" صاحب الثلاثة وأربعين عامًا حديثه لـ"الزمان"، قائلاً: تزوجت فى سن الثلاثين ورزقنى الله بأربعة أبناء ثلاثة صبيان وفتاة، وبعد وفاة والدى كنت المسئول عن زواج شقيقاتى الاثنين وهو ما تسبب فى تأخرى عن الزواج، ومهنتى بالأساس "نقاش" ولضيق الحال تعلمت "المحارة" على كبر، وكنت أعمل بالمهنتين لكى أستطيع الإنفاق على أسرتى، وقبل عام تقريبًا حضر لى زبون كان يرغب فى عمل تشطيب للواجهة للعقار المملوك له والذى انتهى للتو من بناءه وقد اشترط الحى توضيب وتشطيب الواجهة لكى يستطيع إدخال المرافق.
وأضاف، استمر العمل بالواجهة لثلاثة أيام وفى اليوم الرابع كنت مرهقا ورغم ذلك لم أسترح من العمل بعد إلحاح من الزبون للانتهاء سريعًا من تشطيب الواجهة لكى يستطيع الانتقال من محل سكنه القديم إلى السكن الجديد، وبعد صعودى للسقالة وبعد ساعة تقريبًا من العمل سقطت فى عينى "حباية" رمل وربما كانت السبب فى اختلال توازنى لأستيقظ بعدها فى المستشفى لا أستطيع تحريك جسمى والألم فى كل جزء من جسدى.
واستطرد، لم أندم فى حياتى بقدر ندمى على عدم ذهابى للتأمينات رغم نصيحة زوجتى وأمى وعمل تأمين ضد مخاطر الحوادث والوفاة ومن وقتها وأنا أعيش على مساعدة الأقارب وفاعلى الخير وقد جمعوا لى مبلغا لتأجير وتجهيز محل بقالة أسفل منزلى، إضافة إلى مساعدة قدمها لى صاحب المنزل الذى شهد الحادث أمام عينه وتولى الإنفاق علىّ أثناء إقامتى بالمستشفى.
واقعة أخرى رصدناها، لشاب فى العقد الثانى من العمر توفاه الله بعد سقوطه أعلى بناية كان يشارك فى تشطيبها بمدينة القناطر الخيرية ويدعى "كريم حسن"، ويقول عمه الذى تولى تربيته بعد وفاة والده، ابن شقيقى كان رجلا يعتمد على نفسه من الصغر ويرفض المساعدة من أى شخص غريب عنه، ويتولى مسئولية شقيقته الصغرى بعد وفاة والدهم، وفى يوم الحادث كان "كريم" ذاهبا للعمل كأى يوم عمل حيث اتفق مؤخرًا على العمل مع شركة مقاولات مقابل يومية 200 جنيه ولأن الرقم كبير كانت الشركة تجبرهم للعمل على واجهة العمارات المرتفعة بدون أى عوامل أمان وعبر سقالات خشبية.
وتابع، يوم الحادث جاءت سيارة الشركة واصطحبت المرحوم لموقع العمل وبعدها بساعات فوجئت باتصال من المهندس المسئول عنه بوفاة نجل شقيقى داخل المستشفى بعد سقوطه أعلى سقالة بالطابق الثامن، ولأيام وأسابيع وشهور طالبنا بحقه من الشركة التى لم تؤمن عليه وعرفت من صديقه فى العمل أن المسئول عن السقالة كان شخصا معدوم الضمير استخدم خشبا متهالكا وصنع منه السقالة ومن ثم لم تتحمل أى وزن عليها رغم أن نجل شقيقى لم يزد وزنه عن 60 كيلو لكن انكسرت به السقالة وسقط على الأرض متوفيًا فى الحال.
"عشرات الحوادث يوميًا ولا أحد يهتم" بتلك الكلمات بدأ المهندس أحمد سليمان صاحب شركة تشطيبات وديكور، قائلاً: بشكل متكرر تحدث وقائع إصابات ووفاة لعمال وصنايعية نتيجة اختفاء عوامل الأمان والاعتماد على سقالات خشبية لا يمكن معها تثبيت العامل بواسطة "واير" يكون مجهزا فقط فى السقالات المعدنية والتى لا يعتمد عليها أصحاب الشركات الصغيرة نظرًا لارتفاع سعرها لكنها أكثر أمانًا، والطبيعى أن تهتم الشركات الكبيرة والصغيرة بوضع تلك السقالات الحديدية بدلاً من الخشبية، ولكن الجميع يتركها للظروف.
وأضاف، الحكومة عليها دور كبير فى إلزام الشركات التى تتداخل أعمالها مع الحكومة ضرورة التأمين على العمالة لديها وضرورة أن يكون هناك وثيقة تأمين وقتية مرتبطة بالأعمال التى يقوم بها العامل خاصة الوقوف أعلى السقالات، وربما تكون وثيقة "أمان" هى الحل بالوقت الراهن.
ويتفق معه "معاذ الوحش" خبير بالسلامة المهنية بواحدة من شركات المقاولات، قائلاً: حل أزمة السقالات يتلخص فى وجود "واير" يربط العامل بالسقالة ومن ثم استحالة سقوطه إلا فى حال سقوط السقالة وهذا أمر مستحيل، وعليه يجب الرقابة من جانب الأحياء بالمرور على العقارات تحت الإنشاء وتحرير مخالفة لصاحب العقار فى حال لم تتوافر عوامل الأمان للعمال وهو ما يعد تدخلا مباشرا من الحكومة لحماية تلك الفئة التى تمثل أكثر من أربعة ملايين عامل على مستوى الجمهورية.
وأضاف، يجب توعية العمال بضرورة وجود وثيقة تأمين على حياتهم من مخاطر الحياة سواء الإصابة أو الوفاة، وبالنسبة لدور مؤسسات الدولة اجتهدت الحكومة الفترة الماضية لحماية العمالة غير المنتظمة، تارة بصرف إعانة شهرية لدعمهم نتيجة وباء كورونا وتارة أخرى عبر شهادة أمان لتأمينهم من مخاطر الحياة.