كوارث أخلاقية تدمر الثوابت الوطنية والاجتماعية
جرائم غامضة، جرائم أسرية، أفكار شاذة، انسياق فى طريق الشيطان، وغيرها من الظواهر الغريبة على المجتمع التى تعكس مدى إهمال المجتمع للعادات والتقاليد الشرقية الأصيلة، وهو ما يحدث انهيارا للأخلاقيات، فيرى المواطن أنه لديه متسع من الحرية
لارتكاب ما تيسر أمامه من الجرائم دون أن تحيطه أى نوع من الرقابة المجتمعية، فيجد نفسه يستل سكين المطبخ ويقتل أحد والديه بسبب الخلافات المالية، والمخدرات، أو أن يقتل أخيه بسبب مشاكل أسرية، وغيرها من الجرائم الغريبة على المجتمع المصرى، والغامضة التى ترتفع نسبتها خلال الفترة الماضية.
وتفضح مثل هذه الجرائم غياب العديد من الأدوار المجتمعية للأسرة والمؤسسات التعليمية والدينية، والتى تسهم بشكل كبير فى تنشئة فرد صالح بالمجتمع، و"الزمان"، وجهت سؤالا لخبراء القطاعات المتنوعة، عن أسباب انتشار الجرائم خاصة الأسرية والغامضة، وما طرق مواجهة هذه الظروف التى تزيد من الجريمة الغامضة، فى ظل غياب عسكرى الدرك من الشارع المصرى، والذى كان له دوره البارز فى الحفاظ على المجتمع من الجرائم الغامضة، والجريمة الأسرية، حيث كانت كلماته; "هاااااااا مين هناااااااك"، بصوته الأجش، تجعل الكثيرين يفكرون مرات ومرات قبل ارتكاب جرائمهم، وهو ما رصدته السينما المصرية بأفلام الأبيض والأسود الشهيرة، حيث كان لهذا الشرطى دور كبير ينعكس على نسبة انتشار الجرائم التى كانت تقل بصورة كبيرة، وإن كان هذا الدور تعاظم حاليا إلى انتشار الدوريات والأكمنة المتحركة لرجال الشرطة، فى أرجاء المدن والقرى، لمواجهة الجرائم وتحقيق الردع الكامل للمجرمين، وهو ما يحدث فعليا خلال كشف الغموض الذى يحيط بالعديد من الجرائم المتنوعة فى المجتمع، وضبط الجناة فيها، واتفق الخبراء على أنه يجب أن تتكامل الأدوار بين مؤسسات المجتمع لمواجهة محاولات تبديل الفكر الطيب بالفشل والتخريب، وأن تعود الأدوار الغائبة للمؤسسة التربوية التى تقدم الدور التربوى على التعليمى، والدور الدعوى الذى غاب عن المجتمع لتصحيح أفكاره الخاطئة، بالإضافة إلى الفن باعتباره الدور الأول فى القوى الناعمة ويجب أن يكون صاحب رسالة الوسطية وليس ترسيخ البلطجة كمنهج للحياة، بالإضافة إلى أن ارتفاع نسبة الجرائم الغامضة، قد تكون له انعكاسات سلبية على هروب الاستثمارات الأجنبية التى تعتبر أن الوطن يغيب عنه الأمن والاستقرار وأن استثماراتهم تصبح مهددة فى ظل هذا الطقس المضطرب، والسطور التالية تحمل تفاصيل أكثر بشأن هذه القضية.
مواطنون يطالبون بتأمين كامل للشوارع
أجمع عدد من المواطنين على أن التربية في البيت هى الأساس، وأن هذه التربية تتطلب الموازنة بين الثواب والعقاب، والعمل على غرس المبادئ القويمة فى نفوس الصغار، والتأكيد على أنه يجب أن نحتذى بالمثل العليا. تقول رافعة مصطفى، موظفة ستينية بالمعاش، إن التربية هى الأساس، فمن أحسن زراعة
البذرة فى أولاده سيحصدها فى كبره، مشيرة إلى أنها اعتمدت فى تربية أبنائها على غرس تعاليم الدين الإسلامى، والتعاليم المجتمعية المصرية والتى اعتمدت على احترام الآخرين، وتوقير الكبار.
وتابعت; مصطفى; خايفة على أحفادى، من الفيس بوك، والنت، والبعد عن الدين والعادات الطيبة، خايفة على الجيل الجديد اللى متسربع على كل حاجة فى دينه وتقاليده.
أما سامية محمد، ربة منزل، فتؤكد أنها كانت تستقى الثقافة والمعرفة من الفن الجميل، عبر مشاهدة التليفزيون والأفلام والمسلسلات التى كانت تعبير عن العادات المصرية والتقاليد الأصيلة للمجتمع، مؤكدة أنها تحرص على تعليم ابنها التعاليم الدينية واحترام الكبير، قائلة: كله هيتردلى لما أكبر.. لو ربيت هيقعدلى فيه.
واتفق معها خالد محمد، طالب بكلية الحقوق، فى أن التربية هى أساس المجتمع، وأن تأصيل احترام العادات والتقاليد والاهتمام بالتربية الدينية هو الأساس للقضاء على الجريمة عمومًا، مشيرًا إلى أنه حتى لو تم تغليط العقوبات، فلن ينصلح حال المجتمع إلا إذا
انصلحت الأسرة وعادت إلى تقاليدها وعاداتها.
ويرى محمد، أن مواقع التواصل الاجتماعى ليست مفسدة للأخلاق، كما أنها ليست سببا لانتشار الجريمة، بل على العكس كان لها دور كبير فى توعية البنات بقضية مثل "فتاة المعادى".
أما سامى الوكيل، محاسب أربعينى، فيقول عن الجرائم الأسرية: قصص تشيب!! يعنى إيه ابن يتجرأ على أمه ويضربها أو يشتمها، الجرائم اللى بتوجع قلبى حوادث القتل اللى بيكون فيها الأب والأم مجنى عليه من عياله، يعنى أنا أخلف عيل يقتلنى.. إزاى ده.
وأرجع الوكيل، السبب فى هذه الحوادث إلى تراجع دور الأسرة والمدرسة، ودور العبادة، قائلًا: لو قولنا إن الأسرة فاسدة ومربتش العيال، طيب وفين دور المدرسة، ولا دور المسجد والكنيسة؟ مؤكدًا على أن الأجهزة الأمنية حاليًا لن تستطيع وحدها منع الجريمة،
وأن الجميع مسئول أمام الله أولًا على ما يؤول إليه المجتمع.
وطالبت سمية محمد، خريجة جامعة القاهرة، بزيادة تأمين الشارع لكى تسير البنات دون أن تشعر بخوف أو تهديد، مع تشديد الرقابة على مواقع التواصل الاجتماعى، لأنه فى الوقت الذى ساند فيه آلاف قضية; فتاة المعادى خرجت بعض الأصوات التى تطالب بألا تعمل البنت من الأساس، وأن خروجها للعمل كان
السبب وراء تعرضها للسرقة والقتل.
واتفقت معها مريم عماد، ربة منزل، مؤكدة حرصها وزوجها على تعليم أبنائها على بعض القواعد فى التعامل مع الآخرين، منذ فترة الصغر حتى تضمن التنشئة السليمة والقويمة.
وفسر عدد من خبراء التربية، مؤشر ارتفاع الجرائم نتيجة تراجع دور المدرسة فى القيام بالدور الواجب عليها فى تربية التلاميذ قبل تعليمهم؛ مرجعين الأمر إلى اهتمام غالبية المعلمين بالدروس الخصوصية ومحاولة إرضاء التلاميذ بغض النظر عن تصرفاتهم
داخل جدران المدرسة؛ وهو ما ساهم بشكل كبير فى ارتقاع معدل الجرائم والتى تنوعت ما بين سرقات وبلطجة وصولا إلى القتل وجرائم أخرى تورطت بها المدرسة بشكل غير مباشر بعدما أهملت التربية لصالح التعليم مكتفية بتعديل المناهج وتبسيطها حتى باتت الأمور خارج نطاق السيطرة.
وقال محمد كمال، الخبير التربوى: الهدف الأساسى للتربية هو تنشئة المواطن الصالح المنتج وإنماء مواهبه وتوجيهها نحو غايات نبيلة ومقاصد كريمة، من خلال ما يقدم إليه من توجيهات وخبرات ومعلومات، وإفساح المجال أمام مواهبه واكتساب المبادئ والأهداف على وجه يهدف إلى الخير والصالح العام.
وأوضح كمال، قائلا: اسم الوزارة المسئولة عن التعليم هى وزارة التربية والتعليم، وقد قدم التربية عن التعليم لتكون رسالتنا تربية الأطفال على الاحترام والمبادئ والعادات والتقاليد، لكن للأسف ونتيجة صعود جيل من المدرسين لا توجد لديهم القدرة على تقويم السلوكيات
الخاطئة الصادرة عن الطلاب تراجع دور المدرسة للقيام بالتربية قبل التعليم، ويتمادون فى أخطائهم ويلقون باللوم على الأسرة التى تركت التلميذ أمانة فى عنق المدرسة والمعلم ومن ثم أؤكد بأن دور المدرسة فى الوقت الراهن منقوص.
واستطرد بقوله: أنت كمعلم تستطيع تربية الطلاب حتى لو كانوا بمرحلة الثانوية العامة من خلال ورقة تقييم تسجل بها ملاحظاتك على الطالب، وأى تغيير فى سلوكياته، وترسل ورقة التقييم إلى ولى الأمر، ومن هنا نغلق طريق للشيطان كاد أن يتسلل إلى عقل الطالب وتكون أتممت الرسالة وأديت مهمتك لكن أن تنشغل كمعلم فقط بإنجاز المنهج فهذا خطأ كبير وتطبيق أعمى للتعليمات.
وتتفق معه الدكتورة مها السنوسى، الخبيرة التربوية، قائلة: قيمة وهيبة ومكانة المدرسة تراجعت بشكل ملحوظ خلال السنوات الأخيرة، حيث إنها كانت تقوم بدورها فى التعليم وظهر ذلك من خلال مؤشرات واضحة ومحددة، وهى انتظام العملية التعليمية وانضباطها، بجانب كفاءة التعليم، ورضا المعلمين عن وضعهم الاجتماعى والمادى، فاجتماع جميع هذه العناصر يؤدى إلى إنتاج مدارس ذات مكانة وهيبة وقيمة، وهو ما يمنع التلميذ من الخروج عن نص الأدب، أو الهروب من دور العلم، لخوفه من العقاب الذى سيُطبق عليه فى هذه الحالة، إلا أن كل هذا غاب مؤخرًا.
وأضافت السنوسى، أن التريبة والتعليم شىء واحد، فالتربية تتم أثناء العملية التعليمية، لأنها بمثابة احترام المعايير وسلوكيات وتصرفات المعلمين أثناء العملية التعليمية، بجانب القيام بالممارسات الإيجابية مثل الانضباط والانتماء والمشاركة الإيجابية، واحترام رسالة المدرسة والحرص على اكتساب المعارف والمهارات، وكذلك مناقشة المعلمين فى الفصول، وتجنب الممارسات المخالفة للقانون المدرسى وقوانين
المجتمع ككل.
فيما كشف سامى سعيد، خبير تربوى، قائلا: لا بد أن تعود مكانة وهيبة المدرسة لتكون الوجهة الأولى لتلقى العلم، ومنع الدروس الخصوصية بشكل تدريجى، فضلًا عن إعادة الانضباط للمدارس، والاتحاد لتعود المدرسة إلى ممارسة دورها الطبيعى فى التربية والتعليم معًا، كاشفا أن أسباب ارتفاع الجريمة داخل
المجتمع تعددت بين ضعف دور الأسرة المصرية التى لم تعد تقدم بدورها فى التربية وتقويم سلوك الأطفال، بل تحولت إلى بؤرة تجمع مجموعة أفراد، يجمعهم فقط الأكل والنوم، دون تبادل المناقشات والأحاديث
وغيرها من وسائل تحقيق دفء للعلاقة الأسرية الودية بين أطرافها، وهو ما أدى إلى انعزال الجميع سواء بهاتفه الشخصى أو جهاز الكمبيوتر، وخلق عالم خاص به، ما أدى إلى زيادة العزلة الاجتماعية.
وأكد خبراء الأمن، أن السبب الرئيسى لانتشار الجرائم الشاذة، هو انعدام دور الأسرة وغياب التربية الصحيحة، مشيرين إلى أهمية التلاحم بين مؤسسات المجتمع للحفاظ على المجتمع هادئا ومستقرا.
يقول اللواء عمرو الزيات الخبير الأمنى، إن أحد أهم أسباب انتشار الجرائم خاصة الجرائم الأسرية والتى تعتبر غريبة وشاذة على المجتمع المصرى، انعدام دور الأسرة والتربية الصحيحة للأولاد وبالتالى نراهم يرتكبون جرائم بشعة كما نسمع ونرى، موضحا أن قرار انفصال الزوجين يترتب عليه آثار سلبية
خطيرة، ومنها أن الأولاد يهربون من واقعهم ويتجهون للعزلة، وهنا يتجه بعضهم للمخدرات
والجريمة، وبعضهم يتم إيقاعهم فى شباك الجماعات الإرهابية التى تتربص بشبابنا ويكون سهل انجذابه إليها لأنه يفتقد الحنان الأسرى وبالتالى نجد أن هناك ارتفاعا لنسبة الجرائم الأسرية، وانتشار الدوريات الأمنية يكشف الكثير من الجرائم الغامضة.
وتابع الزيات قائلا: الجريمة داخل الأسرة موجودة منذ فجر التاريخ، فأول جريمة كانت بين الأخوين قابيل وهابيل، كما أن الأوضاع الاقتصادية لها تأثيرها على اتجاه بعض الأشخاص لارتكاب الجرائم الاجتماعية السابقة، مشيرا إلى أن الحكومة عليها عامل كبير فى
وضع حلول سريعة للأزمات الاجتماعية الخطيرة التى يعيشها المواطن حاليًا عن طريق توفير بدائل وفرص عمل، ورفع مستوى المعيشة للمواطن، وتوفير عدالة اجتماعية بين أفراد المجتمع الواحد دون تمييز، وإعلاء قيمة العلم والعلماء والبعد عن إعلان سلع
مستفزة، كما أن الأوضاع الاقتصادية السيئة لكثير من الأسر تتسبب فى تفككها؛ نظرا لارتفاع معدلات الفقر والبطالة.
قال اللواء أشرف أمين، مساعد وزير الداخلية الأسبق: سوء التربية وغياب دور المعلم، وتغير نمط الخطاب الدينى، وراء التفكك الأسرى، بالإضافة إلى الشائعات التى انتشرت بسرعة البرق بسبب السوشيال ميديا، والدراما السيئة والمسيئة التى تحث للتمرد على أحوال
الأسرة.
ويضيف أمين قائلا: افتقدنا الشهامة والمروءة، فنجد البعض يتابع جريمة قتل ويصورها دون أن تتحرك مشاعره، وهذا فعل شاذ وغريب على المجتمع المصرى الذى اشتهر بالمروءة والشهامة، ويجب العودة للتمسك بالعادات والتقاليد لخلق جيل من الشباب يحب الخير والفضيلة وليس جيل من البلطجية.
وأكدت الدكتورة مروة حافظ، رئيس مبادرة تعالوا نعلم ولادنا معنى الولاء، بأن الشباب يتجه الآن لفكرة الاستقلال عن الأسرة وهذا بطبعه يؤثر على الأسرة وتماسكها، وهو ما تنتج عنه فجوة كبيرة فى العلاقة الأسرية ويترتب على هذا أن يتجه الأولاد لإخراج
طاقاتهم خارج المنزل ويصبحون عرضة للشارع وأصدقاء السوء والأفكار الهدامة ويتجهون للجريمة ويتمردون على العادات والتقاليد التى تربينا عليها، مضيفة أن جميع المؤسسات الحكومية عليها دور كبير فى إرساء وإظهار دور الترابط الأسرى فى بناء مجتمع قوى وفاضل، كما أن توحيد خطبة الجمعة كان لها أثر إيجابى شديد فى نفوس الشباب.
ويقول أيمن محفوظ، المحامى بالاستئناف ومجلس الدولة: هناك انتهاكات كبيرة تحدث داخل بعض الأسر من العنف الأسرى بكافة أشكاله بداية من الإيذاء البدنى للأطفال والنساء وحتى الاستغلال الجنسى لهم من قبل أفراد الأسرة سواء كان ذلك فى شكل زنا المحارم أو استخدامهم فى الدعارة أو الإتجار بالأبناء
لتشغيلهم فى التسول وخلافه وقد يتطور الأمر إلى إزهاق الروح بالقتل أو الضرب المفضى إلى موت، مشيرا إلى أنه يجب أن تكون الحماية من الأسرة والتى من المفترض أن تساعد الدولة ومؤسساتها فى هذه المهمة الشاقة لا أن تكون الأسرة عبئا على الدولة وأن تكون الحماية نابعة من الأسرة فهذا أمر يثير التعجب وعلينا مراجعة أنفسنا جميعا كيف وصل حال بعض الأسر لمثل هذه المرحلة من التدنى النفسى لكى تكون الانتهاكات صادرة منها.
والفن مرآة المجتمع يعكس تقدم الشعوب أو تخلفها، ويلعب دورا محوريا فى قيادة المجتمع نحو الرقى، أو إلى الانحدار والضياع، والفن الهابط يدمر المجتمع من خلال اللعب على وتر القيم الإنسانية للمجتمع، وظهرت فى السنوات الأخيرة العديد من الأفلام التى جعلت من
البلطجة بطولة، بصورة حملت الكثيرين على الربط بين انحدار مستوى السلوكيات والجريمة العنيفة وبين انتشار سلوكيات مستنسخة من واقع ما ينتج عن السينما المصرية.
وقال الناقد الفنى أحمد عبدالصبور، إن إحصائيات رسمية صادرة عن وزارة الداخلية، كشفت وجود أكثر من 92 ألف بلطجى ومسجل خطر، ارتكبوا جرائم قتل واغتصاب وخطف فى مصر، موضحا أن تقريرا صدر مؤخرا عن المركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية، جاء فيه ارتفاع نسبة المسجلين من إجرام النفس بشكل غير مسبوق، بحسب البيانات الصادرة عن وزارة الداخلية، بخلاف غير المسجلين فى الأوراق الرسمية.
وأضاف عبدالصبور، أن مصر احتلت المركز الثالث عربيا فى الجريمة بعد ليبيا والجزائر، فيما احتلت المركز الأول فى حالات الطلاق التى وصلت إلى 44% بما يعنى انتهاء نصف حالات الزواج تقريبا بالطلاق، موضحا أن السينما أنتجت فى السنوات الأخيرة العديد من الأفلام التى تجسد دمار الأخلاق والجنس والمخدرات، وهو ما نتج عنه انحدار لمستوى الثقافة فى المجتمع المصرى، وهدم الأخلاق وانعدام الضمير، كما تسببت فى نشر الكثير من العنف بشكل يومى فى المجتمع خاصة بين الأطفال وهى الفئة التى تقف حاليا وراء حالات القتل.
وأضاف أن أهم دور للفن هو تقديم ما يُفيد المجتمع ويحث على الأخلاق الحميدة وصفات الفضيلة، أما الفن الداعى للبلطجة والانحراف يدمر ويهدم قيم وثقافة المجتمع.
وأوضحت الفنانة القديرة سميرة أحمد، أن الفن برىء مما يحدث فى الواقع من ارتكاب جرائم وعنف، قائلة: وما ذنب السينما فى شخص حاول التمسح بالأعمال الفنية وقام بتقليدها، فالعيب فى المشاهد الذى لم يستطع أن يفهم مضمون العمل، والرسالة، موضحة أن الدراما تهدف إلى شرح مصير المجرم على ما يقوم به من أفعال، مشيرة إلى أن الجريمة زادت نسبتها
مؤخرا لأن النفوس أصبحت مريضة تقبل بقتل النفس البشرية من أجل حفنة جنيهات، مشددة على ضرورة أن ينال القضاء مساره بإعطاء هؤلاء المجرمين العقوبة التى يستحقونها حتى يعود الحق لأهالى الضحايا.
وأعربت الفنانة لبنى عبدالعزيز، عن استيائها من زيادة معدلات الجريمة فى مصر، مطالبة الشباب أن يتخذوا من الرئيس عبدالفتاح السيسى، قدوة حسنة فى التحلى بالإيمان والعمل من أجل توفير حياة كريمة للمجتمع وهو ما لن يتحقق إلا بتعاون كل فئات الشعب بدلا من التوجه للجريمة التى تدمر البلد.
وقالت لبنى: الفن يرتقى بالمجتمع وعلى صناع الفن أن يدركوا جيدا أن تقديم الأعمال الراقية التى تتحدث عن أجمل ما فى الواقع بدلا من تركيزها على نشر الصور السيئة، أمر مهم، موضحة أن المجتمع المصرى مجتمع راق وملتزم.
من جانبها أكدت سامية خضر، أستاذ علم الاجتماع، أن الجريمة زادت بشكل ملحوظ مؤخرا وآخرها شخصية مريم فتاة المعادى والمرأة التى تعرضت للاغتصاب أمام زوجها وخطف الأطفال والبنات.. وكلها كوارث ظهرت فى المجتمع نتيجة غياب الوعى لدى هؤلاء المجرمين بأن ما يفعلوه هو هدم للمجتمع وليس بحثا عن رزق.
وأكدت خضر، أن هؤلاء المجرمين كسالى يرفضون البحث عن عمل شريف، حتى لو كان شاقا، ويقومون باصطياد الضحية التى يرون فيها الثراء والتى ستوفر –من وجهة نظرهم-، لهم مالا كبيرا كما حدث مع فتاة المعادى عندما خرجت من البنك وظنوا أنها تضع كنوزا داخل حقيبتها فقاموا بمحاولة التحرش بها ومحاولة سرقتها، كما أن هؤلاء أناس ليسوا أسوياء، وقد يكونوا مرضى بحب الجريمة، وناشدت القضاء الشامخ باستصداره أحكاما فيها أقصى درجات العقوبة ولا تأخذهم بهم رأفة لأنهم مجرمون على دراية بجريمتهم التى ارتكبوها، مطالبة أراد المجتمع بضرورة توخى الحذر عند التعامل مع الآخرين وعدم بث الرعب في نفوس أولادهم حتى يعود الأمان والاستقرار للمجتمع مرة أخرى.
وقال الشيخ أحمد سيد شاكر، الواعظ بالأزهر الشريف، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم علمنا الرفق واللين حتى مع أصحاب الجرائم، ولنا فى رسولنا المثل الأعلى، ولننظر كيف تعامل مع المخطئ، فعندما حضر أعرابى إلى المسجد وبال فيه هَمَّ الصحابة الكرام إلى نهره بشدة، فمنعهم الرسول الكريم لعلمه أن الرجل أعرابى لا يعى خطأ تصرفه هذا، وحين انتهى الأعرابى قال له صلى الله عليه وسلم إن المساجد بيوت صُنعت للصلاة، وفى هذا مثال لتعليم الناس خطأهم والصبر عليهم.
وأضاف شاكر: غايتنا الأكبر كرجال دين ودعاة إلى الله أن نكون سببا فى نجاة الناس في الدنيا والآخرة، فلو أشفقنا على العاصى وعاملناه باللين ربما نكون سببا فى هدايته إلى طريق طاعة الله، وأقول إن دعوة هؤلاء العصاة إلى الطريق المستقيم تتطلب أن يكون من يتم
اختيارهم لهذا العمل ليسوا من فئة الموظفين، لكن يجب أن يكون الدعاة فى هذه الحالة من أصحاب الرسالة الذين يعيشون فى طاعة ربهم لنصرة دينهم، مؤكدا أن الأصل فى الأمور أن يكون الكلام مناسباً لاحتياجات الناس فكما يقول المثل العربى "لكل مقام مقال"، كذلك فإن دعوة الناس إلى الخير يجب أن تكون بما يناسبهم من طرق ولغة وأساليب.
وأشار شاكر، إلى أن الله سبحانه وتعالى يقول ﴿ما أرسلنا من رسول إلّا بلسان قومه ليبيّن لهم فيضلّ اللّه من يشاء ويهدى من يشاء وهو العزيز الحكيم﴾، والدعوة أساسها، وكما تعلمناها من رسول الله محمد بن عبدالله (صلى الله عليه وسلم)، اللين والرحمة وليس الغلظة والقوة كما فى قوله تعالى ﴿فبما رحمة من اللّه لنت لهم ولو كنت فظّا غليظ القلب لانفضّوا من حولك ﴾ ومن هنا، كان الأصل فى الدعوة إلى الله أن تكون
مشمولة باللين.
وأوضح شاكر، أن رجل الدين ليس جلادا أو حامل سوط وسيف كى يضرب أو يقتل لكن هو مبلغ دين الله بالكلمة قال تعالى (فإن أعرضوا فما أرسلناك عليهم حفيظا أن عليك إلّا البلاغ وإنّا إذا أذقنا الإنسان منّا رحمة فرح بها وإن تصبهم سيّئة بما قدّمت أيديهم فإنّ الإنسان كفور) والكلمة أقوى من السيف والسوط كما
نعلم، فالكلمة لها آثارها فى القلوب والنفوس مهما كانت هذه القلوب قاسية وهذه النفوس متعنتة فالخالق تبارك وتعالى قال لسيدنا موسى وأخيه (اذهبآ إلى فرعون إنّه طغى فقولا له قولا لّيّنا لّعلّه يتذكّر أو يخشى).
وتابع: الجرائم أنواع، هناك جرائم سياسية وجرائم جنسية وجرائم اقتصادية من أجل الحصول على المال وجرائم بدافع الانتقام والثأر وكل نوع منها له أسبابه، أما بالنسبة لأسباب قسوة القلوب فهى أيضا كثيرة منها حب الدنيا ونسيان الموت والدار الأخرة ومنها ترك القرآن الكريم وهجره فالقرآن دواء القلوب كما نعلم ومنها التربية الخاطئة التى تقوم على أساس أن يكون الإنسان غليظ القلب ما دام رجلا ومنها طبيعة البيئة التى تربى فيها الإنسان ومنها مجالسة ومصاحبة رفقاء السوء غلاظ القلوب معتادى الجرائم.
واختتم شاكر قوله: إن الصاحب ساحب، وكما جاء حديث أبى موسى الأشعرى: أن النبى ﷺ قال: إنما مثل الجليس الصالح وجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يُحْذِيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحاً طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحاً منتنة، وقال صلى الله عليه وسلم المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل هذه هى أهم أسباب قسوة القلوب.