اختتام الملتقى العالمي للتصوف.. الدكتور منير القادري يدعو الى بناء مجتمع إنساني تسوده المحبة والتعاون والاحترام
أعلن الدكتور منير القادري بودشيش، رئيس مؤسسة الملتقى ومدير المركز الاورومتوسطي لدراسة الإسلام اليوم، الخميس 5 نونبر الجاري، عن اختتام فعاليات الدورة الخامسة عشر للملتقى العالمي للتصوف الذي نظم هذه السنة افتراضيا، انسجاما مع التدابير الاحترازية في ظل جائحة كورونا، وذلك في الفترة من 12 الى 19 ربيع الأول 1442ه الموافق من 29 أكتوبر الى 5 نونبر2020، والذي اختير كموضوع له "التصوف وتدبير الأزمات: دور البعد الروحي والأخلاقي في الحكامة الناجعة"، وذلك تحت الرعاية السامية لأمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس نصره الله.
في بداية كلمته الختامية أعرب الدكتور القادري عن سعادته الغامرة للنجاح الكبير الذي حققته هذه الدورة التي اتسمت بتميز وغنى برامجها وأنشطتها المكثفة التي استمرت فعالياتها أسبوعا كاملا، وعرفت متابعات كبيرة وتثمينا من المتابعين من مختلف انحاء العالم.
وأوضح أن الهدف من طرح موضوع هذه السنة هو تجلية الأزمات التي يعانيها المجتمع الإنساني اليوم، هذه الأزمات التي أرجعها إلى أزمة رئيسية متمثلة في أزمة القيم والسلوك والمعنى، وبين أن العالم اليوم يعاني في صمت من أزمة حقيقية في هويته الإنسانية، التي تترجم في عدد من السلوكيات البشرية التي تولّد في كل مرة أزمة جديدة، وأضاف بأن الغرض من طرح موضوع هذه السنة؛ هو التنبيه والتحسيس بهذه الأزمات من جهة، ومن جهة أخرى إبراز ما يمكن أن يضطلع به المكون القيمي في معالجتها وتجاوزها، وما يمكن أن يقدمه التصوف باعتباريته القيمية وكونه مرجعية روحية في تدبير أزماتنا المعاصرة، وخلق حكامة قيمية فاعلة في هذا الباب، وبثّ خطاب ديني متنوّر يتناسب وسماحة الإسلام وكونيته.
وتابع بأن المتوخى أيضا من طرح موضوع هذه الدورة إبراز النموذج المغربي، المعروف بتميزه وإشعاعه طيلة تاريخه لما يحمله من أبعاد روحية وقيمية أثبتت جدارتها تاريخيا وواقعيا في حل وتدبير كثير من الملمات التي عرفها التاريخ المغربي والإنساني.
وبين أن هذه الدورة، على الرغم من كونها نظمت في ظروف استثنائية نتيجة الأزمة الصحية، التي اقتضت تنظيمها افتراضيا عبر وسائط التواصل الاجتماعي، مؤكدا أنها كانت دورة جدّ متميزة، بالنظر للأنشطة الخاصة التي تضمنتها، إلى جانب جلساتها التي بلغت ثلاثة عشرة جلسة، والتي تضمنت ما يزيد عن تسعين (90) مداخلة علمية رصينة تقدّم بها خيرة الباحثين والأكاديميين والعلماء، من المغرب، ومن أوروبا، وآسيا، وأستراليا، وإفريقيا، وأمريكا، باختلاف ما يمثلونه من مشارب وتخصصات علمية ومعرفية، الذين قدموا مطارحات قيمة تضمنت العديد من الرؤى والإجابات بخصوص القضية المطروقة حول الأزمات، كما تراوحت اللغات التي قُدّمت بها تلك المطارحات بين العربية والفرنسية والإنجليزية والإسبانية والتركية.
كما أشار الى الأنشطة الموازية المكثفة التي شهدتها الدورة الخامسة عشرة، كالندوة الصحفية الدولية التي كانت غنية بالأفكار والأطروحات الكاشفة عن هموم هذا الواقع وأهم قضايا وأزماته، والتي شارك فيها نخبة من السادة الأساتذة والإعلاميين المرموقين من المغرب وخارِجه، بالإضافة إلى عدد من الموائد المستديرة التي تم تنظيمها على هامش الملتقى (les webinaire) التي قام بتنشيطها نخبة من الخبراء والمتخصصين من فرنسا وبلجيكا وإسبانيا والمكسيك والبرتغال وغيرها من الدول، وكذا الملتقى الوطني للقرآن الكريم الذي عرف مشاركة نخبة من خيرة المقرئين المغاربة مع تنظيم المسابقة القرآنية في حفظ القرآن الكريم وتجويده.
كما لم يغفل الدكتور منير الإشارة الى تنظيم الأمسية العلمية والروحية للتعريف بالكمالات المحمدية، التي عرفت مشاركة علماء من أهم المنارات العلمية في العالم الإسلامي (جامعة القرويين، الأزهر الشريف، جامعة الزيتونة، مذاغ )، وذلك في سياق الاحتفاءات بالمولد النبوي، وللرد على بعض التصريحات المسيئة في حق النبي صلى الله عليه وسلم.
كما أشار أيضا إلى المسابقات التي نظمت في إطار الملتقى، كالمسابقة العلمية حول إعداد مقالة في موضوع "تدبير الأزمات في الإسلام: الأصول والمنطلقات"، و المسابقة الشعرية في المديح النبوي.
وأبرز أن كثافة الأنشطة التي تضمنتها فعاليات الملتقى، تصب في جملتها في سياق وحدوي تكاملي من أجل النهوض بروح التصوف وإحياء معالمه المتأسسة على روح الإسلام السمحة الداعية إلى التعايش والمحبة والسلم والسلام والخير، وأشار إلى أن هذه القيم هي التي يمكنها أن تعطي الصورة الإيجابية والمشرقة عن ديننا الإسلامي، الذي أصبح ينعت بنعوت لا صلة لها بسماحته ولا بحقيقته، وهو ما تنامى مع ظاهرة الإسلامفوبيا.
ونبه الى ضرورة الوعي بالمسؤولية الملقاة على عاتقنا بالدعوة إلى القيم الإسلامية الأصيلة التي أسس من خلالها النبي صلى الله عليه وسلم لقيم الحوار والتعايش واحترام الغير والمشترك الإنساني، وأكد أن تمثل هذه القيم تجعل منا سفراء لإسلام الرحمة والمحبة والسلام، بدل الصورة السلبية التي انتشرت عنه، وأنها تمكننا من الإسهام في بناء مجتمع إنساني تسوده المحبة والوئام والاحترام، وأضاف بأن طموحه كبير لمزيد من العمل الجاد والمتواصل في هذا الورش الحضاري والقيمي، بالتعاون مع كل الفاعلين الذين لهم إرادة الخير والصلاح تحت القيادة الراشدة لأمير المؤمنين نصره الله.
واختتم كلمته بتوجيه الشكر لكل من ساهم من قريب أو بعيد في إنجاح هذه التظاهرة من السادة الأساتذة والعلماء الأفاضل والفريق التقني للملتقى، والى الشيخ الدكتور مولاي جمال الدين القادري بودشيش الذي يقدم له التشجيع للمضي قدما في كل هذه المساعي التي يرعاها بالمتابعة والدعم الكبيرين، كما توجه بالدعاء بالحفظ والسداد لأمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس الذي ما فتئ يشمل هذه التظاهرة برعايته السامية على عادته في رعايته لكل المبادرات الإيجابية والبناءة.