جرائم كبرى تحت تأثير المرض النفسى
وسط غياب تام لدور بعض مؤسسات الرعاية المسئولة عن المرضى النفسيين الذين يتجولون "ليل نهار" فى الشوارع وسط المواطنين، انتشرت جرائم قتل وضرب من جانب هؤلاء المرضى تجاه الأصحاء فى غفلة منهم مثلما حدث الأسبوع قبل الماضى حينما أقدم شاب على قتل والده ووالدته وآخر قتل صيدليا وأصاب ثلاثة شباب قبل السيطرة عليه، وفى المقابل وقعت جرائم سرقة أعضاء من جانب عصابات سرقة الأعضاء ضد هؤلاء المرضى النفسيين، وهو ما يجعل بقاءهم فى الشارع جريمة ترتكبها مؤسسات الرعاية الحكومية المسئولة عن جمعهم من الشوارع والحفاظ عليهم داخل مستشفيات الأمراض العقلية والنفسية.
"الزمان" وفى ضوء وقائع رصدناها كشفنا جرائم تم ارتكابها تحت شعار "المرض النفسى" ولأن الشخص يكون غير واعٍ وغير مدرك لتصرفاته فلا يخضع لمحاكمة وأقصى ما يمكن فعله إيداعه مستشفى للأمراض النفسية والعقلية.
كانت البداية، مع واقعة شهدتها مدينة أشمون بمحافظة المنوفية قبل عام حينما أقدم شاب يمر بضائقة نفسية إثر وفاة والديه على إلقاء أبنائه الثلاثة من الطابق الثالث، حيث يقول أحد الجيران وشاهد عيان على الواقعة ويدعى "أسامة.م"، قائلاً: سمعت صراخ زوجة جارى وهو مريض نفسى ويخضع للعلاج منذ فترة بعد تعرضه لأزمة نفسية وظل يتجول على إثرها فى الشوارع هائما على وجهه غير مدرك لتصرفاته وبدلاً من إيداعه مستشفى للأمراض النفسية ظل حرًا طليقًا وذات يوم قام بشد أبنائه وهم صغار لم يتجاوز الكبير منهم 6 سنوات وألقاهم من الشباك واحد تلو الآخر، ولولا العناية الإلهية لماتوا فى الحال وتعرضوا فقط لكسور وجروح بالرأس.
وتابع، بعدها ظننا أنه سيتم إيداعه مستشفى للأمراض النفسية، لكن عاد وقام بالتهجم على محل كمبيوتر بالسكين وتعدى بالضرب على كل من فيه وتسببت فى إصابات شديدة الخطورة لصاحب المحل وآخرين تصادف تواجدهم بالمكان.
وفى نفس المدينة، هناك مختل عقليًا ويدعى "مجدى.خ" ويعانى من مرض نفسى جعله يهرول بالسكين كل يوم وفى الساعات الأولى من الصباح وراء الفتيات الصغار أثناء ذهابهم للمدرسة معتقدًا أنهن بناته ويجب عليه عقابهن لخروجهن من المنزل دون إذن.
وبحسب شهادة "خالد سلامة" أحد جيران هذا الشخص، يقول: نعانى من وجود هذا الشخص فى الشارع فهو دائمًا ما يسير وبيده سكين ومهما كانت حالته وقدرتى على التصدى له إذا ما قرر مهاجمتى، لكن كيف يكون الحال لو قام بالتهجم على من ظهرى أو تهجم على فتاة صغيرة، وصباح ذات يوم فوجئت به يهرول وراء فتاة محاولاً الإمساك بها وهى تجرى وتصرخ لعل أحدا يغيثها وكانت الساعة السابعة صباحًا ولولا عناية الله استيقظت على صوت الصراخ وأنقذتها من يده.
واقعة أخرى، فى مدينة طنطا بمحافظة الغربية، حيث أقدم رجل فى العقد الرابع من عمره ويعانى من مرض نفسى خطير على ضرب شاب بالسكين فى صدره، حيث أوضح "محمود عبدالرحمن" صاحب الواقعة: كنت أسير بالشارع مثل أى شخص ولم أتعرض لهذا الشخص بأى كلمة وهو معروف بعدم الإدراك منذ سنوات قليلة، وفوجئت بقدومه نحوى مسرعًا وفى يده السكين وحاولت الهروب من أمامه حتى استقرت السكين فى كتفى الأيمن مخلفة جرحا بعمق 7 سم.
وتابع، تم القبض على هذا الشخص وبعد أقل من أسبوع ظهر فى الشارع مرة أخرى، ولا أعرف سبب إطلاق سراح هؤلاء بالشوارع.
وفى محافظة الجيزة، قام شاب بضرب والدته حتى فارقت الحياة مستخدمًا أداة حادة بعدما دخل فى حالة هياج فقد على إثرها عقله، ويقول أحد الجيزان وشاهد على الواقعة "س.أ": اشتكينا مرارًا وتكرارًا من تصرفات القاتل ولكن والدته رحمة الله عليها كانت تتوسل إلينا لكى لا نبلغ عنه الشرطة، فلا يمر يوم عليه دون أن يتعرض لواحدة من فتيات الشارع الأطفال بسوء إما بالضرب أو السب حتى انتهى به المطاف إلى قتل والدته حينما اعترضت عليه ذات مرة ورفضت نزوله الشارع.
قنابل موقوتة بالشوارع
على الجانب الآخر، يقول الدكتور صبرى قطب "استشارى الطب النفسى": عدد المرضى النفسيين الموجودين فى الشوارع على مستوى محافظات مصر لا يمكن حصره لعدم اهتمام أى جهة حكومية أو خاصة بإجراء عملية حصر ومساعدة الحالات يأتى على خلفية حملات على مواقع التواصل الاجتماعى، وفكرة أن يظل مريض نفسى طليق فى الشوارع يعرض نفسه والمحيطين به للخطر، فمثلاً أذكر بعض الأمراض النفسية التى تجعل هذا الشخص غير ممكن وجوده فى الشارع ولا بد من مساعدته، مثل الفصام البارانوى والاضطراب البارانوى، ويقدم المريض المصاب بهذه الأمراض على القتل أحيانا، الذى يكون متعمدا لأنه يكون لديه تخيل أن الشخص الآخر سيقتله، فيكون من منطلق اقتل قبل ما تُقتل.
وأضاف، هناك أمراض أخرى تدفع صاحبها للقتل دون وعى، ومنها مريض الصرع يقتل وهو ليس فى وعيه ولا يشعر بشىء، مريض الهوس، فمن الممكن أن يضرب شخصا أو يدفعه من الشرفة ويكون غير متعمد القيام بذلك إطلاقا، مريض الوسواس القهرى تكون المشكلة فى الومضات، وهى عبارة عن فكرة تتكرر دون توقف، فتجد المريض يخنق شخصا معه فى المصعد على سبيل المثال دون سبب، أو يقدم شخص على قتل زوجته لاعتقاده أنها على علاقة بآخر، وأخيرًا مرض الاكتئاب السوداوى، عندما يكون فى أقصى حالاته قد يقتل المريض الأشخاص الذين يحبهم قبل أن يقتل نفسه، لأنه يشعر أن الدنيا لا تستحق وجودهم فيها لأنها سيئة جدا، فيفعل ذلك بدافع الحب وهذا هو الأكثر خطورة.
ويتفق معه الدكتور محمد النعمانى "استشارى الطب النفسى"، مضيفًا: الجهات المسئولة داخل الحكومة عن هؤلاء وزارة التضامن الاجتماعى ووزارة الصحة والجهاز الأمنى الذى يجب عليهم جميعًا حماية المرضى النفسيين المنتشرين فى شوارع محافظات مصر، وهناك دور غائب على مؤسسات المجتمع المدنى وهذا دور غائب تمامًا عن الأشخاص الذين ينادون بالحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، فلماذا لا تطالب بحماية هؤلاء الأشخاص.
وأضاف، هناك عنابر مخصصة لهؤلاء داخل مستشفيات الأمراض النفسية والعقلية فى العباسية ويتم إخضاعهم لجلسات علاج ولا يخرجون أبدًا إلا فى حال كان لهم أقارب يتسلمونهم ويتعهدون بعدم أطلاقهم فى الشارع مرة أخرى.
القانون يحمى المضطربين نفسيًا
ووفقًا لأحكام محكمة النقض فإنه لا تقع عقوبة على المريض النفسى حال ارتكب جناية قتل، حيث أوضح المستشار إبراهيم حماد المحامى بالنقض: المادة 62 من قانون العقوبات المستبدلة بالقانون 71 لسنة 2009 بإصدار قانون رعاية المريض النفسى وتعديل بعض أحكام قانون العقوبات قد نصت على أنه لا يسأل جنائيًا الشخص الذى يعانى وقت ارتكاب الجريمة من اضطراب نفسى أو عقلى أفقده الإدراك أو الاختيار أو الذى يعانى من غيبوبة ناشئة عن عقاقير مخدرة أيًا كان نوعها إذا أخذها قهرًا عنه أو عن غير علم منه، ويظل مسئولًا جنائيًا الشخص الذى يعانى وقت ارتكاب الجريمة من اضطراب نفسى أو عقلى أدى إلى إنقاص إدراكه أو اختياره، وتأخذ المحكمة فى اعتبارها هذا الظرف عند تحديد مدة العقوبة.
وتابع، نصت المادة 339 على أنه إذا ثبت أن المتهم غير قادر على الدفاع عن نفسه بسبب اضطراب عقلى طرأ بعد وقوع الجريمة يوقف رفع الدعوى عليه أو محاكمته حتى يعود إليه رشده، ويجوز فى هذه الحالة لقاضى التحقيق أو للقاضى الجزئى كطلب النيابة العامة أو المحكمة، المنظورة أمامها الدعوى إذا كانت الواقعة جناية أو جنحة عقوبتهما الحبس إصدار الأمر بحجز المتهم فى أحد المحال المعدة للأمراض العقلية إلى أن يتقرر إخلاء سبيله، ويخضع للفحص الطبى خلال مده 45 يوما.