وكيل جهاز المخابرات العامة الأسبق يكشف السر وراء اختيار توقيت النكسة

أول من اكتشف الجاسوسة المصرية هبة سليم، وجلس أكثر من 71 يوما يحقق معها، رصد وتابع وعالج النوايا العدوانية للعدو فى حرب الاستنزاف، إنه اللواء محمد رشاد، وكيل جهاز المخابرات المصرية العامة الأسبق، الذى تخرج من الكلية الحربية وظل يرتقى فى الرتب حتى حقق من الإنجازات ما لا تكفى السطور لكتابتها.

وفى حواره مع "الزمان" فتح اللواء "رشاد" قلبه عن مغامراته فى جهاز المخابرات المصرية، معلقا على المصالحة الخليجية ومدى تأثيرها على العلاقة بين مصر وقطر، بالإضافة إلى التحدث عن جهودات القوات المسلحة مؤخرا.

بداية.. حدثنا عن السيرة العسكرية للواء محمد رشاد؟

تخرجت فى الكلية الحربية برتبة ملازم، وعينت فى سلاح المشاة ك 6 مشاة/ لواء 2 مستقل، ومن ثم أصبحت ضابط استطلاع ك 6 مشاة، وقائد السرية الأولى مشاة برتبة نقيب وغادرت مع ك 6 مشاة إلى اليمن فى نهاية أكتوبر 1562، وشاركت فى حرب اليمن من الحديدة- صنعاء- رايدة- شمال صعدة 07، لمدة سنة ونصف، بعدها حصلت على نوط الشجاعة العسكرى فى حرب اليمن ثم عدت إلى أرض الوطن فى نهاية أبريل 1561، ونقلت للشرطة العسكرية فى 1/0/1561 ثم نقلت إلى المخابرات العامة فى أكتوبر 1566.

عينت رئيسا لملف الشئون العسكرية الإسرائيلية فى هيئة المعلومات والتقديرات من بعد النكسة وحتى اتفاقية كامب دافيد، وقمت بإنشاء قاعدة المعلومات العسكرية عن العدو لحرب أكتوبر 1501، وشاركت فى القبض على الجاسوسة هبة سليم واستجوابها لمدة 71 يوما- شاركت فى عملية تدمير الحفار الإسرائيلى فى ساحل العاج، ومن ثم نقلت إلى هيئة الحصول على المعلومات، وعينت قنصلا لمصر فى اليونان لمدة أربع سنوات ثم إسطنبول بتركيا لمدة عامين.

كيف اكتشفت أن خطابات «سرى للغاية» تحمل معلومات خاصة بمصر؟

جاءنى رئيس مقاومة التجسس فى الأمن الوطنى حين ذاك سيد حطبة، مرفق معه مجموعة من الجوابات مكتوبة بالحبر السرى، وقال لى بإنه اكتشف المعلومات بها، فقمنا بعمل التحريات التى وصلتنا إلى أن مكان مراسلة هذه الجوابات هو محل أنتيكات، ثم أخذنا هذه المادة واستكملنا التقصى عنها، حتى اكتشفنا علاقة هبة العاطفية بالنقيب فاروق الفقى، الذى اعترف عليها وتم القبض عليها.

وكيف سارت الإجراءات فى أواخر أيام الجاسوسة هبة سليم؟

كنا سنعانى كثيرا إذا لم نضبط الجاسوسة هبة سليم لأنها دمرت 70% من المعلومات العسكرية المصرية السرية للغاية، منها أنه كان هناك مجموعات استطلاع خلف خطوط العدو تمر كل شهر خلف منطقة المضايق عبر خليج السويس فكشفت الجاسوسة تلك المعلومات مما أدى إلى انتظار إسرائيل لهم عند النقطة التى يعبرون منها، فقمنا بالتحقيق معها خلال 71 يوما، وانتهى بها المطاف إلى إصدار حكم بحقها بالإعدام وطبعا تقدمت بالتماس لرئيس الجمهورية لتخفيف العقوبة لكنه رفض.

ما السر وراء اختيار إسرائيل لتاريخ 5 يونيو1967 لتوجيه الضربات على مصر؟

الحكاية بدأت من إغلاق خليج العقبة، فإسرائيل تعلن دائما وإلى الآن أن غلق خليج العقبة يعنى الحرب، ومصر أغلقت الخليج فى ذلك التوقيت وبالتالى بدأت إسرائيل فى توجيه ضربة عسكرية لمصر فى توقيتات مختلفة، وهذا هو المبرر الرئيسى لدى تل أبيب، وبالطبع هذا لا ينفى المؤامرة على مصر ورغبتهم فى استنزاف ثرواتها والسيطرة عليها، وهذه الرغبة كانت ولا زالت قائمة وكانت إسرائيل توجه ضربات، لذا يمكننا قول إن إغلاق مضيق خليج العقبة كان سببا فى اختيار إسرائيل لتوقيت 5 يونيو، ذكرى النكسة كما يقولون.

بعد وقوع نكسة 5 يونيو.. كيف استعدتم قواكم وأنشأتم قاعدة معلومات؟

كان لا بد من استعادة قوانا للرد على العدو الإسرائيلى فبدأنا بعد النكسة نتناقش عن نقاط قوة وضعف الجيشين، وبدأنا نفكر فى إنشاء قاعدة المعلومات، وبالطبع يرجع الفضل فى هذا إلى الوزير أمين هويدى، فقام الجيش المصرى بإعادة تنظيمها، وكذلك المخابرات العامة أيضا أعادت هيكلتها وتم التركيز على الجانب المعلوماتى وبدأت فى إعادة تشكيل الوحدات التى كانت تعمل على إسرائيل والدول العربية، ودراستها من جميع النواحى، وبالطبع لأن المخابرات العامة مسئولة عن تغطية العمق الإستراتيجى داخل إسرائيل، انتهزت فرصة رفع الحظر المعلوماتى الإسرائيلى عن معظم الوحدات بعد 1967.

فانتهزنا فرصة رفع الحظر المعلوماتى وجمعنا كل الكتب والمقالات التى كتبت عن حرب 1967، وجمعنا ما يقرب من 36 كتابا منهم 16 كتابا تتحدث عن العمليات العسكرية، وبدأنا فى بناء قاعدة المعلومات فى منتصف عام 1968، وخرجنا بعدة نتائج مثمرة أبرزها أن القوة الجوية الإسرائيلية هى النقطة القوية والقوة الضاربة لدى تل أبيب، والتى من شأنها تحقيق السيادة الجوية على كل الدول العربية، واكتشفنا أيضا أن سلاح المدرعات هو القوة الضاربة للقوات البرية، التى تحقق عمليات الاختراق بعيد المدى والالتفاف والتطوير، كما أن كل الدفاعات الإسرائيلية متحركة من الدبابات والمدافع الذاتية الحركة.

وما صلة حصار الجيش الثالث فى حرب أكتوبر بمفاوضات الكيلو 101؟

الجيش الثالث لم يكن محاصرا عسكريا ولكن كان محاصرا إداريا، وبعد الحصار بدأت المفاوضات بداية من الكيلو 101 وصولا إلى اتفاقية كامب ديفيد، واستردت مصر أرضها، وتلك المفاوضات هى عبارة عن محادثات عسكرية تجرى بين الطرفين المتنازعين، وكنا نحن وإسرائيل الطرفين وأشرفت على تلك النقاشات الولايات المتحدة الأمريكية.

عينت وكيلا للمخابرات العامة فى فترة ليست قصيرة.. فما الفرق بينها وبين المخابرات الحربية؟

الأعماق فى الحرب أو العموم تنقسم لثلاثة أشياء عمق إستراتيجى وتعبوى وتيكتيكى، فالمخابرات العامة هى المسئولة عن تغطية العمق الإستراتيجى لإسرائيل داخل حدودها، واجبها قومى وإستراتيجى داخل وخارج البلد مدنى وعسكرى، أما إدارة المخابرات الحربية والاستطلاع هى إحدى إدارات وزارة الدفاع المصرية، والتى تعرف اختصارا باسم المخابرات الحربية فواجبها النطاق التعبوى والتكتيكى، وتهتم بما يخص الجيش وتسليح العدو وإيصال المعلومات العسكرية وتمحيصها من أجل الاستفادة منها، فهى تختص بمتابعة القضايا المتصلة بالأمن القومى من الناحية العسكرية، ومتابعة وقراءة واستطلاع تحركات العدو وجمع المعلومات الخاصة بتشكيلاته القتالية واستعداداته فى حالة السلم والحرب.

ومسح الواقع الميدانى للعمليات العسكرية بما فيها المسح الجغرافى ومطابقتها مع الخرائط العسكرية التفصيلية وتقديم هذه المعلومات إلى القيادة العسكرية والسياسية لتقدير الموقف على الأرض، ولذلك يُعد عملها حاسما فى تقدير الموقف الإستراتيجى، تقوم الإدارة أيضاً بالتخطيط والتنسيق مع الشرطة العسكرية لضمان أمن المنشآت العسكرية والثكنات ومراقبة مستوى الأمن فى المنشآت العسكرية بما فى ذلك أمن الوثائق والأفراد والأسلحة، كما تستخدم مصادر المعلومات المتوفرة لمراقبة نشاطات العدو العسكرية، وتختص بالتأكد من حسن انضباط وولاء الضباط والأفراد، وتتعاون الإدارة مع أجهزة الاستخبارات الأخرى بالدولة لتبادل المعلومات وإنجاز المهمات بما يضمن تحقيق الأمن الوطنى.

وما الفرق بين المخابرات المصرية والأمريكية؟

المخابرات الأمريكية تعمل على مستوى العالم وهى المسئولة عن حماية الأمن القومى الأمريكى على مستوى العالم، لكن المخابرات العامة المصرية تركز على محيط الشرق الأوسط، مع الوضع فى الاعتبار من هو العدو الرئيسى فى المنطقة –إسرائيل.

مؤخرا استلم الجيش المصرى الفرقاطة الشبحية "بورسعيد" التى تم بناؤها بسواعد مصرية 100% بالتعاون مع شركة فرنسية.. فما أثر ذلك على القوات البحرية لدينا؟

بالنسبة لمصر فهى لديها أهداف بحرية كثيرة جدا، خاصة بمنطقة البحر الأبيض المتوسط، تلك المنطقة الاقتصادية المثمرة بالغاز الطبيعى، فنحن اليوم نحاول تعزيز أسطول الحماية البحرية والمنشآت والسواحل المصرية من أى تهديد معادى لجمهورية مصر العربية،

وكذلك على ساحل البحر الأحمر أيضا، ومنطقة خليج السويس من المتوقع أن تكون بها مؤشرات بترولية، لذا مسئولية القوات البحرية تأمينها، كما أن الفرقاطة من طراز جوويند قامت بها شـركة ترسانة الإسكندرية، وذلك فى إطار ما يشهده الجيش مؤخرا من طفرة تكنولوجية هائلة فى منظومات التسليح والكفاءة القتالية، وبناء هذه الفرقاطة تحدٍ حقيقى لقدرات رجال الترسانة، فهى نوع جديد من السفن القادرة على الأعمال القتالية، ومزودة بمنظومة رصد قتال متكاملة مضادة للسفن والطائرات والغواصات.

بالنسبة لإدارات الجيش المصرى وتعامله فى كذا مجال الهندسى والصحى والغذائى والحربى.

الجيش المصرى يعمل على تقوية البنية الأساسية للقوات المسلحة، ونجاحه يشهد له فى العديد من المجالات الهندسية والطبية والعسكرية والغذائية والخدمية، فنراها تشرف على إنشاء الكبارى التى سهلت على المصريين العديد من الطرق واختصرتها، وكذلك نرى إنجازاتها فى جميع المجالات.

برأيك ما مدى تأثير المصالحة الخليجية على العلاقة بين مصر وقطر؟

مصر اليوم تعانى من التدخلات القطرية فى شئونها الداخلية، بالإضافة إلى تمويلها للعناصر الإرهابية، والذين ينشرون الشائعات المغرضة، وتمويلها لحماس فى غزة، فكل ذلك يؤثر على الأمن القومى المصرى، لذا مصر انضمت إلى الرباعية الخليجية حتى تستطيع اتخاذ موقفا إيجابيا تجاه قطر للحد من تدخلاتها فى منطقة الشرق الأوسط خاصة فى مصر، وتعانى أيضا منطقة الخليج من التدخلات القطرية ولكن لنا موقفا خاصا بالنسبة لقطر، بعد تمويلها للإرهاب، فهى ذراع المخابرات الأمريكية فى الشرق الأوسط، وتحقق وتنفذ تعليمات وسياسة الولايات الأمريكية، لذا نحن متخذين موقفا منها، فقمنا بعمل مصالحة للحد من نشاط قطر المعادى، وشرطنا فى هذه المصالحة هى عدم تدخلها.

وهل مصالحة مصر مع قطر تعنى المصالحة مع الإخوان؟

موضوع مصالحة الإخوان ساقط من حسابات مصر، لأن نهج الإخوان يسير على الإسلام السياسى الذى لو كان تم لكانت منطقة الشرق الأوسط كلها ستسلم للأمريكان، وتبدأ إسرائيل فى استنزاف ثرواتنا، وكان سيتم إعادة تقسيم الشرق الأوسط من خلال جماعة الإخوان المسلمين، وهذا أمر خطير لأنه يمحى كل تلك الدول وسيادتها.

بعد اقتحام أنصار ترامب مقر الكونجراس هل سنشهد ثوارات ربيع أوروبى كما يقولون؟

أمريكا اليوم فى ظل الحزب الديموقراطى -الذى يمول مشروع الإسلام السياسى- يحاول توظيف ظروف للإشراق السياسى للحكم مما يؤدى إلى سقوط الدولة، لذا على أمريكا ترتيب أمورها حتى لا تسقط أو تنهار خاصة بعد اقتحام بعض الناس لمبنى الكونجرس.

هل تركيا ستكف عن تخريبها فى المنطقة وستسعى للمصالحة مع دولة الشرق الأوسط خاصة بعدما حاصرها الجفاف المائى والاقتصادى؟

تركيا كانت مشتركة مع جماعة الإخوان المسلمين الذين نرفض مبادئهم، فهى بالطبع تسعى لمصالحها وتحقيقها، ولا يمكن أن توسع نشاطها إلا من خلال إنشائها لأزمات عربية، لخلق فرص لتركيا فى التدخل فى شئون الدول العربية، ونظام السراج من سمح لإسطنبول بالتدخل فى شئونها، لذا نقول أن أزمات العالم العربى جميعها من صناعة أجنبية ترغب فى انهيار الوطن العربى، وتركيا اليوم أغلق عليها النشاط التركى الليبى، لذا تحاول إعادة علاقتها مع مصر ولكن علينا وضع شروط لها وتلتزم بحس الجوار وعدم العودة إلى ما كانت تفعله من دعم للإرهاب، ولكن حتى الآن لا توجد أى بوادر لمصر فى المصالحة مع تركيا.

وماذا يقصد أردوغان بإعلانه عن ضرورة ضم تركيا إلى الاتحاد الأوروبى خاصة بعد خروج بريطانيا منه؟

منذ عهد جمال أتاتورك كان هدف تركيا الانضمام للاتحاد الأوروبى، وعمل علمانية بالدولة التركية كان يؤهلها لذلك، وحاولوا كثيرا الانضمام للاتحاد ولكن الشروط كانت كثيرة على إسطنبول، فهو يريد أن يكون له ثقلا ووزنا فى المنطقة ويضع له اعتباره فى المنطقة.