الدكتور عادل عامر: سد النهضة تهديد وجودي لمصر
قال الدكتور عادل عامر إن "أزمة سد النهضة أصبحت تشكلتهديداً وجودياً لمصر وأن الشعب المصري قد يواجه عطشاً وجوعاً بشكل حقيقي، إن هناكأيضا وضع جديد على المستوى الأفريقي بحكم أن الرئاسة الكونغولية الجديدة للاتحادقد تساهم بشكل أكثر نجاعة في إيجاد حل ما بين الأطراف بالرغم من أن الاتحاد ليستله القوة الكافية
وأضاف: ولا الآليات الكافية لفرض أي حل في هذا المستوىمن النزاع لكن أعتقد إن إمكانيات الحوار بين الأطراف الثلاثة بإمكانها أن تؤدي إلىحل قد يتفق عليه الجميع، بالإضافة إلى مسألة مهمة وهي تراجع الحضور الصينيوالخليجي وخاصة الإمارات، وبالتالي أعتقد أن إثيوبيا الآن في موقف أكثر ضعفاً منالسابق ".
وتابع: المشكلة أن الخيارات السياسية أوالدبلوماسية المتاحة سواء لمصر أو للسودان قد استهلكت جميعاً، فهناك تعنت إثيوبيشديد للغاية وهناك مراوغة ورفض مطلق لأي اتفاق ملزم ولذلك يتصاعد الحديث عن الخيارالعسكري لمصر والسودان".
وأوضح أن الوضع بات بالفعل أكثر تعقيداوتشابكا، وكلما عرضنا على إثيوبيا مقترحا قامت برفضه، فمثلا وضعنا أمام الإثيوبيينعدة سيناريوهات لتفادي أي أضرار محتملة لسد النهضة، منها في حالة أن يكون السدالعالي وسد النهضة ممتلئين بالمياه، فماذا سيكون الوضع وكيف يمكن تشغيلهما سويا؟وماذا لو كان السدان ممتلئين وكان الفيضان عاليا وكبيرا فماذا نفعل؟ وما الكميةالمتاحة للتخزين والتصريف؟
إن مصر خلال العام الماضي قد تحركتبفاعلية ونشاط في إقليمي حوض النيل والبحر الأحمر على المستويين السياسي والعسكري،حيث أقدمت على خطوات للتعاون العسكري مع دول الطوق الإثيوبي، ومنها أوغندا أخيراً،طبقاً لما أعلنته القوات المسلحة الأوغندية، وهي الخطوة التي ستنعكس على جنوبالسودان في تقديرنا في مراحل مقبلة، في ضوء تحفظاتها النسبية راهناً على القيامبانحيازات واضحة بين أطراف أزمة سد النهضة، على الرغم من الزيارة التي قام بهاالرئيس عبد الفتاح السيسي إلى هناك، وطبيعة الدعم التنموي الذي تقدمه القاهرةلجوبا في هذه المرحلة، كما طورت مصر علاقاتها بالكونغو، وهي الدولة التي تملكعلاقات إيجابية بمصر تم التدليل عليها بعدم التوقيع على اتفاقية عنتيبي، التيرفضتها كل من مصر والسودان.
وفي إطار هذه التحركات أيضاً قامتقطاعات من الجيش المصري بزيارات لكل من جيبوتي وأرض الصومال، في محاولة للضغط علىالرئيس الصومالي عبدالله فرماجو الذي يتحالف مع أديس أبابا من ناحية، وتحجيمالنفوذ التركي ودخول ملعبه الصومالي من ناحية أخرى.
إن الجانب المصري افترض أيضا سيناريوفي حالة ما إذا كانت المياه في السدين متوسطة وكان موسم الفيضان متوسطا. "كماافترضنا سيناريو آخر وهو في حالة ما إذا كان السدان منخفضين في المياه وجاءالفيضان منخفضا فمن يحق له الملء والتخزين أولا، ومن يحق له الملء والتخزين بعدذلك؟ وكل هذا مع مراعاة حالة السدود السودانية أيضا"، أن إثيوبيا لم تجب عنكل تلك الأسئلة، ولذلك طلب الوفد المصري والسوداني بضرورة التنسيق والاتفاق أولاقبل الملء الثاني أو حتى تشغيل سد النهضة مستقبلا.
على أي حال على الرغم من التحركاتالإقليمية المصرية على المستوى العسكري خلال العام الماضي، فإن الاستراتيجيةالمصرية تسعى لتجنب المواجهة مع إثيوبيا قدر الطاقة، والاستمرار في عملياتالاحتواء السياسي لها، والتأكيد على فرص ذهبية في التعاون التنموي الشامل معهابالتوازي مع استخدام أوراق الردع في تحركاتها الإقليمية مهما ارتفعت تكلفتها، ولعلذلك التقدير الاستراتيجي هو ما يفسر طبيعة الخطاب السياسي من جانب الرئيس المصريعبد الفتاح السيسي الذي يبعد عن الاستعلاء ويؤكد علاقات الأخوة الأفريقية من ناحيةووضع إثيوبيا حتى الآن في مرتبة الشقيق من ناحية أخرى.
وفي تقديرنا، إن أسباب الركون لخطاباتالاحتواء السياسي من جانب مصر إزاء إثيوبيا حتى اللحظة الراهنة تعود إلى التكلفةالسياسية العالية لحرب على المياه في إقليم حوض النيل، وتأثيرها السلبي في دوله منناحية، وتداعيات مثل هذه الحرب السلبية على الذهنية السياسية والتاريخية لشعوبالنيل وهو ثمن تسعى مصر جاهدة ألا تدفعه في سبيل حماية حق الحياة للمصريين، وذكرهالرئيس السيسي حين تحدث عن تكلفة الحلول العسكرية.
السبب الثاني، أنه مهما كانت الموازينالعسكرية في صالح مصر ضد إثيوبيا فإن إمكانية دخول أطراف إقليمية هذه الحرب غيرمستبعد سواء بالدعم المالي أو العسكري، الأمر الذي يوسع من المواجهة ويجعلتطوراتها ربما رهناً لظروف قد تكون غير واضحة في اللحظة الراهنة، ولا تتحكم فيهاالقاهرة إجرائياً.
ثالثاً، ربما يكون التعويل على التدخلالدولي على الرغم من عدالة موقفي دولتي المصب مصر والسودان ودفاعهما المشروع عنالأمن الإنساني لشعوبهما تحت مظلة صفقات أو متباطئ، وهو ما يجعل مصر لا تعول عليهكثيراً، وتفضل التفاعل الإقليمي المباشر بين أطراف الأزمة، خصوصاً أن إدراكاتإدارة بايدن لطبيعة الأزمة وتفاصيلها تبدو متأخرة مقارنة مع نظيرتها الترمبية فيضوء طبيعة التضاغط الذي جري بين الإدارتين على خلفية مجريات الانتخابات الأميركية.
وعلى الرغم من هذه الحسابات المصرية،التي تقدر التوازنات الحرجة للتدخل الدولي فإن وزير الخارجية الروسي ألكسندرلافروف، من المنتظر أن يحضر إلى القاهرة خلال أيام بشأن سد النهضة، وهو ما شكلنوعاً من أنواع التحريض على تحرك أميركي في ذات الملف، تم الإعلان عنه مباشرة معالإعلان عن فشل مباحثات كينشاسا في الكونغو، حيث من المتوقع أن يصل إلى المنطقةوفد أميركي في محاولة لتطويق تصاعد التوتر الذي جرى في ملف سد النهضة والوصول إلىضوء نهاية النفق.
مشروع سد النهضة يتداخل فيه العاملالسياسي مع الجانب الاقتصادي، فالمشروع في غايته المتكاملة اقتصادي وسياسي وحضاري.ففيما يتعلق بالجانب السياسي فهو ذو أبعاد دولية ضمن الدور الإقليمي لإثيوبياالمرتبط بمصالح أميركية - غربية.
وضمن هذه الحيثية ترى بعض الأوساط أنتغيراً "جيواستراتيجي" يرتبط بالمشروع في التحول الذي تنشده إثيوبيا مندولة فقيرة إلى دولة متوسطة، وهو تخطيط بقدر ما يتبناه الطموح الإثيوبي تساعد علىتحقيقه أطراف دولية ضمن مصالح وترتيبات ومتغيرات تهتم بمنطقة القرن الأفريقي فيبعدها السياسي الذي يوظف مستقبلاً لأدوار حيوية.
أما الجانب الاقتصادي، فهو ما تصرح بهالقيادة الإثيوبية كون غاية سد النهضة توليد الطاقة الكهربائية لتنمية مجتمعاتهاالريفية، حيث ظلت إثيوبيا من أكثر الدول التي عكست مأسي القرن الأفريقي في فقرهومجاعاته، ومن ثم فإن أهم الغايات لمشروع سد النهضة وفق الرؤية الإثيوبيةالمطروحة، تحقيق نهضة اقتصادية لطي حقب الفقر والمجاعات التي عانتها إثيوبيا علىمدار العديد من الأعوام.
وارتباط المشروع باسم النهضة له دلالته:
- يمثل إنتاج الطاقة هدفاً أساسياً لسدالنهضة، وتبلغ الطاقة الكهرومائية المتوقع إنتاجها من السد بـ6 آلاف ميغاوات، وهيتمثل ثلاثة أضعاف الطاقة الإثيوبية المنتجة حالياً. ومن أهم الخطط التنموية تغطيةالأرياف الإثيوبية بالطاقة، وإدخال العديد من مناطق إثيوبيا إلى دائرة المدنية،ومن ثم مضاعفة إنتاجها سواء من الناتج الزراعي الذي يحتاج إلى الطاقة في عملياتالري في بعض المناطق المروية كالإقليم العفري في إنتاج الحبوب وبخاصة القمح الذينجح الإقليم في إنتاجه بكميات كبيرة، كما تفعيل الطاقة المتوفرة في الأعمالوالاستخدامات التنموية الأخرى، مما يدفع بعجلة الإنتاج.
وتشير الحكومة الإثيوبية ضمنإحصائياتها أن ما يقدر بـ65 مليون مواطن إثيوبي يعيشون من دون كهرباء. فما يحققهسد النهضة لتلك المجتمعات ربطها بعجلة التنمية، والنهوض بها من خلال ما يوفره سدالنهضة من طاقة رخيصة التكلفة.
-يضاف إلى ذلك ما تنشده إثيوبيا من عائدات تصدير الطاقة إلى دول الجوار، والذيبدأته فعلياً مع دول كجيبوتي والسودان وكينيا.
- توفير المياه في إقليم السد (بنيشنقول)، والذي تعاني فيه بعض المناطق من العطش، إلى جانب استفادة الإقليم منالمياه المتوفرة على مدار العام في استخدامات المشاريع الزراعية التي بدأ التجهيزلها خلال الأعوام السابقة. ورغم أن تلك المشاريع التي وزعت فيها الحكومة الإثيوبيةحيازات متوسطة لأبناء الإقليم، وغيرهم من المستثمرين الإثيوبيين، فإن مصادراقتصادية تتوقع نهضة زراعية بالإقليم الذي تتميز أراضيه بالخصوبة والإنتاجيةالعالية للعديد من المحاصيل بخاصة الأنواع المختلفة من الذرة، والحبوب الزيتية إلىجانب الفاكهة والخضروات.
إلى جانب المنافع الإثيوبية فيما يحققهسد النهضة من تحول ونهضة اقتصادية حضارية، يتوقع أيضاً أن يكون من ضمن الفوائدأبعاد إقليمية في تبني مشاريع كبرى لإقليم السد الجامع بين البلدان الثلاثةإثيوبيا والسودان ومصر من خلال مشاريع تكاملية توظف فيها المكاسب الجغرافيةوالقدرات.