أمريكا تدفع بورقة جديدة في أزمة سد النهضة
حذرت الإدارة الأمريكية مصر والسودان واثيوبيا من تصاعد الأحداث في منطقة القرن الإفريقي التي تمر بنقطة انعطاف خطيرة، بصورة تجعل للقرارات التي ستتّخذ خلال الأسابيع المقبلة تداعيات كبيرة على شعوب المنطقة وعلى المصالح الأميركية، مؤكدة التزام الولايات المتحدة بمعالجة الأزمات الإقليمية المترابطة ودعم القرن الإفريقي ليكون منطقة مزدهرة ومستقرّة.
وأكدت الخارجية الأمريكية عودة المبعوث الأمريكي "جيفري فيلتمان" للمنطقة خلال وقت قصير لمواصلة الجهود الدبلوماسية المكثفة، التي بدأها نيابة عن الرئيس الأمريكي "جو بايدن" ووزير الخارجية "أنتوني بلينكن"،وحددت "إعلان المبادئ الموقع عام 2015"، و"بيان يوليو 2020 الصادر عن مكتب الاتحاد الإفريقي"، كأساس لهذه المفاوضات، مع التزامها بتقديم الدعم السياسي والفني من أجل نجاح المفاوضات.
من جانبه حذر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال لقائه برئيس المجلس الرئاسي السوداني الفريق عبد الفتاح البرهان بباريس، هذا الأسبوع من المساس بحصة مصر في مياه النيل، واصفا الأمر بأنه "خط أحمر"، ولوح السيسي باللجوء إلى القوة، قائلاً: "نحن لا نهدد أحداً ولكن لا يستطيع أحد أخذ نقطة مياه من مصر (...) وإلا ستشهد المنطقة حالة من عدم الاستقرار لا يتخيلها أحد"، موضحا أنه "لا يتصور أحد أنه بعيد عن قدرتنا العسكرية".
وأكد الفريق عبد الفتاح البرهان، أن الخرطوم تريد حلا توافقيا وتفاوضيا مبنيا على حفظ الحقوق بخصوص أزمة سد النهضة، لافتا الي أن السودان ظل لسنين طويلة يمر بتجارب مريرة ليست بها التزامات من الأطراف الأخرى، ولابد من وجود اتفاق ملزم مع الجانب الاثيوبي.
وأكد البرهان أن السودان ومصر تربطهما علاقات أزلية وقديمة، "لكن في هذا الموضوع لدينا مصالح مشتركة متشابهة، والطرفان يسعيان لوجود اتفاق ملزم وقانوني، لأن هذا الحق ليس حقنا، بل هو حق الأجيال القادمة"،لذلك يجب أن تكون هناك اتفاقية تحفظ للأجيال الجديدة حقهم في مستقبل استخداماتهم واحتياجاتهم للمياه
وأكد اللواء سامح أبو هشيمه المحاضر باكاديمية ناصر العسكرية، استحالة فصل الأحداث الاقليمية والعالمية عن بعضها، وأن ما يدور حول سد النهضة ليس بعيدا عن الحرب الاقتصادية بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين، ومنافستها للاتحاد الأوربي و الهجوم العسكري الاسرائيلي علي قطاع غزة.
أوضح لـ الزمان" أن الصراعات القبلية بين اقليم الأورمو الذي يضم الطبقة الاثيوبية المثقفة، مع اقليم الأمهرا،واقليم التيجراي، وصراعات هذه الاقاليم مع الحكومة المركزية، والتدخل الاريتري المباشر في الصراع لصالح أبي أحمد رئيس الوزراء الاثيوبي، ستدفع الولايات المتحدة الامريكية لايجاد حل سريع للأزمة،قبل اشتعال الاقليم.
اشار اللواء أبو هشيمة الي الصراع بين امريكا والصين علي الموارد الطبيعية في شرق افريقيا، في ظل رفض الصين الاعتراف بالهيمنة الامريكية علي العالم وقيامها بالسيطرة علي "تيوان"، وبحر الصين حتي تصبح مياهه مياها اقليمية، ومحاولة فرض سيطرتها الاقتصادية علي شرق افريقيا.
لفت الخبير الاستراتيجي الي تصريحات الرئيس الصيني "شي جين بينغ"،بان بلاده تنمي القدرات الاقتصادية للدول الأفريقية، عكس السياسة الأمريكية التي تأخذ ولا تعطي، مؤكدا أن امريكا ستسعي لمنع انفجار الموقف في افريقيا لوقف التمدد الصيني المنافس الشرس لها في هذه البلاد.
وأكد اللواء ابو هشيمة ان انفجارالموقف في شرق افريقيا، سيمتد اثره حتما لمنطقة وسط افريقيا وهي منطقة صراع اقتصادي بين كلا من فرنسا والمانيا وهولندامع امريكا، في ظل ارتباط دول الاتحاد الأوربي اقتصاديا بمستعمراتها السابقة في أفريقيا باعتبارها مصدرا اساسيا للمواد الخام، فضلا عن استدانة معظم هذه الدول مليارات الدولارات من أوربا ، ولابد من الحفاظ علي مقدراتها لضمان سداد تلك الديون.
وقال اللواء ابو هشيمة ان الادارة الأمريكية الجديدة تواجه اتهاما مباشرا من الحزب الجمهوري المنافس بعدم قدرتها علي مواجهة الصراعات الدولية، في ظل اقتراب موعد الملئ الثاني لسد النهضة، ورفض مصر اي مبادرات سياسية قبل صدور قرار اثيوبي واضح بعدم الملئ الثاني الا بعد اخذ موافقة دولتي المصب مصر والسودان.
وحول أهمية التقارب المصري التركي في ذلك التوقيت، أكد الخبير الاستراتيجي انه يصب في صالح كلا البلدين، حيث يؤمن الحدود الغربية لمصر في ظل وجود عناصر من الجهاديين التابعين للحكومة التركية علي الأراضي الليبية، بصورة تهدد الأمن القومي المصري، ولابد من تامينهم كي تتفرغ لاي سيناريوهات متوقعة في ازمة سد النهضة.
أضاف المحاضر باكاديمية ناصر العسكرية ان التقارب يخدم ايضا تركيا التي تواجه نوعا من تنمر الدول الاوربية، وبخاصة ايطاليا وفرنسا والمانيا الذين اصبحت لهم مصالح اقتصادية مباشرة داخل ليبيا في قطاع الاتصالات والطاقة، بصورة جعلتهم حريصون علي سرعة استعادة الاستقرار السياسي في ليبيا، وهو ما سوف يمتد اثره علي كل دول شمال افريقيا تونس والجزائر والمغرب.
وعن تاثر قضية سد النهضة بما يدور بين الاسرائيليين والفلسطينين، اوضح اللواء ابوهشيمة، ان امريكا اعلنت لأول مرة عن ضرورة اقامة دولتين، "الأولي اسرائيلية والأخري فلسطينية" ولكن وفقا لشروط اسرائيل التي تقوم علي استكمال صفقة القرن بنقل نسبة من سكان غزة الي جزء من ارض سيناء،حتي يحدث استقرارا اجتماعيا في المنطقة، ويضمن لها عدم تكرار تصاعد الاعمال العسكرية ضدها.
توقع الخبير الاستراتيجي الا تسمح امريكا بخروج الامور عن السيطرة، غير ان وقف التصرفات الغشيمة للاسرائيليين ضد الفلسطينين مرتبط، بالضغط الشعبي في الشارع العربي، علي المصالح الأمريكية، بما في ذلك الدول التي اقامت تطبيعا معها مؤخرا دون مبرر.
لفت اللواء ابو هشيمة الي وجود حملة خبيثة علي مواقع التواصل الاجتماعي للوقيعة بين الفلسطينين والشعوب العربية، لقتل التضامن العربي معهم،علما بان اسرائيل تخشي المواجهة البرية علي الأرض مع قوات حماس لانها لن تتحمل الخسائر البشرية التي ستنجم عنها لذلك تركز علي الضربات الجوية.
واتفق الدكتور عبد الله هدايه استاذ السياسة والقانون الدولي بجامعة بورسعيد، مع اللواء ابو هشيمة في ان تعثر المفاوضات بين مصروالسودان واثيوبيا، قد ينتهي الي تنفيذ صفقة القرن بتهجير سكان غزة الي شمال سيناء، وهو مخطط قديم طالما سعت اليه امريكا واسرائيل.
اكد خبير السياسة الدولية ان فتح العديد من الجبهات علي مصر من شانه ارباك الجيش المصري وزيادة حجم الضغوط علي متخذ القرار السياسي،لاجبارة علي قبول الامرالواقع ،بالسماح لاسرائيل بالحصول علي حصة من مياه النيل عبر ترعة السلام بسيناء،لافتا لي محاولة اسرائيل تدمير البنية التحتية لحركة حماس ولن يتم وقف اطلاق النار الا بعد فرض شروطها بتدمير سلاح حماس.
طالب الدكتور هداية بالا تنسينا حرب غزة ازمة سد النهضة، لافتا الي الفلسفة الفرنسية في الحروب التي تقوم علي "مبدأ اذا اردت تغيير فكر الناس فافتح لهم معارك جديدة ، حتي ينشغلوا بها كي يقبلوا بعد ذلك بما تفرضه عليهم"،وهو هدف واضح من اختيار توقيت شن الهجمات علي الفلسطينين، قبل موعد الملئ الثاني بخمسة واربعون يوما.
وقال استاذ العلاقات الدولية ان اسرائيل قامت بتدمير برج القاهرة، وبرج خان يونس بقطاع غزة في محاولة منها لتدمير البنية الاساسية للقطاع ولحركة حماس، اما تهجير العرب من حي الشيخ جراح الذي بدات بسببه المواجهات فليس لهم الحق فيه لان القانون الدولي يعترف بملكية واضعي اليد للأرض بعد مرورعشرين سنة، ولكنها محاولة لتنفيذ صفقة القرن بحل الدولتين ، والضغط علي مصر للقبول بنقل الفلسطينين لاراضيها.
حذر استاذ القانون الدولي من احتمالات سعي اثيوبيا لبيع المياه لمصر، بايعاز من اسرائيل، المحرك الرئيسي للمشكلة، والتي كانت وراء وصول أبيي احمد الي رئاسة وزراء اثيوبيا، وحصوله علي جائزة نوبل للسلام كي يحقق لهم ما يريدون، من خلق أزمة مع مصر قد تجبرها علي القبول بالأمر الواقع.