خبير سياسي
أمريكا لعبت دورا حاسما في هزيمة 67 .. وطالبت العرب بخمس مطالب بعد الحرب
أمريكا وافقت علي وقف اطلاق النار في المكان الذي تقف فيه القوات ولم توافق على انسحابها
قال الدكتور جمال شقره رئيس لجنة التاريخ بالمجلس الأعلى للآثار، ان كثيرا من الذين كتبوا عن حرب أكتوبر أغفلوا التحديات العالمية التي واجهت الدبلوماسية المصرية قبل الحرب، فقد فرض النظام العالمي قيودا علي مصر لمنعها من خوض الحرب، ولم يكن خط بارليف وحدة او براميل النابالم او التفوق العسكري الاسرائيلي هو التحدي الوحيد امام المصريين لعبور قناة السويس.
أوضح لـ الزمان" ان الحرب قامت في زمن الوفاق بين القوتين العظمتين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الامريكية، ومعروف ان مصر زمن الرئيس جمال عبد الناصر وحتي نصر اكتوبر 73 كانت تستفيد من الحرب البارده بين القطبين الكبيرين، الذين سعوا الي جلوس مصر مع اسرائيل للتفاوض وهي مهزومة وهو ما رفضته مصر.
اكد المؤرخ جمال شقره ان مصر خاضت الحرب متحدية النظام العالمي، فرفضت روسيا مدها بالسلاح اللازم لذلك دخلت الحرب بأسلحة اقل من التسليح الأمريكي لإسرائيل اعتمادا علي قوة ارادة المصريين وشجاعة الجندي المصري الذي انتظر لحظة العبور ستة سنوت.
لفت الدكتور جمال شقره الي ان العلاقات المصرية الأمريكية قد شهدت تطورا ايجابيا في عهد الرئيس جون كينيدي الذي اظهر قدرا من الاعتدال فاتجهت السياسة الأمريكية نحو التفكير في تسوية سلمية للصراع العربي الإسرائيلي ، وعملت علي تخفيف حدة التوتر مع مصر، غير أنه بعد مقتل الرئيس جون كينيدي وتولي نائبه بن جونسون الرئاسة عادت العلاقات مرة أخرى للتدهور، وتدهورت بشدة بعد تدخل مصر في اليمن وانحياز أمريكا لإسرائيل.
أوضح المؤرخ جمال شقره أن الوثائق التاريخية حول فترة حكمه قد حسمت مسالة ضلوع ادارته في مؤامرة حرب يونيو 67 بمساندتها اسرائيل قبيل الحرب وبعدها، حيث اصرت ادارته علي التخلص من الرئيس جمال عبد الناصر اما باغتياله او بهزيمته علي يد اصغر دولة في المنطقة وهي اسرائيل فتم اطلاق حرية العمل لها داخل الاراضي العربية ضمانا لأمنها، وكذلك مساومة الاتحاد السوفيتي اثناء مباحثات سباق التسلح باستخدام ورقة مرتفعات الجولان السورية كورقة ضغط مؤثرة.
وقال الخبير السياسي ان الموقف الامريكي من العدوان الاسرائيلي عام 67 قام علي ضمان عدم تدخل الاتحاد السوفيتي في مجريات الحرب ومحاولة الابقاء عليها في اطارها الاقليمي، وضمان تجنب الدخول في مواجهة مباشرة مع الاتحاد السوفيتي من خلال التأكيد دعائيا ودبلوماسيا علي عدم التدخل الامريكي المباشر ،الي جانب محاولة الابقاء علي حجم التهديد الاسرائيلي للدول العربية داخل الاطار الذي يمكن ان يقبله الاتحاد السوفيتي.
واشار الدكتور شقره الي تلويح امريكا باستخدام عنصر الردع كنوع من التغطية علي عمليات التراجع بمعني ان يتم التراجع من منطلق القوة، ومحاولة تامين اكبر قدر ممكن من المكاسب التي حققتها اسرائيل خلال العمليات الحربية عام 67، عن طريق التلكؤ في استصدار قرار وقف اطلاق النار.
اكد الخبير الاستراتيجي ان امريكيا دعمت اسرائيل سياسيا مثلما دعمتها بالسلاح حيث اصرت ادارة الرئيس جونسون علي ان يتم وقف اطلاق النار في المكان الذي تقف فيه القوات ولم توافق علي انسحابها الي خطوط ما قبل اندلاع الحرب.
أكد الخبير الاستراتيجي ان امريكا حددت اهدافها بعد الحرب في خمسة نقاط هي انهاء حالة الحرب في الشرق الاوسط ، واعتراف العرب بإسرائيل ،ودخول العرب في مفاوضات مباشرة مع اسرائيل، وحق اسرائيل في الاستخدام الحر لقناة السويس والمضايق، وابعاد النفوذ السوفيتي عن منطقة الشرق الاوسط، ومع ذلك لم تتعجل في طرح افكارها حول التسوية الشاملة لمشكلة الشرق الاوسط .
واشار الدكتور شقره الي اعتقاد الرئيس الامريكي بان الوقت في صالح اسرائيل فضلا عن انشغاله في حرب فيتنام، بصورة اعاقته عن التفرغ لقضية الشرق الاوسط، اضافة الي ضعف النفوذ الامريكي في دول المواجهة مع اسرائيل، في الوقت الذي اعتقدت فيه اسرائيل ان هزيمة 67 قد قضت تماما علي العرب ولم يعد امامهم سوي الاستسلام، لذلك ضربت بعرض الحائط قرارا مجلس الامن 242 الصادر عن مجلس الأمن في نوفمبر 1967، والذي كان من الممكن ان يحقق تسوية مقبولة كما عرقلت اي مشروعات اخري للتسوية.
لفت الدكتور شقره الي ان التحيز الأمريكي لإسرائيل بعد حرب 67 اصبح مكشوفا ولم يعد مستترا مثلما كان قبل الحرب، كما تنكرت ادارة جونسون للوعود التي قطعتها علي نفسها قبل الحرب، فقد كانت قد تعهدت بتأييد الاستقلال السياسي لجميع دول المنطقة، وادانة اي طرف يبدا بالعدوان، فلما تأكدت من انتصار حليفتها اعلن وزير خارجيتها "دين رسك" بانه لا يعرف علي وجه التأكيد من بدأ الحرب ورفضت مشروعا يطالب اسرائيل بالانسحاب من الاراضي العربية التي احتلتها.
اشار المؤرخ جمال شقره الي أن وثائق الأمن القومي الامريكي قد كشفت عن اجتماع اللجنة الخاصة بمتابعة ازمة الشرق الاوسط بعد ظهر 14 يونيو 1967 قررت خلاله تعويض اسرائيل عما خسرته من الاسلحة في الحرب، فأرسلت لها 62 طائرة كبديل عن الطائرات التي خسرتها في الحرب، وقررت مساومة الدول العربية علي توقيع اتفاقية سلام مقابل عودة الاراضي مع حق اسرائيل في الاحتفاظ باي ارض تضمن امنها.
اوضح الدكتور شقره الي انه لم يكن امام مصر سوي الدخول في حرب استنزاف مع اسرائيل كبدت خلالها اسرائيل خسائر فادحة في الارواح والمعدات، فاتجهت اسرائيل لضرب المدن في مصر وسوريا، مما اضطر امريكا الي طرح المبادرة التي سميت باسم وزير خارجيتها "روجرز"، وذلك يوم 5يونيو 1970، بهدف ايقاف اول حرب اليكترونية في الشرق الاوسط، ودعوة الاطراف المعنية للدخول في مفاوضات يشرف عليها السفير "جونار يارنج" من اجل تنفيذ قرار مجلس الامن رقم 242.
لفت الدكتور شقره الي ان المبادرة فشلت نتيجة التعنت الاسرائيلي، كما ان الرئيس جمال عبد الناصر لم يكن جادا في قبولها ، بل كان يهدف الي بناء حائط الصواريخ اللازم لحماية المصريين من طلعات طائرات الفانتوم الامريكية، كما فشلت المباحثات السرية في اعادة دفء العلاقات بين مصر وامريكا او التوصل الي مبادئ تسوية سلمية تقر بانسحاب اسرائيل من كافة الاراضي العربية التي احتلت عام 67، ليموت عبد الناصر في 28 من سبتمبر عام 1970 بعدما وضع الخطوط العريضة للحرب القادمة مع اسرائيل.
ويتحرك الجيش المصري البطل ضاربا بعرض الحائط النظام العالمي وبإمكانيات تسليح اقل من تسليح الخصم ،لذلك كان البطل الحقيقي هو الجندي المصري الذي صمم علي هزيمة العدو وتحدي طائراته ودباباته وحقق العبور الذي اذهل جميع المراقبين العسكريين .