”طواحين المؤامرات” تزلزل السودان
أدت الأزمة السياسية المتفاقمة الناتجة عن الإجراءات الأخيرة التى اتّخذها الفريق أول عبدالفتاح البرهان القائد العام للقوات المسلحة السودانية بإعلان حالة الطوارئ وحل مجلسى السيادة والوزراء وتعليق عدة مواد من الوثيقة الدستورية، واعتقال عدد من وزراء الحكومة والقيادات السياسية، إلى اشتعال الغضب فى الشارع السودانى وصلت إلى حد الدعوة للإضراب والعصيان المدنى من قبل نقابات واتحادات مهنية عديدة مناهضة لتلك القرارات التى اعتبرتها انقلابا عسكريا على الحكومة المدنية.
وقال الدكتور جمال شقرة رئيس لجنة التاريخ بالمجلس الأعلى للثقافة، إن المتابع للأوضاع السودانية يجد أن هناك نشاطا ملحوظا لقوى الثورة المضادة منذ الإطاحة بنظام الرئيس عمر البشير، فى بلد يعانى من ارتباك فى الوضع نتيجة التعددية السياسية المعقدة.
أوضح لـ"الزمان" أن هناك خلايا نائمة موالية لجماعة الإخوان المسلمين، والرئيس المخلوع عمر البشير نشطت تحت الأرض ولعبت دورا سلبيا فى الوقيعة بين الجيش ورموز القوى المدنية، حيث رفع بعضها شهار "الجيش تجاوز حدوده ويريد أن يجمع السلطتين المدنية والعسكرية فى يديه، بالتوازى مع اتهامها للأحزاب السياسية بأنها تريد جمع احتكار السلطة بين يديها.
أضاف الدكتور جمال شقرة بأن هذه الجماعات أثارت قضايا تهدد كيان الدولة بالانهيار، حيث وجهت اتهامات مباشرة لبعض قادة الجيش بارتكاب جرائم حرب ضد المدنيين خلال أزمة دارفور عام 2003 وهو أمر خطير لأنه سيتتبعه محاكمة بعض من قادة الجيش، كما هاجمت قوات الدعم السريع بقيادة الفريق حميدتو نائب رئيس مجلس السيادة وهى قوات شبه عسكرية وهو ما رفضه الجيش.
أشار الخبير السياسى إلى انتشار شائعات حول مسالة قتل الجيش للمتظاهرين الذين خرجوا للمطالبة بالديمقراطية وسقوط حكم البشير نهاية فى ديسمبر 2018 والتى استمرت حتى خلع البشير فى أبريل 2019، وهو الاتهام الذى واكبه مطالب بالرقابة على الجيش، بالإضافة إلى حالة التدهور الاقتصادى الشديد التى تعيشها البلاد بعد أن تفاقمت أزمة الخبز والوقود.
لفت رئيس لجنة التاريخ بالمجلس الأعلى للثقافة إلى تصاعد الاحتجاجات الشعبية ضد إجراءات الإصلاح الاقتصادى التى اتخذتها حكومة عبد الله حمدوك، والتى قيل إن الحكومة تنفذ فيها مطالب صندوق النقد الدولى، دون مراعاة حالة الفقر التى تعانى منها البلاد مما زاد من مستوى الفقر بين فئات الشعب السودانى.
وأضاف الدكتور جمال شقرة أن السودان يعانى من تداعيات اضطراب الأوضاع السياسية فى دول الجوار خاصة إثيوبيا التى نتج عن الصراع بين الحكومة المركزية ومقاتلى إقليم التيجراى نزوح مئات الآلاف من اللاجئين إلى السودان فكان لا بد للجيش من التحرك فى ظل هذه المتغيرات.
أوضح الخبير السياسى أن الجيوش عادة ما تتحرك فى دول العالم الثالث عندما يتهدد كيان الدولة نفسه للتصدع بصورة يجعل منها دولة فاشلة، قابلة للتلاشى مثلما حدث من قبل مع الإمبراطورية العثمانية التى تلاشت تماما من على الخريطة ولم يعد لها وجود.
فى سياق متصل لفت الدكتور أحمد محمد حسين أستاذ التاريخ الحديث بجامعة القاهرة، إلى أن قوى الحرية والتغيير التى قامت بالثورة ضد نظام عمر البشير تكونت من 84 حزبا تفرقت بعد نجاح الثورة، وانشق منها 20 حزبا كونوا جبهة الإصلاح التى أعلنت تأييدها للبرهان، لأنهم لم يستفيدوا من المخصصات السياسية بشىء.
أكد الخبير الاستراتيجى وجود شارع آخر مناهض لقوى الحرية والتغيير لم يأخذ حظه اعلاميا، وإن كان له تواجد فعلى فى الشارع السياسى مساند للجيش، لا سيما وإن البرهان لم يعلن قيامه بانقلاب كامل وإنما علق عدة مواد من الدستور بينما ظلت باقى بنود الوثيقة الدستورية كما هى، والأهم أنه أبقى مكاسب الحركات المسلحة التى وقعت على اتفاق سلام مع الحكومة كما هى.
أشار الدكتور أحمد إلى أن رئيس الوزراء عبدالله حمدوك لم يكن منتميا لأى حزب سياسى بل كان رافضا لوجود تخصيص مقاعد بعينها لبعض الأحزاب السياسية، بل كان يبحث عن شخصيات مستقلة تماما ولكنه وافق على تشكيلة الحكومة مع الضغط عليه.
أكد الخبير الاستراتيجى أن الشارع السياسى غير قادر على الإمساك بدفة الأمور السياسية المعلقة فلا زال السودان يعيش بدون مجلس تشريعى وبدون مجلس للقبائل وبدون نيابة عامة ولم يتم تعيين ولاة أقاليم ووكلائهم حتى الآن فكان لا بد لأحد أطراف المنظومة السياسية أن يأخذ بزمام المبادرة لرأب الصدع الذى يضرب الشارع السياسى وهذا ما فعله الجيش.
أشار الدكتور أحمد إلى اتفاق الثوار عام 2019 على أن يحكم البلاد مجلس سيادى، نصفه من العسكريين والنصف الآخر من المدنيين، على أن يتولى المجلس العسكرى رئاسة المجلس السيادى 21 شهرا فيما يتولى المكون المدنى الحكم 19 شهرا وقد انتهت بالفعل فترة العسكريين فاعتقد البعض أنهم يرفضون تسليم السلطة للمدنيين ولكن عدم الاستقرار السياسى واستشعار الجيش بأن الفوضى ستعم البلاد بصورة قد تؤدى إلى قيام حرب أهلية اضطرته إلى اتخاذ هذه الخطوة.
وقال الخبير الاستراتيجى إن الجيش أعلن عن عدم رغبته فى السلطة، ووضع خريطة انتقالية تتضمن تشكيل حكومة مدنية من المستقلين وقد يكون عبدالله حمدوك هو رئيس الحكومة الجديدة، على أن يصبح رأى المجلس السيادى مجرد رأى استشارى حماية للدولة من السقوط.