وتيرة الانقسام تحبط تمرد «أبي أحمد»
تصاعدت حدة القتال شمال إثيوبيا بين ثوار إقليم التيجراى الذين تحالفوا مع مقاتلى جيش تحرير أورومو، وأعلنت المجموعتان زحفهم نحو العاصمة أديس أبابا، بعد الإعلان عن سيطرتهم على منطقة كيميسى على بعد 325 كيلومترا شمال العاصمة أديس أبابا،، فيما دعا رئيس الوزراء آبى أحد المواطنين إلى التضحية من أجل إنقاذ إثيوبيا قائلا لدينا حلفاء أكثر من الذين انقلبوا علينا.
من جانب آخر قامت 9 مجموعات عرقية بالتوقيع على اتفاق لإنشاء تحالف جديد مناهض لحكومة آبى أحمد يهدف إلى فترة انتقال سياسى بعد عام من الحرب المدمرة وذلك بحسب وكالة أسوشيتدبرس الأمريكى، فيما أعرب مجلس الأمن الدولى عن قلقه من تفاقم القتال فى إثيوبيا، داعيا الأطراف إلى البدء فى مفاوضات من أجل تثبيت الاستقرار، وبدء محادثات من أجل وقف دائم لإطلاق النار، و"الكف عن خطاب الكراهية والتحريض على العنف والانقسامات".
وقال الدكتور أشرف مؤنس مدير مركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة عين شمس، لا يجب توقع السقوط السريع لـ آبى أحمد إلا إذا تعرض للإزاحة بواسطة قوات جيشه الذى لا يزال فى مجمله داعما له، كما أنه لا يجب المغالاة فى تقدير أهمية التحالفات بين العرقيات المناهضة له والتى انضمت إلى الجبهة الشعبية لتحرير التيجراى ولجيش تحرير الأروم.
أضاف لـ"الزمان" يجب عدم تفسير إقدام الولايات المتحدة الأمريكية على ترحيل رعاياها من إثيوبيا على أنها رسالة تحمل فى طياتها رغبة أمريكية صريحه للتخلص من رئيس الوزراء الإثيوبى، إذ لم يصدر من أى من المسئولين الأمريكيين تصريحات على غرار تلك التى صدرت بشأن بشار الأسد فى سوريا.
أوضح الخبير الاستراتيجى أنه حتى بافتراض التخلص من آبى أحمد، فإن ذلك لن ينهى المأساة التى تشهدها إثيوبيا بل إنها قد تفتح المجال أمام مصادمات ومذابح لا يمكن التنبؤ بمختلف أبعادها السياسية والإنسانية وانعكاساتها على تماسك الدولة وعلى مجمل الأوضاع فى القرن الأفريقى خاصة إريتريا التى لن تقف موقف المتفرج أو الصومال تلك الأرض الخصبة للأصولية والإرهاب والتطرف.
أكد الدكتور مؤنس أنه على الرغم من أن تركيز القوى الغربية ينصب على محاوله التوصل إلى وقف فورى لإطلاق النار "وهو ما ترفضه الأطراف المتصارعة"، مع رفض الزحف نحو أديس أبابا أو قبول تفكك الدولة الإثيوبية، إلا أن الغرب تأخر جدا فى التعامل مع تطورات الأوضاع فى إثيوبيا والتى تفجرت منذ عام كامل، منذ بداية عهد إداره الرئيس الأمريكى جون بايدن وتشتت بوصلة تركيزها وتخبط تحديد أولوياتها مع غياب دور حقيقى للاتحاد الأوروبى.
أشار الخبير السياسى إلى عدم وجود سياسة خارجية موحدة للاتحاد الأوروبى وهناك تردد فى توجيه الإدانة الصريحة لآبى أحمد أو فرض عقوبات مؤثرة على نظامه، مما أوصل الأمور إلى ما هى عليه الآن، لافتا إلى أن الغرب ليس لديه الآن أدوات للضغط يمكن أن تطفئ الحرائق المشتعلة أو حتى الخبرات الكافية التى تؤهله للتعامل مع التطورات المحتملة لمجمل الأوضاع فى إثيوبيا بمختلف تداعياتها.
أكد الدكتور مؤنس أن التطورات المتلاحقة التى تشهدها إثيوبيا والسودان تجعل استئناف المفاوضات حول سد النهضة قضية مؤجلة فى ظل الظروف الراهنة والتى يمكن أن تشهد تغيرا فى هوية القوات التى تسيطر على منطقة السد أو التى تتحكم فى الأنظمة الصاروخية المخصصة للدفاع عنه أو المكلفة بالحفاظ على سلامة التوربينات وضمان عدم تعرضها للتخريب أو تلك المكلفة بالتحرك نحو الملء الثالث أو دخول السد إلى حيز الإنتاج الفعلى للكهرباء وفقا للبرنامج الزمنى المحدد مسبقا، إذ لم يعد النظام الإثيوبى يملك ترف التأجيل أو التسويف فى الوقت الذى أصبح يصارع فيه من أجل البقاء.
فى سياق متصل أوضحت الدكتورة أمانى الطويل مديرة البرنامج الأفريقى بمركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية، أن المقارنة بين الإمكانات العسكرية لكلا الطرفين هى التى ستوضح أى من الفريقين سيكسب المعركة فطبقاً للتصنيف الدولى، وضع موقع "غلوبال فاير باور" الجيش الإثيوبي فى المرتبة 66 على مؤشر من 140 دولة لعام 2021، حيث يتكون الجيش من 162 ألف مجند بموازنة قدرها 520 مليون دولار، ممتلكاً فى سلاح الطيران 92 طائرة حربية، منها 24 مقاتلة و33 مروحية عسكرية منها 8 هجومية فقط، و180 راجمة صواريخ. وعلى مستوى المدرعات، يمتلك الجيش 365 دبابة و130 مدرعة و480 مدفعاً ميدانياً.
أكدت الخبيرة السياسية أن هذا المستوى من التسلح، يُعدّ جيداً على الصعيد العسكرى وربما متقدماً فى السياق الأفريقى فى ما عدا مصر ونيجيريا وجنوب أفريقيا على الترتيب، وإذا ما تمت مقارنة معطيات الجيش الإثيوبى الفيدرالي بمعطيات التحالف العسكرى المضاد له الذى تقوده "جبهة تحرير تيغراى"، فنحن نتحدث عن قدرات متميزة للأول.
وتساءلت الدكتورة أمانى عن أسباب اتجاه آبى أحمد إلى التحالف العسكرى مع آسياسى أفورقى رئيس إريتريا فى إطار حربه التى بدأها ضد إقليم تيغراى فى نوفمبر 2020 على الرغم من قدرات الجيش الإثيوبى، والأمر الثانى أسباب تدنى الأداء العسكرى للجيش إلى حد أن المعارضين يطرقون حالياً أبواب أديس أبابا.
وترى الخبيرة السياسية أن هناك أسباباً متنوعة أسهمت فى مستويات الأداء العسكرى الضعيف للجيش الإثيوبى، منها طبيعة العقيدة القتالية وعناصرها، وهى العقيدة التى تترتب غالباً على حالة الاندماج الوطنى فى أى دولة، فمن المعروف أن مراحل التطور السياسى والاجتماعى الإثيوبى لم تنتج بعد واقعياً الدولة الأم، أو الدولة الموحدة من هنا، فإن الانقسامات الإثنية والعرقية تؤثر بشكل فاعل فى أداء المؤسسة العسكرية، فتاريخياً كان كل نظام حكم إثيوبيا تقوده قومية مرة الأمهرة وأخرى التيجراى.
أكدت الدكتورة أمانى أن قرار آبى أحمد بالحرب ضد إقليم تيغراى فى وقت كانت التشكيلات العسكرية من الجيش الفيدرالى، خاصة القسم الشمالى من التيغراى يُعدّ مغامرة لم يحسبها رئيس الوزراء الإثيوبى ويدفع نتائجها حالياً، أما العامل الثانى فى ضعف أداء الجيش الفيدرالى الإثيوبى، فهو ذلك التباين الواضح فى المكوّن البشرى له، فقد انخفض من ربع مليون عنصر عسكرى عام 1990، إلى نصف هذا العدد تقريباً ليصل إلى 120 ألف مجند فقط، ومن ثم ارتفع مرة أخرى على خلفية الحرب مع إريتريا ليزيد على 300 ألف مجند، ولكنه لا يحافظ على هذا المعدل بل انخفض مرة أخرى عند حدوده الحالية فى مستوى 162 ألفاً.
من جانبه أوضح اللواء نصر سالم المحاضر بأكاديمية ناصر العسكرية، أن هناك 5 ولايات على خلاف مع سياسة رئيس الوزراء آبى أحمد بشأن إدارة شؤون البلاد، ولن ينتهى ذلك الصراع إلا بعد أن يسقطوه مستبعدا توصل الفرقاء إلى اتفاق فى ظل سياسة التعنت التى يمارسها آبى أحمد بهدف كسب شعبية داخليا على حساب الكيان العام للدولة.
أضاف الخبير العسكرى أن تشكيل حكومة جديدة لها قبول بين فئات الشعب المختلفة ولدى الدول الكبرى من شأنه أن ييسر عملية مفاوضات سد النهضة، متوقعا أن يستمر الصراع لعدة شهور خاصة أن المشكلة لن تحل بين يوم وليلة، ولكنها ستنتهى غالبا بسقوط آبى أحمد، أو تنازله عن السلطة على غرار سلفه هيلاماريام ديسالينى الذى تنازل له عن السلطة عام 2018، تحت تأثير المظاهرات التى عمت البلاد وقتها.