السودان يدخل مرحلة جس النبض
رحبت جهات دولية وإقليمية وعربية بالاتفاق السياسى بين الفرقاء السودانيين، والذى قضى بإلغاء قرارات انقلاب 25 أكتوبر وعودة عبدالله حمدوك لرئاسة الوزراء، وإطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين، والالتزام بتنفيذ اتفاق جوبا مع الفصائل المسلحة.
ورحب أحمد أبوالغيط الأمين العام لجامعة الدول العربية، بالاتفاق السياسى بين حمدوك والبرهان، مؤكدا أن ذلك جاء نتيجة لجهود سودانية كبيرة مدعومة عربيا ودوليا، ورحبت مصر.
بتوقيع الاتفاق السياسى بين البرهان وحمدوك وأشادت "فى هذا الإطار بالحكمة والمسؤولية التى تحلت بها الأطراف السودانية فى التوصل إلى توافق حول إنجاح الفترة الانتقالية بما يخدم مصالح السودان العليا، وأعربت عن أملها فى أن يمثل الاتفاق خطوة نحو تحقيق الاستقرار المستدام فى السودان بما يفتح آفاق التنمية والرخاء للشعب السودانى.
وقال اللواء سامح أبوهشيمة المحاضر بأكاديمية ناصر العسكرية، إن الشعب السودانى غير مقتنع بالتسوية التى تمت بين المكون العسكرى والمدنى ولا زالت المظاهرات فى الشوارع، لاعتقادهم بأن هناك ضغوطا قد مارسها المكون العسكرى على حمدوك.
أوضح لـ"الزمان" أن المصلحة العليا للسودان تتطلب المضى قدما فى تنفيذ الاتفاق الموقع عليه من الطرفين، لاستعادة الاستقرار فى السودان، خاصة أن البنك الدولى كان بصدد تقديم قرض لمساعدة الحكومة على تلبية احتياجات الشعب.
وقال الخبير الاستراتيجى إن هناك اعتقادا بأن البرهان قد أرغم حمدوك على التوقيع على الاتفاق فى إطار تسوية سياسية كى يهدئ الموقف الداخلى حتى يستطيع الاستفادة من المنح التى وعدت بها الولايات المتحدة الأمريكية ثم أوقفتها بسبب قرارات 25 أكتوبر.
لفت الخبير العسكرى إلى أن حمدوك يستقوى بالشارع، خاصة النقابات العمالية التى تمثل غالبية المتظاهرين فى الشوارع لتشكيل حكومة وطنية تهدف إلى إعلاء الديمقراطية للوصول للحكم المدنى مؤكدا أن الرؤية ستضح خلال أسبوع على الأكثر.
وقالت الدكتورة أمانى الطويل مدير مركز دراسات الأهرام للدراسات الاستراتيجية، إن مشهد انطلاق عبدالله حمدوك رئيس الوزراء السودانى من محبسه المنزلى نحو التوقيع على إعلان سياسى مع الفريق عبدالفتاح البرهان، دون أى مساحة حركة أو تشاور يجريها الرجل مع أى كيان سياسى يدل على العديد من المؤشرات المهمة.
أوضحت لـ"الزمان" أن الاتفاق يملك حاضنة سياسية بديلة عن تحالف الحرية والتغيير هى قيادة حزب الأمة على اعتبار أن اللواء فضل الله برمة رئيس حزب الأمة المؤقت، والذى تولى منصبه بعد وفاة الصادق المهدى لحين عقد مؤتمر الحزب، هو أحد عرابى هذا الاتفاق، وهو رجل منتسب للمؤسسة العسكرية.
أضافت الخبيرة السياسية أن الخلفية العسكرية للرجل جعلته بمثابة الجسر المناسب بين العسكريين والمدنيين فى هذه المرحلة، وذلك على الرغم من أنه لم يجر المشاورات المناسبة مع مستويات حزبه التنظيمية بشأن تفاصيل وكواليس الاتفاق.
أشارت الدكتورة أمانى إلى أن عبدالله حمدوك قد ترك تحالف الحرية والتغيير خلفه، طبقا للبند الثانى من الاتفاق الذى يقول بضرورة تعديل الوثيقة الدستورية عبر آليات التشاور والتوافق، وذلك بعد فشل تحالف الحرية والتغيير فى التفاعل مع مبادرات حمدوك الأخيرة، اعتبارا من أغسطس ٢٠٢١.
أكدت الخبيرة الاستراتيجية أن هذه المبادرات بدأت بمحاولة إصلاح الحرية والتغيير ولكنها انقسمت على نفسها سياسيا، لافتة إلى معالجة آثار وتداعيات المحاولة الانقلابية الفاشلة المعلن عنها فى ٢١ سبتمبر، ثم تكوين اللجنة السباعية بشأن رأب الصدع بين الأطراف قبيل انقلاب ٢٥ أكتوبر.
وقالت الدكتورة أمانى أن حركة الحرية والتغيير قد مارست تعاليا سياسيا على حمدوك، ولم يكن لديها إدراك كاف بحرج اللحظة السياسية التى يعيشها السودان، لافتة إلى أن حجم الدعم والدفع الدولى وراء شخص عبدالله حمدوك رئيس الوزراء السودانى بات كبيرا ومؤثرا لامتلاكه دعما غربيا للسودان عبر الرجل لا يملكه غيره من المدنيين، حيث تمت المطالبة بعودة حمدوك بالاسم من جانب وزير الخارجية الأمريكى أنطونى بلينكن، وأيضا من جانب الاتحاد الأوروبى.
أوضحت الدكتورة أمانى أنه لا الإدارة الأمريكية ولا باقى العواصم العالمية على استعداد للتخلى عن المكون العسكرى السودانى فى المعادلة السياسية الداخلية لصالح المكون المدنى الذى طالب بذلك مرارا وتكرارا من جانب تجمع المهنيين، وذلك نظرا لهشاشة مؤسسات الدولة السودانية وحالة السيولة السياسية أيا ما كانت أسبابها.
أشارت الدكتورة أمانى إلى إنجاز متطلبات اتفاق جوبا للسلام واستكماله مع كل من عبدالعزيز الحلو الذى يجب احتواؤه بعد تحالفه عسكريا مع أديس أبابا ضد مناوئيها، وذلك فضلا عن عبدالواحد نور الذى يؤثر على نحو ما فى مجريات الأحداث بكل من تشاد وليبيا، وذلك كله فى وقت لا يملك تحالف الحرية والتغيير (المركزى) البرنامج المناسب ولا مفردات الخطاب السياسى اللازم للتعامل على المستويين الإقليمى والدولى، لكسب دعم هذين النطاقين بدلا من اكتساب عدائهما.
أوضحت الخبيرة السياسية أن رئيس الوزراء السودانى قد أصبح منفردا المسئول عن بلورة السياسات التنفيذية الداخلية للدولة، وهو ما يجعل أداء الرجل على المحك، بل وسيجعله معتمدا على الضغط الدولى والأدوات الخارجية أكثر من أى شىء آخر لتنفيذ مشروعه.
أكدت مديرة مركز الدراسات الاستراتيجية أن تنفيذ المشروع من شأنه زيادة القدرة فى الضغط على المكون العسكرى خاصة فيما يتعلق بمقدراته الاقتصادية، والممثلة فى الشركات والكيانات الاقتصادية، وقد يورط الرجل فى خطأ تاريخى ما لم يكن واعيا بالقدر الكاف للمشروع الغربى الذى يتجاوز فكرة الانتقال الديمقراطى فى السودان، ليصبح السودان جزءا من المشروع الإبراهيمى فى المنطقة، الذى يتطلب تطبيعا كاملا مع إسرائيل سبق وأن تحفظ عليه حمدوك نفسه.
وحول رؤيتها للإعلان السياسى بين البرهان وحمدوك وبنوده الأربعة عشر، أوضحت أن البيان يخاطب الماعون الاجتماعى الواسع ولا يقيم وزنا كبيرا للقوى السياسية فى السودان، وذلك من حيث إشاراته لمكونات الإدارة الأهلية، والطرق الصوفية كداعم لهذا الاتفاق وهى القوى التقليدية فى المجتمع والتى لا تملك عادة مفردات مشروع حداثى كالذى تملكه القوى السياسية السودانية تاريخيا، حيث تتبنى فى معظمها مشروع الدولة الحديثة القائم على أسس المواطنة المتساوية، واختتمت الدكتورة أمانى كلامها بأنه إذا لم يكن الاتفاق متضمنا تسليم رئاسة المجلس الانتقالى للمدنيين فإن مستقبل حمدوك السياسى سيكون مشكوكا فيه.