حكومة آبى أحمد تخضع لرغبة المتمردين
واصل الرئيس السابق لنيجيريا ومبعوث الاتحاد الأفريقى الخاص إلى القرن الأفريقى إولوسيغون أوباسانغو، جهوده لوقف الحرب المستمرة فى إثيوبيا منذ عام، بين الحكومة المركزية برئاسة آبى أحمد وزعماء مقاتلى إقليم التيجراى ومعهم مقاتلو إقليم عفر وأورومو، مؤكدا استحالة التوصل لاتفاق بين الجانبين قبل وقف فورى لإطلاق النار.
ووضعت الحكومة الإثيوبية شروطا لإجراء محادثات محتملة مع المتمردين، تتضمن وقف الهجمات وانسحاب جبهة تحرير شعب تيجراى من منطقتى أمهرة وعفر المجاورتين والاعتراف بشرعية الحكومة، فى الوقت الذى أكد فيه أنطونى بلينكن وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية، دعم بلاده لجهود أوبا سانغو فى الوساطة، مهددا بفرض عقوبات على الحكومة وعلى جبهة تحرير شعب تيجراى إذا لم يحرزا تقدما نحو عقد المحادثات، التى يقودها الرئيس النيجيرى السابق لإنهاء الصراع الذى أسفر عن مقتل الآلاف وأدى إلى نزوح مليونى شخص فيما أدت مخاوف من زحف المتمردين على العاصمة الإثيوبية أديس أبابا إلى موجة من النشاط الدبلوماسى.
وقال أوبا سانغو، قبل مغادرة إثيوبيا إنه "متفائل بإمكان تأمين أرضية مشتركة نحو حل سلمى للصراع، غير أنه مع اشتداد القتال فى الأسابيع الأخيرة وادعاء الجبهة تحقيق مكاسب كبيرة جغرافيا أصبح من الصعب التوصل لاتفاق، مناشدا قيادات جميع الأطراف وقف هجماتها العسكرية"، لإتاحة الفرصة للحوار.
وقال اللواء سامح أبوهشيمة المحاضر بأكاديمية ناصر العسكرية، إن الجانبين سيسعيان إلى التوصل لاتفاق سياسى، لمنع تمزق الدولة المركزية إلى دويلات، خاصة أن الدول المحيطة بإثيوبيا ومعها النظام العالمى حريصون على الحفاظ على كيان الدولة المركزية.
أوضح لـ"الزمان" أن الدولة تتكون من شعب وسلطة وجيش وأرض، وأن استقرار الدول مرتبط بمدى توافق العناصر الأربعة، وغالبا ما يحدث التنسيق تحت ضغط الحاجة للحفاظ على كيان الدولة بصرف النظر عن مدى موافقة الأطراف المتصارعة على التوصل لحل دبلوماسى من عدمه.
ولفت الخبير العسكرى إلى حدوث تسويات داخلية بدعم من الاتحاد الأفريقى، موضحا أن إريتريا تدخلت خوفا من مطالبة إقليم التيجراى لها بالأراضى التى تسيطر عليها، لا سيما أن هناك تداخلا بين القبائل سواء بالنسب أو بالمصالح المشتركة.
توقع اللواء أبوهشيمة أن تقدم الحكومة المركزية بعض التنازلات لصالح زعماء التيجراى نظير تسوية شاملة تضمن سلامة الدولة وعدم تصدعها إلى دويلات، لافتا إلى رفض الطرفين أسلوب معالجة الولايات المتحدة الأمريكية للمشكلة ولكنهما متقبلان للتدخل الاتحاد الأفريقى للتوصل لتسوية يقبلها طل الأطراف.
وحول تأثير ذلك على مفاوضات سد النهضة أكد الخبير العسكرى على أهمية الدبلوماسية الناعمة فى مثل هذه الظروف لاستثمارها فى إقناع الحكومة المركزية بالتوقيع على اتفاق قانونى ملزم بشأن قواعد ملء وتشغيل السد.
نفى اللواء أبوهشيمة أن يكون للمخابرات المصرية أى علاقة بما يحدث من صراع داخلى بين الإثيوبيين، موضحا أن مصر تنتهج سياسة ثابتة بعدم التدخل فى شؤون الآخرين، غير أن عدم الاستقرار من شأنه إحداث نوع من الارتباك لدى القيادة السياسية قد يدفعها للتوقيع على اتفاق يضمن حصتى مصر والسودان فى مياه النيل.
من جانبه أوضح الدكتور أشرف مؤنس مدير مركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة عين شمس، أن تعداد سكان إقليم التيجراى 7 ملايين نسمة، وتعداد سكان إقليم الأورومو حليفهم أقل من 7 ملايين نسمة، فيما يقدر تعداد سكان إثيوبيا بأكثر من 100 مليون نسمة.
أضاف الخبير الاستراتيجى أن زعماء التيجراى استعرضوا أسرى الجيش الإثيوبى فى شوارع ميكيلى عاصمة الإقليم، وصرحوا بأنهم سيواصلون الحرب لتحرير العاصمة أديس أبابا، ومع ذلك فلا زال أمامهم أكثر من 300 كيلو متر لدخول العاصمة.
لفت الدكتور مؤنس إلى أن إثيوبيا تتكون من 9 أقاليم وأن هناك حشودا جماهيرية تملأ شوارع العاصمة تأييدا لرئيس الوزراء آبى أحمد، ومن غير الواضح حتى الآن موقف باقى الأقاليم من الصراع وغالبا ما سوف يرفضون أن يعود الحكم الفيدرالى مرة أخرى إلى التيجراى التى سبق وأن حكمتهم من خلال رئيس الوزراء الأسبق ميلس زيناوى.
وأكد مدير المركز أنه يتمنى أن تصل للسلطة حكومة متفاهمة بخلاف حكومة آبى أحمد المتغطرسة والرافضة تماما للتفاوض بشأن سد النهضة، لافتا إلى أن مصر وافقت على إنشاء السد بشرط ضمان حصتها هى والسودان من مياه النيل وقدرها 84 مليار متر مكعب.
توقع الدكتور مؤنس أن يعود الهدوء لإقليم شرق أفريقيا إذا نجح الثوار فى إسقاط حكومة آبى أحمد، أما فيما يتعلق بموقف حكومة إريتريا من الصراع الدائر، فهناك احتمال للتعاون فيما بينهم وبين ثوار التيجراى إذا حققوا انتصارات على أرض الواقع.
أوضحت الباحثة فى الشأن الإسرائيلى - الفلسطينى فى المركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية، الدكتورة هبة شكرى، أنه بعد اشتعال الأزمة بين متمردى إقليم تيجراى والحكومة المركزية فى إثيوبيا، تعالت الأصوات المطالبة باستقدام اليهود فى إثيوبيا إلى إسرائيل، وهو ما دفع الحكومة الإسرائيلية للإعلان عن تسريع عملية تهجير 5 آلاف إثيوبى من أصول يهودية.
وكشفت شكرى، أن الحديث عن استقبال إسرائيل لآلاف اليهود الإثيوبيين أثار جدلاً واسعاً داخل الأوساط الإسرائيلية، موضحة: أنه "من جانب، شكك البعض فى يهودية هؤلاء واتهموهم بالاحتيال للاستفادة من الأوضاع الاقتصادية فى إسرائيل، فى حين طالب الآخرين بضرورة إنقاذ اليهود من الحرب الجارية فى إثيوبيا وشددوا على ضرورة استيعابهم فى الدولة العبرية، خاصة بعد انتظارهم لأعوام على أمل التهجير لإسرائيل".
وأشارت الباحثة فى الشأن الإسرائيلى، إلى أن محاولات الحكومة الإسرائيلية، لحفظ ماء الوجه تجاه المطالبات باستقدام يهود "فلاش مورا" إلى إسرائيل، إلا أن الممارسات العنصرية ضد هؤلاء ستظل عنواناً رئيسياً لقضية اليهود من أصل إثيوبى، حتى وإن استمرت الادعاءات الإسرائيلية بحرص الحكومة على حمايتهم واستيعابهم فى ظل الأزمة فى إثيوبيا.
ورجحت أنه فى حال تم الاتفاق على استقدام اليهود الإثيوبيين الموجودين فى قلب الصراع الدائر فى إثيوبيا، فسوف يتم ذلك فى سياق خشية حكومة بينيت الهشة، من خلق أزمة قد تفضى بانهيارها.
واختتمت حديثها بقولها "من المؤكد أن همّ الحكومة الأكبر الآن ينصب فى بذل الجهد للحفاظ على تماسكها وضمان استمراريتها لأطول وقت ممكن؛ لكن مهما كانت النتيجة، سواء تمت عملية التهجير الآن أم تم تأجيلها، ستستمر إسرائيل فى سياساتها التميزية ضد الفلاش مورا".
والجدير بالذكر أن عدد اليهود من أصل إثيوبى فى إسرائيل، بلغ حتى نهاية عام 2017 نحو 148 ألفا، بينهم 87 ألفا ولدوا فى إثيوبيا، و61 ألفا فى إسرائيل، ولم يبقَ إلا قرابة 8 آلاف، وفقا لدائرة الإحصاء المركزية الإسرائيلية.
وسعت مُختلف الحكومات الإسرائيلية منذ عشرات السنوات إلى إجلاء اليهود الإثيوبيين إلى إسرائيل، خاصة بعد العام 1990، حيث كان المُعدل السنوى بحدود 2000 شخص فى العام مع تصاعد الصراع بين حكومة آبى أحمد وثوار التيجراى تعالت أصوات سياسية وعسكرية، وتظاهر الآلاف من أبناء الجالية الإثيوبية داخل إسرائيل، لمطالبة تل أبيب بإخراج قرابة 8 آلاف يهودى إثيوبى، وإجلائهم إلى الدولة العبرية بدعوى أنهم معرضون للخطر هناك.
وشاركت فى المظاهرة وزيرة الهجرة والاستيعاب الإسرائيلية، بنينا شطا، والتى تنحدر من إثيوبيا، إذ دعاها آلاف المتظاهرين إلى مواصلة جهودها لجلب 10 آلاف يهودى يتواجدون حاليا فى مخيمات الانتظار بالعاصمة الإثيوبية.
وقالت صحيفة "يسرائيل هيوم" العبرية، إن نحو 4 آلاف شخص تظاهروا أمام مكتب رئيس حكومة الاحتلال نفتالى بينيت، فى القدس مطالبين بإنقاذ اليهود الإثيوبيين.
وكشفت الصحيفة العبرية: "أن المظاهرة تأتى على خلفية الوضع الأمنى الخطير فى إثيوبيا والتقارير الواردة من البلاد عن وجود خطر على حياة اليهود الذين ينتظرون الهجرة إلى إسرائيل".
وكشفت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، عن تعرض سلطات الاحتلال لعملية خداع من قِبل العشرات من الإثيوبيين خلال الأسابيع الأخيرة، عندما ادعوا أنهم يهود ويحتاجون لنقل عاجل من الأراضى الإثيوبية، ثم تأكدت السلطات الإسرائيلية من عدم صحة ذلك بعد وصولهم إلى إسرائيل.