نقتحم عالم «بيزنس الطب» المزعج للمصريين
تحولت مهنة الطب من مهنة تخفيف الآلام إلى بيزنس جمع الأموال، وتحول علاج المرضى، وتخفيف آلامهم، إلى التجارة بآلامهم ومعاناتهم، ففى المستشفيات الخاصة العيادات الخارجية ارتفعت "فيزيتا" الأطباء حتى وصلت إلى ١٠٠٠ جنيه، وفى المناطق الراقية، أما الاستشارة فقط فتصل لـ٢٠٠ جنيه، وتختلف أسعار العيادات وفقا للدرجة العلمية للطبيب كونه ممارس عام، أو حاصل على الماجستير، أو استشارى، أو أستاذ دكتور بالجامعة ولديه عيادة، كما أن التخصصى الطبى عامل هام مؤثر سواء أمراض قلب وباطنة أو أنف وأذن وحنجرة وأسنان وعظام، وهكذا، فضلاً عن انتشار ظاهرة بيزنس توجيه المرضى لمعامل تحاليل وإشاعات بالاتفاق المسبق بين الأطباء ونظير نسبة بينهم، وهو ما يشكل عبئا كبيرا على المواطن، كل ذلك فى غياب تام من وزارة الصحة ونقابة الأطباء، وتظل معاناة المرضى مستمرة، ويتحملون وحدهم التكلفة الباهظة، ليبقوا بين شقى آلامهم ومعاناتهم ونار ارتفاع أسعار فيزيتا الأطباء.
وعبر عدد من المواطنين عن استيائهم الشديد من ارتفاع أسعار فيزيتا الأطباء بالمستشفيات الخاصة والعيادات الخارجية، كل عام وفقاً للأهواء ورغبات الأطباء، ولم يشعرون بآلام المرضى والأعباء المادية التى تقع عليهم، مطالبين بتدخل الدولة لضبط المنظومة الصحية فى مصر وتحديد سعر موحد الكشوفات.
وفى نبرة غضب شديدة، قال محمد ممدوح، مواطن يبلغ من العمر ٦٣ عاماً، إنه مريض كلى، وإنه يتابع مع دكتور منذ فترة طويلة، متابعاً: أن سعر الكشف ٤٠٠ جنيه ولو مستعجل يزيد ٢٠٠ جنيه ليصبح ٦٠٠ جنيه، لو الكشف منزلى يصل إلى ١٠٠٠ جنيه، متابعاً، وعند الاستشارة أدفع ١٠٠ جنيه، لاطلاع الطبيب على التحاليل والإشاعات وكتابة الدواء المناسب لحالتى، مضيفاً، أن الطبيب يقوم بترشيح معمل تحاليل محددة لإجراء التحاليل الدورية، ويشيد بأنها الأفضل، وأنها قريبة تقع فى نفس العمارة الموجودة بها العيادة، وبعد ذلك اكتشفت وجود بيزنس بينهما لزيادة توافد المرضى على المعمل.
والتقط محمود يوسف، طرف الحديث، قائلاً، ذهبت لعيادة طبيب عيون وضعف الأبصار، سعر الكشف ٣٠٠ جنيه، وطلب منى عمل نظارة، وقام بترشيح إحدى محال عمل النظارات الطبية، واكتشفت وجود بيزنس مشترك بينهما، متابعاً، كتب لى على قطرة للعين، فلم أجدها فى الصيدليات، فقام بتوجيهى إلى صيدلية بعينها للشراء منها، وبالفعل توجهت لها ووجدتها بكل سهولة عكس الصيدليات الأخرى.
وأردف عمرو علاء، مواطن، أن أسعار كشف الأطباء مبالغ فيها، ولا يراعون الظروف المادية التى تقع علينا جميعاً، فحياة المريض أصبحت مقابل الماديات، وليس الإنسانية وأخلاق المهنة، متابعاً: فأصبح المريض الذى ليس لديه ثمن الكشف يموت بلا رحمة.
وفى سياق متصل، قال الدكتور خالد عادل، صيدلى، إن فيزيتا الأطباء مرتفعة للغاية وفيها ظلم كبير للمرضى، فإن مهنة الطب مهنة إنسانية فى المقام الأول، ولكن هناك عوامل تحدد سعر الفيزيتا، منها الدرجة العلمية لكل طبيب وخبرته والمنطقة التى تقع بها العيادة، فكل ذلك أسباب لتحديد وارتفاع سعر الكشف، متابعاً: وعندما يأتى إلينا المرضى لشراء العلاج يشتكون من ارتفاع الكشف، مؤكداً، على ضرورة الإسراع فى لإيجاد حل لهذه المشكلة، بعد أن قام العديد من الأطباء برفع أسعار الكشف بعياداتهم بشكل سريع وسنوياً دون مراعاة بآلام المرضى وظروفهم المادية، مضيفاً، لا بد من وضع معايير وضوابط لهذا الملف حيث يكون الحد الأقصى للكشف عن كبار أساتذة الطب ٥٠٠ جنيه فقط.
وقال الدكتور محمد طارق، صيدلى، إن من أسباب ارتفاع كشف الأطباء هو ضعف الرواتب التى يتقاضونها من المستشفيات الحكومة، وإن تحديد أسعار موحدة "فيزيتا" الأطباء ستكون بها ظلم كبير لهم، لأن الأطباء يختلفون حسب الدرجات العلمية والخبرات السابقة، والمنطقة السكنية التى توجد بها العيادة فهناك الكثير من العيادات فى مناطق راقية إيجارها مرتفع للغاية، متابعاً: أن تحديد أسعار موحدة تتطلب وجود إيصالات وتطلع عليها الضرائب، مما يثقل كاهل الأطباء بالضرائب.
وعلى صعيد متصل، رفض عدد من أعضاء مجلس النواب، أسعار الكشف فى العيادات الخاصة، وطالبوا بضرورة وضع حد أقصى للأسعار، وضرورة تفعيل نصوص القانون 51 لسنة 1981 والمعدل بالقانون 153 لسنة 2004 والذى يحدد وينظم العلاقة المالية بين الطبيب والمريض، على أن يتضمن جزاء للمخالفين لأحكامه مثل الغرامة وغيرها، حيث لم يتضمن القانون فى صورته الحالية أى جزاءات، متأكدين، أن ارتفاع أسعار الكشف لا يتناسب مع مهنة الطب التى عرفت بأنها مداواة للمرضى وآلامهم، حيث تقدمت النائبة روان لاشين، عضو مجلس النواب، باقتراح إلى وزير الصحة والسكان، بوضع حد أقصى لأتعاب وكشوف الأطباء داخل العيادات الخاصة، حمايةً للمرضى وذويهم من الأسعار الجزافية لأسعار بعض الأطباء، وتابعت، أن مهنة الطب من أعرق المهن التى عرفتها الإنسانية والتى ارتبطت دون غيرها بروابط وثيقة الصلة بالإنسان لمداواة تعبه وآلامه وأوجاعه، ومن هنا جاء تقدير المجتمع لها وللقائمين عليها، ولكن تحولت المهنة إلى بيزنس لتحقيق مكاسب على حساب حياة المرضى وجمع الأموال دون مراعاة لظروفهم.
وأشارت إلى أنه لم يعد مقبولًا أن أسعار الكشوفات الطبية فى مصر داخل العيادات الخاصة تختلف من طبيب إلى آخر على حسب الموقع الجغرافى، فأصبح أسعار الكشوفات يتراوح ما بين ٥٠٠ جنيه ليصل إلى ١٠٠٠ جنيه، أما الاستشارة الطبية أصبحت تبدأ من ١٠٠ جنيه إلى ٢٠٠ جنيه، وعند الإعادة يدفع المريض ١٠٠ جنيه إضافية على سعر الكشف، وهو ما يرهق المرضى وأهاليهم، ولافت، إلى أن أسعار الكشوفات داخل العيادات والمستشفيات الخاصة تحتاج منا إلى وقفة حاسمة لتفعيل القانون، فلم يعد مقبولًا التعامل مع المريض على أنه وسيلة لتحقيق الأرباح، والأدهى من ذلك، أصبح هناك ما يسمى بـ "كشف مستعجل" يصل إلى 1000 فى بعض الأحيان، وهو أمر لم نره فى أى دولة فى العالم، فالحق فى الحصول على الخدمة الطبية، إلزام دستورى وقانونى قبل أن يكون واجبا إنسانيا، والمعيار الرئيسى فى تحديث الخدمة العلاجية المناسبة هو حالة المريض وليس مقدرته المالية.
وأوضحت أن القانون 51 لسنة 1981 والمعدل بالقانون 153 لسنة 2004 والذى يحدد العلاقة المالية بين الطبيب والمريض، والمسئول عن تنظيم هذه العلاقة، موجود منذ أكثر من 40 عامًا ولكنه غير مفعل، كما أن قانون نقابة الأطباء ينص على ضرورة وضع حد أقصى لأتعاب وكشوف الأطباء، عجزت وزارة الصحة عن تطبيقه أمام توغل أصحاب المستشفيات الخاصة والعيادات، مطالبة وزارة الصحة بتفعيل نصوص القانون الخاص بتنظيم العلاقة المالية بين الطبيب والمريض، على أن يتضمن جزاءات للمخالفين لأحكامه مثل الغرامة وخلافه، حيث لم يتضمن القانون فى صورته الحالية أى جزاءات.
من جانبه كشف الدكتور خالد أمين، عضو مجلس نقابة الأطباء، إنه لا يمكن تطبيق القرار الإرشادى الصادر عام 2018 الخاص بتحديد سعر الكشوفات الطبية فى العيادات الخارجية والمستشفيات الخاصة، حيث إن القرار يحدد سعر الكشف الطبى بالعيادة الخارجية عند أستاذ الجامعة بقيمة 600 جنيه، والاستشارى الحاصل على دكتوراه لكنه ليس أستاذا بالجامعة 400 جنيه، والأخصائى 200 جنيه، والممارس العام 100 جنيه، ورغم أن القرار حدد أسعارا أغلى من 80% من أسعار الكشوفات الفعلية فى مصر لكنه لا يراعى أبعادا كثيرة، حيث إن هناك استشاريا لديه خبرات لا يقوم بها غيره، فقد تدرب وحصل على زمالة بعض الكليات والجامعات، وتعلم إجراء عمليات دقيقة، ويتعلم طول الوقت، كما أن هناك شخصا آخر حصل على الماجستير واستمر فى العمل فى مصر عشر سنوات واكتفى بما تعلمه فقط ويطلق عليه أيضا لقب استشارى، وبشكل عام لا يمكن مساواة الاثنين فى القيمة المالية للكشف، كما أن سعر الكشف يرتبط أيضا بالمنشأة وموقعها الجغرافى، حيث إنه من يقوم بفتح عيادة طبية فى منطقة راقية بثمن غال للعيادة، ويطبق فيها البروتوكولات الطبية المعتمدة، ويحضر فيها أدوات تشخيصية ممتازة، ويشترى أجهزة طبية غالية الثمن، وفيها مستوى حديث من وسائل العلاج، لا يمكن أن نساوى ثمن كشفه بشخص لا يهتم بعيادته أو مستوى أجهزته أو أدواته، حتى لو كان له نفس المسمى الوظيفى.
وأضاف أن معظم الناس تفضل العيادات الطبية الأكثر نظافة، والأكثر تطورا، أو الأكثر راحة، فلا يمكن تحديد الأسعار بهذا الشكل، وحتى على مستوى الأجهزة هناك جهاز "سونار" مثلا قيمته 30 ألف جنيه، وهناك طبيب آخر اشترى جهازا آخر سعره مليون جنيه، لا يمكن أن أفرض على من أحضر الجهاز غالى الثمن أن يحصل على نفس المقابل المادى لمن لديه جهاز رخيص، وكذلك لا يمكن فرض نفس القيمة المالية على من يدفع ثمنا غاليا لعيادته بسبب مساحتها وإمكاناتها وموقعها، ومن يدفع سعرا أقل فى شراء عيادة بإمكانات متواضعة.
وأوضح أن النقابة ليست ضد القرار لكنها ترى أن تطبيقه صعب وليس فى مصلحة الناس، مبينا أن الحل فى التأمين الصحى الشامل الذى تعمل الدولة على تطبيقه، وسيكون كل الأفراد مشمولين بهذا التأمين، وسيكون هناك سعر موحد للخدمات والدولة تستفيد أيضا بسبب التعاقدات التى تقوم بها مع الوحدات الخاصة جنبا إلى جنب مع الجهات الحكومية، فضلاً عن تعزيز دور المستشفيات الحكومية كمنافسة للعيادات الخاصة يجعل الناس التى ترفع من أسعار كشوفاتها يضطرون لخفض الأسعار حتى يستطيعون المنافسة، فتحديد سعر الكشوفات له بدائل كثيرة، لكن بشكله الحالى غير مجدٍ ويصعب تطبيقه.
أما الدكتور أسامة عبدالحى، الأمين العام السابق لنقابة الأطباء، فأكد لـ"الزمان"، أن ما جعل المواطنين يذهبون إلى الأطباء فى العيادات الخاصة هو عدم حصول الناس على خدمة صحية مقبولة فى العيادات الحكومية، كما أن الطبيب الخاص يضطر لفتح عيادة لأن مرتبات الأطباء لا تكفيهم، والحل ليس فى تحديد أسعار العيادات الخاصة وإنما فى رفع مستوى الخدمة الصحية المقدمة من الحكومة.
وأضاف أنه لا بد من الإسراع فى تطبيق منظومة التطبيق الصحى الشامل، التى ستكون مثابة نظام تكافلى شامل للمرضى ويقدم العلاج الكشف ويحافظ على كرامة المواطنين، مشددا على أنه لا يمكن حصر الموضوع فى مبالغة بعض الأطباء فى أسعار كشوفاتهم لأننا بذلك لا نشخص المشكلة بشكل صحيح ولا نعالجها بشكل صحيح.