اتفاق احتواء الأزمة السودانية تلتهمه موجات الغضب الشعبى
ترددت أنباء عن اعتزام بعض القوى السياسية تنظيم مظاهرات سلمية الأحد القادم 19 ديسمبر إحياء لذكرى الثورة على نظام البشير يوم 19 ديسمبر 2018، والتى أدت إلى سقوط النظام فى أبريل من عام 2019، وسط تنديد من بعض قوى الحرية والتغيير باتفاق قائد الجيش الفريق عبدالفتاح البرهان مع الدكتور عبدالله حمدوك والذى يتضمن تشكيل حكومة تكنوقراط.
وتقدم عدد من القوى السياسية بوثيقة مبدأيه لحمدوك تتضمن 13 بندا أهمها دعم الحكومة الانتقالية التى سيشكلها رئيس الوزراء حمدوك، وإعادة هيكلة مجلس السيادى الانتقالى ليقتصر على 6 أعضاء بدلا من 11 عضوا 5 من العسكريين و5 من المدنيين، مع احتفاظ شركاء السلام بحصتهم وفق اتفاقية جوبا للسلام.
كما دعت الوثيقة إلى رفع حالة الطوارئ والإسراع بتشكيل المفوضيات، والتمسك بالنسب المقررة فى الوثيقة الدستورية حول تشكيل المجلس التشريعى، والتى استبعدت أعضاء الحزب الحاكم فى عهد الرئيس المخلوع عمر البشير، ووضع آلية لبدء المشاورات، أخذا فى الاعتبار أن الإعلان السياسى يشمل التوافق بين الحرية والتغيير (جناح المجلس المركزى) والمكون العسكرى وشركاء السلام ولجان المقاومة دون تجاوز أحكام الوثيقة الدستورية.
وقال ناجى الشهابى رئيس حزب الجيل إن تاريخ الشارع السودانى، يؤكد قدرته على تغيير الحكومة من خلال المظاهرات فى الشوارع، حيث سبق أن أسقط حكومة الفريق إبراهيم عبود عام 1964، كما أسقط حكومة جعفر نميرى عام 1985، مثلما أسقط حكومة البشير عام 2019.
أوضح لـ"الزمان" أن الشارع السودانى لن يهدأ حتى يحقق مطالبه، وأهمها عودة الجيش إلى ثكناته، وتشكيل حكومة محايدة تضم كافة التيارات السياسية، قبل انتهاء الفترة الانتقالية عام 2023، نظرا لطول المدة دون مبرر قوى، ولا بد من الإسراع بإجراء انتخابات نيابية حتى يهدأ الشارع مرة أخرى.
من جانبه أكد عمار العركى الباحث فى شؤون القرن الأفريقى، أن استدعاء الأوضاع فى الماضى القريب، ومقارنتها بالتطورات الحاضرة، يؤكد ضرورة إعادة دور السُودان "المُغيب"، واستعادة مكانته التاريخية والطبيعية، لا سيما وأن الظروف باتت مواتية إلى حد معقول ومقبول فى أعقاب التحولات والتغييرات السياسية الداخلية التى أفضت إلى ذهاب نظام الإنقاذ وذهاب كثير من العوائق والمعوقات معه، والانفتاح والتعاطى الواسع إقليميا ودوليا والذى يتسق مع التغيير والتحول الذى طرأ على خطة إعادة رسم خارطة المنطقة من قبل القوى المهيمنة والمؤثرة.
وأضاف أن القوى المهيمنة لجأت إلى إحداث تغيير فى السيناريو والأبطال والمواقف وفق المستجدات والتداعيات التى حدثت بسبب القراءة الخاطئة للأحداث، والاعتماد على حلفاء "وأصدقاء" من خارج الإقليم غير مؤهلين للقيام بالدور المطلوب، وذلك بعد أن استفادوا من غياب أهم دولتين فاعلتين بالمنطقة، "مصر" بسبب الانكفاء على الذات وأزماتها الداخلية حينئذ، كما عمدوا إلى تغييب السُودان بصورة فظة ومستفزة.
وقال عمار إنه فى ظل التوافق "المدنى العسكرى" السودانى، والتعاطى والتعاون مع المجتمع الدولى والتنسيق الجيد مع أكبر بعثة سياسية أممية فى أراضى السُودان، إضافة إلى ترفيع التمثيل الدبلوماسى الأمريكى إلى درجة "السفير" لأكبر سفارة أمريكية فى أفريقيا والموجودة بالعاصمة الخرطوم، مع استصحاب التجارب والأدوار السلمية الإقليمية السابقة للسُودان فى كل من، إثيوبيا، إريتريا، تشاد، أفريقيا الوسطى، وجنوب السُودان، يصبح بمقدور السودان تحقيق استقراره الوطنى، ولعب دور محورى وفاعل فى الاستقرار الإقليمى.
لفت الخبير السياسى إلى أن المنطقة وقعت فريسة للتنافس المحموم بين أمريكا والصين من جهة والإمارات وقطر من جهة أخرى على منطقة القرن الأفريقى، موضحا أن هذا هو أحد أسباب التقارب الإماراتى الإثيوبى الإريترى والذى ترى فيه أمريكا وسيلة للحد من النفوذ الصينى، بينما خططت الإمارات إلى إمكانية وضع حد للنفوذ الاستثمارى والإعلامى القطرى فى ظل تراجع دور قومية التيجراى فى إثيوبيا.
وأضاف الخبير الاستراتيجى بأن الإمارات حرصت منذ سنوات على تأكيد حضورها السياسى والاقتصادى فى القارة الأفريقية، خاصة فى منطقة القرن الأفريقى والبحر الأحمر حيث عززت من علاقاتها بإثيوبيا ومع وصول رئيس الوزراء الإثيوبى "آبى أحمد" إلى السلطة فى إثيوبيا، ومدت أبوظبى جسر تواصل مع إثيوبيا.
وقال عمار إنه فى إطار المشروع الأمريكى لإعادة ترتيب الأوضاع فى منطقة القرن الأفريقى بالتركيز على إثيوبيا وإريتريا لتحقيق مصالحها وإحكام السيطرة على المنطقة وقطع الطريق أمام المنافسين الدوليين للولايات المتحدة خاصة الصين وروسيا والمنافسين الإقليميين بالنسبة للإمارات متمثلا فى مصر، وقطر، وتركيا.
أكد الخبير الاستراتيجى أن هذا هو الأساس الهش الذى بنى عليه التقارب الإثيوبى الإريترى بعد إلحاق وضم كل من الصومال وجيبوتى، ضمن كيان دول القرن الأفريقى للتعاون الاقتصادى، حيث تبع ذلك نشأة كيان مجلس الدول الثمانية المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن.
وقال عمار إن هذا المجلس لم يحقق الأهداف المرجوة منه لعدة أسباب، أهمها أن هذا التقارب جاء على عجل، ودون تناول جذور الصراع والعداء التاريخى بين إثيوبيا وإريتريا، وفى ظل ظروف خاصة تعيشها إثيوبيا عقب تولى آبى أحمد للسلطة، ودون إرادة حقيقية من الطرفين مع عدم التهيئة والاستعداد لهذا الانتقال المفاجئ من جميع طبقات الشعب الإثيوبى.
لفت الخبير السياسى إلى أن كل ما تم التخطيط له فى إطار التغيير والترتيب بات هباءً منثورا، فقد تقلص الدور الإماراتى السعودى كثيراً، عقب ذهاب إدارة "ترامب"، وانتهاج "بايدن" لسياسة مغايرة قوامها التعامل المباشر وتسميته لأول مرة "مبعوث خاص للقرن الأفريقى"، كذلك فشل الرهان الإماراتى على "آبى أحمد"، والذى بدوره ازداد تمسكا وتحالفا مع الصين وروسيا مقابل تدهور فى العلاقات حيال الأمم المتحدة والولايات المتحدة بسبب الحرب الأهلية فى التيجراى.
والمستمرة منذ نوفمبر 2020م وحتى الآن، والتى أفرزت انتهاكات وكوارث وأزمات إنسانية كبرى، باتت تهدد استقرار منطقة القرن الأفريقى، علما بأن القضاء على "جبهة التيجراى" كان أحد محفزات ودوافع التقارب والسلام الإثيوبى – الإريترى، والذى تبلور فيما بعد إلى تحالف عسكرى مشترك فى محاربة التيجراى.
أكد عمار أن تعًمد تغيّيب السودان بكل مميزاته وثُقله الجيواستراتيجى والإقليمى وإزاحته عن مسرح الأحداث لاعتبارات تتعلق بعلاقات القوى الدولية والإقليمية المهيمنة ونظام الإنقاذ الحاكم فى السودان حتى أبريل 2019، تصب حاليا فى صالح السُودان، حيث سيحتل المكانة اللائقة به مع إعادة ترتيب ورسم الخارطة الجديدة للمنطقة، بعد أن ذهبت كل المحاولات السابقة لاستقطاب الإقليم بعيدا عن مصر والسودان إلى إدراج الرياح.