السودان يواجه المجهول
أعلن عبدالله حمدوك رئيس وزراء السودان المستقيل، أن الكلمة المفتاحية لحل المعضلة المستمرة فى البلاد منذ نحو 6 عقود، هى الحوار الشامل لكل الفصائل السودانية، موضحا أن حكومته وقعت اتفاقا مع المكون العسكرى يوم 21 نوفمبر عقب انقلاب 25 أكتوبر، للحفاظ على ما تحقق من إنجازات، وأن الاتفاق كان محاولة لجلب الجهات المختلفة، لتحقيق ما تبقى من فترة انتقالية.
وقال حمدوك، إن حكومة الفترة الانتقالية، تعاملت مع كل التحديات التى واجهتها، وأن "حكومته أنجزت اتفاق جوبا، الذى أسهم فى إسكات صوت البندقية، وتوفير مأوى للنازحين، مؤكدا أنها بذلت جهدًا فى بسط الحريات ورفع اسم السودان، من قائمة الدول الراعية للإرهاب.
أكد رئيس الوزراء المستقيل، خلال كلمة متلفزة: "أنه ما زال يؤكد أن الثورة ماضية فى غاياتها وأن النصر أمر حتمى، معتبرا أن الأزمة الكبرى فى الوطن، أزمة سياسية لكنها تشمل الجوانب الاقتصادية والاجتماعية.
وقال الدكتور أحمد عبدالدايم أستاذ التاريخ الحديث بكلية الدراسات الأفريقية جامعة القاهرة، إن القوى السياسية الداعمة لحمدوك انصرفت عنه مما اضطره إلى الاستقالة، تحت ضغط المظاهرات المستمرة فى الشوارع والميادين.
أوضح لـ"الزمان" أن كل فصيل من القوى السياسية يبحث عن مصالحة الشخصية بصرف النظر عن مصلحة السودان، اعتقادا منه أنه يستند إلى أرض صلبة فى الشارع، لافتا إلى أن الانتخابات وحدها التى ستحدد الحجم الحقيقى لكل فصيل فى الشارع السودانى.
أضاف الدكتور عبدالدايم أن حالة الانقسام السياسى التى يعيشها السودان لا تساعد على تحريك الموقف السياسى بطريقة سلسلة، لذلك سيزداد الموقف تعقيدا فى السودان عقب هذه الاستقالة متسائلا أين هى الشخصية التى تحظى بتوافق وطنى بين الفصائل المختلفة والقوات المسلحة.
توقع أن يتولى المجلس السيادى بقيادة الفريق عبدالفتاح البرهان إدارة الأمور فى البلاد مما سيزيد من حجم المظاهرات فى الشوارع، أو أن يعود المكون العسكرى إلى التفاوض مع حمدوك للعودة للسلطة باعتباره الشخصية التى تحظى بتوافق بين القوى السياسية وحقق إنجازات كبيرة للشارع السودانى، على رأسها رفع السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب وخفض حجم الديون عن البلاد.
أكد الخبير الاستراتيجى أن الضباب يخيم على الشارع السياسى فى السودان ولا بد من تدخل قوى خارجية لتقريب وجهات النظر بين الفرقاء وعلى رأسها جامعة الدول العربية، ومصر والأمم المتحدة لصياغة وثيقة دستورية جديدة، لافتا إلى تبنى مصر أول محاولة للتقريب بين الفرقاء عام 2019 بعد نجاح الثورة ضد الرئيس المخلوع عمر البشير.
حذر الدكتور عبدالدايم من خطورة استمرار المظاهرات فى السودان بصورة قد تفقد الجيش نفسه السيطرة على زمام الأمور مستقبلا، ولا بد من توعية الشعب وبخاصة الشباب بخطورة انزلاق البلاد إلى الفوضى العارمة، وتأثير ذلك على استقرار البلاد اقتصاديا واجتماعيا.
توقع أن تكون هناك قوى إقليمية أو دولية وراء عدم استقرار السودان، لأن ذلك يخل بالأمن القومى المصرى حيث يوجد حاليا توافق بين الدولتين بشأن ملف سد النهضة، واستمرار المظاهرات يجعلها غير قادرة على ضبط حدودها مع إثيوبيا سواء فيما يتعلق بملف السد أو أرض "الفشقة" التى استعادتها السودان مؤخرا من إثيوبيا.
لفت الخبير الاستراتيجى إلى أن مصر تستضيف لديها 4 ملايين سودانى، وان استمرار هذه الاضطرابات قد يزيد من حجم الهجرة إليها لتصل إلى 8 ملايين نسمة وهو أمر يفوق قدرات الدولة المصرية التى تستضيف أيضا مهاجرين من سوريا والعراق.
فى سياق متصل قالت الدكتورة نجلاء المأمون الباحث السياسى فى الشأن الأفريقى، أن الوصول إلى تسوية سياسية وسط فى السودان تخفف من الاحتقان السياسى القائم هناك ما بين القوة المدنية والجيش أصبح ضرورة.
أضافت الباحثة أن أوضاع السودان لها خصوصيتها السياسية والاقتصادية والإثنية والاجتماعية ومن ثم فإن هذه التسوية المرتقبة لا بد وأن تكون مؤامرة لطبيعة الصراع السياسى المندلع هناك حيث إن البعض من المتخصصين يرحب بالاتفاق الذى قد يؤدى إلى تسوية سياسية تنزع فتيل الأزمة فى البلاد.
أشارت نجلاء إلى تحذير آخرين من أن هذه التسوية قد تؤجج الصراع ما بين المعارضة والحكومة وهذا من شأنه أن يدخل السودان فى نفق مظلم آخر إذا ما كانت المعارضة السودانية قادرة على التأثير على المنظمات المدنية السودانية وتعبئة الجماهير وحشدها فى الميادين العامة بالمدن السودانية.
أكدت الباحثة فى الشأن الأفريقى أن هناك شخصيات سودانية فى المعارضة قادرة على التأثير الحقيقى فى الميديا والإعلام فى السودان بوجه عام، ومن ثم لا بد من وجود درجة من المواءمة السياسية والحلول الوسط للحيلولة دون تأجيج الصراع ما بين قوى المعارضة والحكومة التى تنشأ بالوفاق السياسى عبر القنوات الشرعية ما بين القوة السياسية والعسكرية فى السودان.
أوضحت الخبيرة الاستراتيجية أن ذلك التصور لم يتبلور بشكل كبير إلى الآن ويتوقف على رؤى شخصيات سودانية لها تأثير كبير سياسى أو عسكرى مثل حمدوك والبرهان ويمكن القول أنه هناك بعض القبول والتأييد لحركة الجيش السودانى التصحيحية التى قام بها فى أكتوبر الماضى من جانب بعض القطاعات الشعبية.
لفتت نجلاء إلى إلقاء حركة العدل والمساواة اللوم على متخذى القرار فى حكومة حمدوك وأن آليات تلك الحكومة كانت السبب الرئيسى لما قام به الجيش السودانى بتدخله ثانية فى المشهد السياسى ومع ذلك شهد الشارع السودانى حينذاك احتكار لاتخاذ القرار والرفض فى دخول حوار من قبل بعض التكنوقراط.
أشارت الباحثة فى الشأن الأفريقى إلى دعم بعض الوزراء فى الحكومة السودانية لقرارات الجيش حيث دعم وزير المالية جبريل إبراهيم الجيش بصورة علنية لكنه نادى بضرورة إنهاء حالة الطوارئ والذى يعد دوما مطلبا ديموقراطى مدنى مطالبا المسؤولين السودانيين أن يحذو حذو الرئيس السيسى فى إلغاء حالة الطوارئ بعد التسوية لتخفيف حالة الاحتقان السياسى.
وقالت الخبيرة السياسية أنه لا بد من اتخاذ بعض الضمانات الأمنية بالتنسيق بين الجيش والداخلية بعد مفاوضات عديدة تتسم بسعة الصدر وتحت إشراف شخصيات موثوق بها فى الجيش والقوى المدنية السياسية فى السودان، مشيرة إلى أنه لا ريب أن الاستقرار فى السودان على كافة الأصعدة السياسية سيعقبه استقرارا اقتصاديا.
أكدت الباحثة فى الشأن الأفريقى أن استقرار السودان يعد ضمانة لتحقيق الأمن القومى المصرى لارتباطه بالأمن القومى السودانى على الصعيد الجيواستراتيجى والأمن المائى ولا بد من حل وسط تشارك فيه قوى سياسية ومدنية تتوافق مع وضع الجيش فى السودان.
وأضافت نجلاء أنه لا بد من اشتراك المعارضة السودانية بشكل يضمن تخفيف الاحتقان السياسى ويحقق استقرار السودان حتى لا يدخل فى نفق أكثر ظلاما مهددا استقرار بعض الدول التى يرتبط أمنها القومى بأمن السودان فى منطقة القرن الأفريقى والبحر الأحمر أى أن الأمر ذو أبعاد إقليمية عربية وأفريقية تترقب عن كثب ما يحدث من إعداد للتسوية السياسية فى السودان.