”الورقة الأمريكية” تواجه العواصف الشعبية فى السودان
أطلقت الأمم المتحدة، مطلع الأسبوع الجارى، مبادرة للجمع بين الفرقاء السودانيين، من أجل التوصل لاتفاق يحل الأزمة التى استفحلت فى أكتوبر الماضى بالسودان.
ورحب المجلس العسكرى فى السودان بوساطة الأمم المتحدة، فى حين رفضت الجهات التى تقود الاحتجاجات الحالية بشكل كامل لأى سلطة عسكرية فى الفترة المتبقية من المرحلة الانتقالية.
وتتكون مبادرة الأمم المتحدة من 4 عناصر أساسية، أبرزها إلغاء مجلس السيادة، والاستعاضة عنه بمجلس رئاسى شرفى يتكون من 3 أعضاء مدنيين، بالإضافة إلى منح العسكريين مجلسا مقترحا للأمن والدفاع، ولكن تحت إشراف رئيس الوزراء الذى سيمنح سلطات تنفيذية كاملة تشمل تشكيل حكومة كفاءات مستقلة بالكامل مع إعطاء تمثيل أكبر للمرأة.
ومن جهته، يرى أستاذ العلوم السياسية فى جامعة القاهرة الدكتور محمد حسين، أن الأمم المتحدة لها الحق أن توجه وتشرف على الأزمات، وبالتالى لن يتم الصدام معها، مؤكدا أن دعوة الأمم المتحدة بأن تكون جميع الأطراف ممثلة فى أى حكومة مستقبلية ليس به ضرر لأحد.
ويقول الدكتور محمد حسين لجريدة "الزمان"، إن المجلس العسكرى السودانى يرحب بهذه الدعوة، وذلك فى مصلحته؛ لأن هناك ضغط أمريكى لتشكيل حكومة مدنية ولانتقال مدنى للحكم، ولذلك تعتبر مبادرة الأمم المتحدة حل وسط لتشكيل حكومة بها جميع الأطراف؛ مدنى عسكرى يسارى يمينى وغيره.
وأضاف أستاذ العلوم السياسية: "دعوة الأمم المتحدة أكثر واقعية وبها نوع من أنواع الخروج من المأزق، وإذا قبلت الحكومة السودانية والبرهان هذه الدعوة ستفوت الفرصة على الضاغطين مثل الولايات المتحدة".
وأكد أنه سيتم تشكيل حكومة سودانية قريبا، معللا أن السودان ليس لبنان، لا يمكنه العمل دون حكومة، ولأن هناك مجلس عسكرى قوى وفى السيادة.
وأضاف: "لا بد أن يأتى البرهان بحكومة ليتفادى الأزمة، وعلى رأسها وجه مدنى من الوجوه المرشحة، وبذلك سيفلت من الغضب الشعبى ومن الضغوط الأمريكية".
ويرى الدكتور حسين، أنه من الأفضل يأتى البرهان، بوجه تكنوقراطى ليس عليه خلاف، ويشكل حكومة تكنوقراط، موضحا أن هذا هو المطلب الرئيسى لأن حكومة التكنوقراط ستعمل مع العسكريين.
واستطرد: "ساهم العسكريون فى بلاد العالم الثالث، فى تحقيق الاستقلال لبلادهم من المستعمر، وبالتالى فهم متواجدون فى السياسة، والقول باستبعادهم قول يجافى الحقيقة، وهذه غلطة الإخوان والجماعات التى تريد شخص مدنى وإبعاد العسكرى الذى لديه شرعية بصفته من جيش البلاد".
وتساءل أستاذ العلوم السياسية: "كيف يترك الجيش السلطة لجماعات لها انتماءات خارجية وأجندة دولية؟"، مؤكدا أن الجيش وطنى يعمل لصالح الوطن ككل لا ينحاز لطائفة أو فريق أو لدين، يحمى الجبهة الداخلية والخارجية للبلاد، وهذا ينطبق على السودان.
وعند الحديث حول الدور المصرى فى حل الأزمة السودانية، قال الدكتور محمد حسين، إن الانغماس مطلوب وبشدة فى حل الأزمة السودانية، وبالحكمة المصرية التى عهدناها، لأن الأمن القومى للسودان، هو أمننا القومى.
وتابع: "مصر لم تتطفل على أحد ولم تفرض رأيها على أحد، مصر تنصح بإخلاص وتتحمل وتستضيف مؤتمرات مثل مؤتمرات التضامن الأفرو آسيوية، والذى تحملت تكلفته مصر".
وأردف: "نحن نمد أيدينا ناصحين واعظين نحل الأزمات ولكن ليس لنا أى أطماع فى السودان، وغاية ذلك هو حماية حدودنا، وغاية ما نتمنى هو أن تكون حدودنا آمنة".
واختتم: "أعتقد أن الرئيس السيسى ناصح أمين هادئ خارجيا، وسينجح فى حل المشكلة السودانية والليبية فى النهاية".
-القاهرة ترحب
ورحبت القاهرة بمبادرة الأمم المتحدة، مؤكدة دعمها للتحرك الأممى الحالى الداعم لتحقيق الاستقرار فى السودان من خلال تفعيل حوار بين الأطراف السودانية، بهدف حل وتجاوز الأزمة الراهنة، والحيلولة دون الوقوع فى دائرة الفوضى.
كما ناشدت جميع الأطراف للعمل على اختيار رئيس وزراء انتقالى توافقى جديد وتشكيل حكومة فى أقرب وقت ممكن، مُعربة عن استعدادها لدعم تلك الحكومة بجميع السُبُل الممكنة، ومُشددة فى الوقت ذاته على أن أمن واستقرار السودان جزء لا يتجزأ من أمن واستقرار مصر والمنطقة.
ومن جهته، يرى المحلل السياسى السودانى محمد تورشين، أن القوى السياسية السودانية فشلت على مر الزمان على إدارة حوار وطنى جامع يؤسس لمبادئ وقواعد تمثل حجر الزاوية فى حكم الوطن.
ويقول تورشين: "إن القوى السياسية تنصاع إلى المبادرات الخارجية؛ لذا فالنتائج كارثية، ستذعن القوى السياسية والمؤسسة العسكرية للمبادرة الأممية بقيادة فولكر لكن العبرة فى الخواتيم".
ومن جهته، يرى المحلل السودانى صلاح محمد الحسن، أن الحل للأزمة السودانية، يكون بالتوافق الداخلى بين المكونات السودانية المختلفة.
ويعيش السودان منذ أكثر من شهرين أزمة سياسية وأمنية خانقة وحالة من الشلل الاقتصادى والخدمى بسبب موجة الاحتجاجات المتواصلة التى اشتعلت فى الـ25 من أكتوبر الماضى.
وقالت الدكتورة اماني الطويل مديرة البرنامج الافريقي بمركز الأهرام الاستراتيجي، أن النخب السياسية ومنظمات المجتمع المدني بالسودان تشهد حالة من الارتباك نتيجة الجمود الذي عاشته طيلة حكم الرئيس المخلوع عمر البشير والذي امتد لنحو ثلاثين عاما.
أوضحت لـ الزمان" ان الثورة قامت علي اكتاف الشباب الذين تميزوا باستعدادهم للتضحية من أجل وطنهم لكن خبرتهم السياسية ضعيفة، مما ساهم في احداث خلل في توازنات القوي بين المكون العسكري والمكون المدني الطامح للتحول لدولة مدنية.
أضافت الطويل ان المكون المدني عاني من الانقسامات بين فئاته بشكل مذهل و لم يسعي الي التقارب مع دول الاقليم المجاورة للسودان ، كما لم يستوعب ان العسكريين لديهم مصالح في السيطرة علي الحكم، لافتة الي فشل تجمع المهنيين الذي قاد الثورة في وضع برنامج سياسي لإدارة شؤون البلاد.
لفتت الخبيرة الاستراتيجية الي استضافتها عددا من خبراء السياسة بأمريكا اللاتينية في اعقاب ثور يناير 2011 في مصر، لاستطلاع رايهم حول كيفية ادارة شؤون البلاد وانحصر رايهم في ثلاثة نقاط رئيسية الأولي هي التعامل بحذر مع المؤسسة العسكرية دون تخوين، مع مراعاة التقدير الموضوعي لهذه القوة الصلبة.
وقالت الطويل أن النقطة الثانية كانت اهمية احتواء النظام القديم ولو مرحليا دون الصدام معه، والثالثة هي حتمية التوافق الوطني وقيام تحالفات قوية ونبذ الخلافات بين القوي السياسية، وكلها عناصر لم يراعيها الاشقاء في السودان مما ادي الي وصولهم لما هم عليه الان.
اشارت الخبيرة السياسية الي ان الاولوية لدي المواطن السوداني للقبيلة او للحزب الذي ينتمي اليه وليس للوطن الام، وكل طرف رافض للطرف الآخر، بشكل كبير وهناك تنافس بين الاحزاب الرئيسية ولازال رموزها ينظر لمفهوم الثورة بشكل كلاسيكي وليس بشكل عصري.
اكدت الطويل ان المكون العسكري ساهم في تفتيت القوي السياسية وبخاصة حركة الحرية والتغيير كما انقسمت مجموعة الميثاق لمصالح شخصية، لافتة الي ان السعي لان يكون اتفاق جوبا بين الحركات المسلحة والحكومة بديلا عن الوثيقة الدستورية كان احد اسباب قيام انقلاب 25 اكتوبر.
وقال الدكتور محسن عبد الله الخبير بمركز ابحاث الديمقراطية بالخرطوم ان النخب السياسية لم تقدم اي برنامج للفترة الانتقالية، مشيرا الي ابتعاد الحزب الشيوعي عن الشارع السياسي وانسحاب حزب الامة من حركة الحرية والتغيير ولا يوجد اي خطاب بين الاحزاب والجماهير.
اضاف ان التحدي الرئيسي امام التحول الديمقراطي هو انقلاب 25 اكتوبر الذي عطل عملية جهود التحول الديمقراطي، لافتا الي ان المكون العسكري لم يكن ينوي تسليم السلطة منذ مايو 2019، وان الخلاف بين القوي السياسية اهدر المجهود الشعبي العظيم الذي قام به الشباب لإسقاط النظام .
ويري الدكتور احمد عبد الدايم استاذ التاريخ الحديث بكلية الدراسات الافريقية جامعة القاهرة ، ان الازمة الاقتصادية الخانقة هي التحدي الحقيقي امام اي قيادة سياسية للسودان، مؤكدا اهمية ان يكون لدي القوي السياسية رؤية لمواجهة ارتفاع الاسعار، وارتفاع معدلات التضخم.
أكد الخبير الاستراتيجي ان ذلك البعد كان السبب الرئيسي في قبول بعض فئات الشعب بقرارات البرهان في 25 اكتوبر ، املا في الاستقرار الاقتصادي، ولابد من استثمار مبادرة الامم المتحدة في تقريب وجهات النظر بين المكون المدني والمكون العسكري الحاكم في السودان.
وقال الدكتور عبد الدايم ان الشعب فقد الثقة في الاحزاب المتصدرة للمشهد السياسي وهي حزب الأمة ، والحزب الاتحادي، والحزب الشيوعي، وحزب المؤتمر الديمقراطي، وحتي حركة المهنيين التي قامت علي اكتافها الثورة، ويبحث عن بديل لهذه القوي ولذلك فان اي اتفاق سياسي سوف يجد من يعترض عليه من الأطراف الأخرى .
شدد الخبير السياسي علي ضرورة حدوث تقارب بين القوي السياسية اولا ، ثم التفاوض مع المكون العسكري والنظر في تغيير الوثيقة الدستورية في ظل الغليان الذي يعيشه الشارع بحثا عن استقرار حقيقي للبلاد، وعن حل جذري للازمة الاقتصادية الطاحنة التي تعيشها البلاد.