مافيا الـ«ديب فيك».. سلاح جديد لدمار الدول
قبل سنوات كان برنامج "فوتوشوب" لتركيب الصور واحد من اشهر البرامج والذى تم استخدامه لقص ودمج بعض الصور لأغراض ربما تتعلق بالترفيه أو لأسباب أخرى وكان الشخص العادى يستطيع تمييز الصورة المفبركة عن غيرها ومع تطور وسائل الاتصال وظهور ما يعرف مؤخرًا باسم "ديب فيك" تحولت الصورة الثابتة إلى مقطع فيديو متحرك للشخص يصعب التفريق بينه وبين الحقيقى وذلك بفضل تكنولوجيا "خبيثة" يستطيع المتعامل معها تركيب صورة لشخص على مقطع فيديو من إنتاجه بنفس ملامح الوجه والجسم لتكون وسيلة لابتزازه، ولأنه مقطع فيديو يكون صعب تكذيبه من جانب المجتمع غير الواعى بخطورة الـ"ديب فيك" ليضطر الشخص المستهدف بالنهاية إلى الإقبال على الانتحار أو الخضوع لإرادة الشخص الذى يقوم بابتزازه.
"أخطر 100 مرة من برنامج فوتوشوب وهو بمثابة كارثة إذا وقع بيد الشخص الخطأ" بتلك الجملة بدأ المهندس عمار شريف "خبير البرمجة" حديثة لـ"الزمان"، مؤكدًا أن تلك التكنولوجيا منتشرة الآن فى مصر وتم ارتكاب جرائم باسمها سواء عمليات ابتزاز بقصد التربح المالى أأو التشهير، موضحًا أن تلك التكنولوجيا لم نكن مؤهلين بالوقت الراهن للتعامل معها فى ذلك وجود مئات الآلاف من الحسابات غير الموثقة على مواقع التواصل الاجتماعى والاستعمال الخاطئ لتلك التكنولوجيا الحديثة والمتطورة جدًا.
وتابع، "ديب فيك" أو التزييف العميق يشير الاسم إلى أساليب تقنية جديدة لتعديل الفيديو والمحتوى الرقمى عموماً بشكل إلى للوصول إلى غاية محددة مسبقاً حيث يمكن وضع وجه شخص عادى مكان ممثل هوليوودى فى مقطع من فيلم مثلاً أو ربما جعل سياسى شهير يقول أمراً مقولة مثيرة للجدل بصوت يبدو حقيقياً وحركة وجه مقنعة جداً، وعادة ما يتم اعتماد الذكاء الاصطناعى كأساس لإنتاج فيديوهات ديب فيك فى الواقع، حيث يعتمد الأمر على ما يعرف باسم التعلم العميق والذى يعد أحد أنواع الذكاء الاصطناعى فى الأمر، وللوصول إلى النتيجة المطلوبة، عادة ما يكون هناك حاجة لعينتين مختلفتين على الأقل للوصول إلى النتيجة. وفى حال أردنا فيديو يتضمن استبدال وجه شخص ما بوجه آخر، سيلزمنا على الأقل أمران، فيديو يتضمن الشخص الأصلى الذى سيتم استبدال وجهه لاحقاً. ومن المفضل توافر فيديوهات وصور أخرى له أيضاً، فيديو على الأقل (ومعظم الحالات تحتاج أكثر) للشخصية التى سيتم أخذ وجهها، وكلما كان المحتوى المتاح عن الشخصية التى سيتم أخذ وجهها أكثر كانت النتائج أفضل.
وأضاف، هناك أشخاص عديمى المسئولية والأمانة يقوموا بعمل تلك المقاطع بقصد الابتزاز ومن يتعرض لمثل تلك الأمور عليه التوجه مباشرة إلى مباحث الإنترنت بوزارة الداخلية لتقديم بلاغ ولدى الأجهزة الأمنية من التقنيات الحديثة ما يمكنها من تعقب ورصد هؤلاء الأشخاص وتقديمهم إلى العدالة للحصول على الجزاء المستحق.
واستطرد، ثمة أمر متعلق بالوعى وعلى الجمهور العادى أن لا يصدر أحكام متسرعة على ما يراه من مقاطع مصورة والانتظار لحين التحقق منها أو طلب المساعدة.
يتفق معه، الدكتور أمجد الشاذلى "خبير أمن المعلومات"، قائلاً: للأسف لا توجد طريقة موحدة أو أسلوب مضمون لكشف "ديب فيك" لسبب بسيط كلما تم اكتشاف مشكلة أو ثغرة أو خطأ ما عادة ما يتم تطوير خوارزميات جديدة تتجنبه وتحسن على السابق لكن وفى الكثير من الحالات يمكن ملاحظة بعض الأخطاء التى تنتج عن صنع فيديو من مواد أولية غير كافية وتتضمن بعض مؤشرات كون الفيديو هو ديب فيك أموراً مثل العيون المفتوحة بشكل غير طبيعى نتيجة قلة أو انعدام الصور التى تتضمن عيوناً مغمضة أو ترف، التشوهات الحاصلة للوجه أثناء الحركة مثل ظهور أجزاء غير منطقية تشريحياً، كذلك وجود أخطاء فى التجاعيد المحيطة بالفم أو حتى ضمنه وشمن تجاويف الوجه الأخرى مثل فتحتى الأنف.
وأضاف، عموماً من النادر أن يتم تقييم كون الفيديوهات نتيجة ديب فيك أم لا بمجرد النظر إليها بل أن معظم عمليات التقييم تتم عبر خوارزميات ذكاء اصطناعى مصممة لهذه الغاية، وبالنتيجة هناك ما يشبه سباق تسلح مستمر بين صانعى فيديوهات الزيف العميق ومطورى خوارزميات كشفها، والواقع هو أن صانعى هذا المحتوى هم المتقدمون ويمتلكون أفضلية مستمرة لا يمكن إنكارها ولكن يتم تطويع تلك المهارات فى أعمال خبيثة.
مسئولية المجتمع ومافيا الـ "ديب فيك"
على الجانب الآخر، حذر المهندس رأفت سليمان "خبير برمجة" من وسائل التواصل الاجتماعى ونشر الصور عليها سواء للفتيات أو الشباب على حد سواء مؤكدًا أن بداية الخيط يكون عبر الصور السيلفى التى يلتقطها المستخدمين لأنفسهم وتكون عالية الوضوح بما يسهل استعمالها لاحقًا فى مقطع فيديو مصور، فعلى سبيل المثال هناك "مجانين السيلفى" وهؤلاء فتيات وشباب يلتقطون عدد من الصور لأنفسهم بزوايا مختلفة وصورة أخرى بالطول للجسم بما يسهل على صانع المحتوى المزيف تركيب فيديو للشخص المستهدف، ومن ثم أتمنى عدم نشر الصور الشخصية الواضح بها الملامح لدرجة كبيرة فهى بداية الأزمة.
وتابع، مسئولية المجتمع تأتى فى ضوء القراءة والاطلاع على التكنولوجيا الحديثة والتى من خلالها يتم هدم أسر بالكامل نتيجة فضائح أخلاقية مفتعلة من جانب أشخاص غير أسوياء ورفع حالة الوعى دور الإعلام وأجهزة الدولة التى تتبنى خطاب تعريفى بخطورة تلك البرامج والمواقع وتغليظ العقوبات الرادعة للأشخاص المتورطين فى تلك الأعمال.
واستطرد، رقابة العائلة على الأبناء ضرورة فى ظل سباق التسلح التكنولوجى وتطور البرامج وفى المستقبل هناك مزيدا من التطور.
من جانبها قالت دار الإفتاء المصرية إنه لا يجوز شرعًا استخدام تقنية (التزييف العميق) لتَلْفِيق مقاطع مَرْئية أو مسموعة للأشخاص باستخدام الذكاء الاصطناعى لإظهارهم يفعلون أو يقولون شيئًا لم يفعلوه ولم يقولوه فى الحقيقة؛ لأنَّ فى ذلك كَذِبًا وغِشًّا وإخبارًا بخلاف الواقع، وفى الحديث: «مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا» (رواه مسلم)، وهو نَصٌّ قاطعٌ صريحٌ فى تحريم الغِشِّ بكل صوره وأشكاله.
وأضافت الإفتاء أن الإسلامُ إذ حثَّ على الابتكار والاختراع؛ فقد جَعَله ليس مقصودًا لذاته، بل هو وسيلة لتحقيق غَرَضٍ ما؛ لذا أحاط الإسلامُ الابتكاراتِ العلمية بسياجٍ أخلاقى يقوم على أساس التقويم والإصلاح وعدم إلحاق الضرر بالنفس أو الإضرار بالغير، فمتى كان الشىء الـمُخْتَرع وسيلة لأمرٍ مشروعٍ أخذ حكم المشروعية، ومتى كان وسيلة لأمر منهى عنه أخذ حكمه أيضًا.
وأوضحت الإفتاء عبر صفحتها على “فيس بوك”، أن اختلاق هذه المقاطع بهذه التقنية فيه قَصْدٌ الإضرار بالغير، وهو أمر منهى عنه فى حديث النبى صلى الله وعليه وآله وسلم: «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ»، إضافة لما فيها من الترويع والتهديد لحياة الناس، والشريعة الإسلامية جعلت حفظ الحياة من مقاصدها العظيمة وضرورياتها المهمة؛ حتى بالغت فى النهى عن ترويع الغير ولو بما صورته المُزْاح والترفيه.
وفى هذا الإطار، يقول المستشار أسامة الرخ المحامى بالنقض والإدارية العليا: القانون يُعاقِب على هذه الأفعال، ضمن عقوبة قانون جرائم تِقنية المعلومات، لسنة 2018، مثل اصطناع الحسابات الشخصية أو الحصول صور وبيانات الغير، تعتبر تزوير إلكترونى طِبقاً للقانون رقم 15 لسنة 2004 وهى "جُنحة"، ولا بد من تغليظ العقوبات الواردة خاصة أن مثل تلك الجرائم تهدد أمن واستقرار المجتمع وتؤدى معها إلى نشر جرائم أخرى مقترنة بالشرف.
وتابع، واجه قانون جرائم تقنية المعلومات جرائم السب والقذف عبر مواقع التواصل الإجتماعى، فى المادة 25 منه على أن يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن 6 أشهر، وبغرامة لا تقل عن 50 ألف جنيه ولا تجاوز100 ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من من اعتدى على أى من المبادئ أو القيم الأسرية فى المجتمع المصرى أو انتهك حرمة الحياة الخاصة أو أرسل بكثافة العديد من الرسائل الإلكترونية لشخص معين دون موافقته أو منح بيانات إلى نظام أو موقع إلكترونى لترويج السلع أو الخدمات دون موافقته أو القيام بالنشر عن طريق الشبكة المعلوماتية أو بإحدى وسائل تقنية المعلومات لمعلومات أو أخبار أو صور وما فى حكمها تنتهك خصوصية أى شخص دون رضاه سواء كانت المعلومات المنشورة صحيحة أم غير صحيحة.
ويعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنتين ولا تجاوز خمس سنوات، وبغرامة لا تقل عن مائة ألف جنيه ولا تجاوز ثلاثمائة ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من تعمد استعمال برنامج معلوماتى أو تقنية معلوماتية فى معالجة معطيات شخصية للغير لربطها بمحتوى مناف للآداب العامة، أو لإظهارها بطريقة من شأنها المساس باعتباره أو شرفه.