ضغوط واسعة لتغيير خارطة التحول السياسى فى السودان
استمر آلاف السودانيين فى التظاهر ضد الحكم العسكرى فى الخرطوم، متحدين الحظر المفروض على التجمع وسط العاصمة، وأطلقت قوات الأمن الغاز المسيل للدموع على الحشود وأغلقت الطرق المؤدية إلى القصر الجمهورى.
وجاءت التظاهرات الجديدة تلبية لدعوة من أحزاب سياسية وتجمعات نقابية بالمطالبة بالحكم المدنى وعدم مشاركة الجيش فى السلطة، كما طالبت لجان المقاومة وتجمع المدنيين السودانيين المحتجين بالتوجه إلى القصر الجمهورى وسط الخرطوم مع الالتزام بسلمية المظاهرات.
وكانت سلطات الأمن قد استبقت الاحتجاجات وقررت حظر التظاهر وسط العاصمة والمناطق المحيطة بالقصر الجمهورى، فيما أكد نائب رئيس مجلس السيادة السودانى الفريق محمد حمدان دقلو أن المؤسسة العسكرية لا ترغب فى الوصول إلى صناديق الاقتراع، مشيرا إلى أن حل مشكلات البلاد تتم عبر الانتخابات.
أكد دقلو على موافقة المؤسسة العسكرية استمرار المشاورات السياسية التى تبنتها الأمم المتحدة، موضحا أنهم منفتحون على التعامل مع المجتمع الدولى ولكنهم يرفضون التدخل فى شؤون البلاد الداخلية، على حد تعبيره.
وكان الفريق عبدالفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة والقائد العام للقوات المسلحة قد اتخذ عدة قرارات يوم 25 أكتوبر منها إقالة رئيس الوزراء عبدالله حمدوك وتشكيل مجلس سيادة جديد برئاسته، مما أشعل الشارع رفضا لهذه القرارات التى اعتبرها الشعب انقلابا على الشرعية.
وشهد يوم 21 نوفمبر توقيع مذكرة تفاهم بين البرهان وعبدالله حمدوك عاد بموجبه الأخير لموقعه كرئيس للوزراء، إلا أن المظاهرات أجبرته على الاستقالة مطلع شهر يناير الماضى ليبقى المشهد السياسى فى السودان غامضا.
وقالت أمل مختار الباحث بمركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية، إن المعنى الحقيقى للعدالة الانتقالية، يتلخص فى ثلاثة محاور أساسية هى إيقاف التجاوزات التى يمارسها الجيش والشرطة فى حق الشعب، ومعالجة آثارها السلبية على الضحايا وذويهم، وضمان عدم تكرار هذه التجاوزات فى المستقبل.
أضافت لـ"الزمان" أن الدور المحورى لمنظمات المجتمع المدنى والعمل المنظم لأهالى الضحايا هى أهم هذه الأدوات، كما أن التعامل مع الخبرات السابقة يكون بهدف الاستفادة والاسترشاد والتعلم والنقل الجزئى أحيانا وليس الكامل لها.
أشارت أمل إلى أن التجارب الدولية لثورات الشعوب اختلفت، فمنها ما غلب على مسارها آلية المصالحة ومنها ما غلب عليها آلية المحاكمات أو الإصلاح المؤسسى وأخرى العفو، لكن المؤكد أن كافة الخبرات الدولية اعتمدت آلية توثيق وكشف الحقيقة باعتبارها العمود الفقرى لمسار العدالة.
وفيما يخص شركاء الأجهزة الأمنية فى ممارسة الانتهاكات أشارت الباحثة إلى ما أثبتته الحقائق وقاعات المحاكم وساعات التحقيقات فى التجارب السابقة أكدت أنه لا يمكن وقوع هذا الحجم من التجاوزات والانتهاكات بحق المعارضة دون وجود شركاء، قد يكونون من رجال الإعلام أو رجال الأعمال أو نتيجة للتدخلات الخارجية.
أما الملمح الثالث الذى حددته أمل مختار عن العدالة الانتقالية فهى أن العلاقة بين احترام حقوق الإنسان والأمن القومى، ليست علاقة عكسية وقالت إن نتائج البحث الميدانى، عن انتهاك حقوق الإنسان لا علاقة له بالحفاظ على الأمن القومى.
وعقب القيادى والسياسى السودانى الدكتور الشفيع خضر، بقوله إن هناك تجاوزات حدثت فى السودان إبان حكم الرئيس المخلوع عمر البشير، تحت شعار الدفاع عن الإسلام وحمايته، حيث شهدت البلاد بداية مسار العدالة الانتقالية فى أثناء التفاوض بين الحركة الشعبية لجنوب السودان والحكومة المركزية ابان حكم عمر البشير لوقف الحرب.
أكد الشفيع إلى أنه كان يجب كتابة الحقيقة وتفعيل المصالحة الوطنية، لكن حكومة البشير قبلت بالمصالحة ورفضت الحقيقة وبالتالى توقفت عملية العدالة الانتقالية قبل أن تبدأ، وهذا هو سر استمرار المظاهرات دون توقف حتى الآن، خوفا من عودة النظام الشمولى مرة أخرى للبلاد.
أوضح الشفيع أن مفهوم العدالة الانتقالية فى السودان يجب أن يؤكد على فكرة عدم الإفلات من العقاب، بالإضافة إلى عدم قصر الجرائم على انتهاكات حقوق الإنسان بل يجب أن تتسع لتشمل جرائم الفساد المالى أيضا.
وقال الدكتور الشفيع ربما تكون هذه الخبرات العلمية والميدانية مفيدة فى فهم أن عملية العدالة الانتقالية، عملية طويلة ومعقدة وممتدة وتعتمد بالأساس على فكرة النفس الطويل، كما أنها مرتبطة بإيمان المجتمعات بأهمية تحسين جودة الحياة وعدم قصرها على تحسين المستوى الاجتماعى والاقتصادى للشعب.