تخوفات من اندلاع حرب عالمية ثالثة من البوابة الأوكرانية
يواصل الجيش الروسى عملياته العسكرية فى الأراضى الأوكرانية دون أن يحسم المعركة، الأمر الذى دعى دولا أوروبية وغربية والولايات المتحدة الأمريكية إلى فرض عقوبات ضد موسكو وقياداتها.
وأكدت الرئاسة الروسية "الكرملين"، أن كل خطط روسيا فى أوكرانيا سوف تتحقق كاملة فى المواعيد الزمنية المحددة، مؤكدة أنها لم تطلب مساعدات عسكرية من الصين وأن الخطة العسكرية فى أوكرانيا تراعى عدم سقوط مدنيين.
توقع الدكتور أشرف مؤنس مدير مركز الدراسات الاستراتيجية بجامعة عين شمس، أن يؤدى طول أمد الحرب إلى قيام حرب عالمية ثالثة ما لم تحسم خلال فترة زمنية قصيرة، نظرا لأن طول أمد الحرب سيؤدى إلى دخول أطراف أخرى فى الحرب واتساع نطاقها.
أوضح لـ"الزمان" أن الحرب العالمية الأولى بدأت فى شهر أغسطس عام 1914، ولم تدخل الدولة العثمانية الحرب إلا فى 5 نوفمبر 1914 أى بعد أربعة أشهر من بدء الحرب، بينما دخلت الولايات المتحدة الأمريكية الحرب عام 1918 أى بعد مرور أربعة أعوام كاملة على بدايتها.
أضاف الدكتور مؤنس أن أمريكا لم تدخل الحرب العالمية الثانية إلا عندما ضربت اليابان ميناء "بير هاربر" فى 7 ديسمبر 1941 أى بعد بدء الحرب بعامين كاملين، لافتا إلى محاولة الصين حاليا ضم تايوان بالقوة، مما يعنى ظهور مجموعة حروب إقليميةٍ، ستؤدى فى مجملها إلى قيام حرب عالمية ثالثة.
أكد الخبير الاستراتيجى على حتمية أن يدرك العرب مصلحتهم، بالاستعداد العسكرى لأى احتمالات قد تواجههم، لافتا إلى تخصيص المستشار الألمانى أولاف شولتس 100 مليار يورو لتحديث الجيش الألمانى بعدما وجد أن الغرب قد ترك أوكرانيا فى مواجهة الروس.
وقال مدير مركز الدراسات الاستراتيجية أن الحرب العالمية الثالثة ستكون حربا نووية لأن كل دولة نووية لن تسمح بهزيمتها أمام الأخرى، مما سيجعلها حربا مدمرة، مشيرا إلى أنشاء أمريكا 30 مفاعلا بيولوجيا حول العالم بينها 26 مفاعلا فى أوكرانيا تم تدمير 13 منهم ولا زال هناك 13 أخرى.
أشار الدكتور مؤنس إلى أن أوكرانيا كانت إحدى دول الاتحاد السوفيتى وانفصلت عنه عام 1991، وتربطها حدود مباشرة مع روسيا الاتحادية، ويمثل انضمامها إلى حلف الناتو خطرا مباشرا على الأمن القومى لروسيا، لذلك أقدم الرئيس الروسى بوتين على غزوها حتى تصبح دولة منزوعة السلاح.
فى سياق متصل أوضحت الدكتورة فايزه ملوك أستاذ التاريخ الحديث بجامعة دمنهور، أن التاريخ المشترك بين كل من روسيا وأوكرانيا يعود إلى دولة "كييف روس" التى أنشاها السلاف الشرقيون منتصف القرن التاسع الميلادى، لافتة إلى أنها ذات موقع استراتيجى على نهر "دينبر" الممتد من بحر البلطيق إلى بيزنطة.
وأضافت الخبيرة الاستراتيجية أنه بحلول القرن العاشر الميلادى امتدت سيطرة كييف روس على مساحة شاسعة من الأراضى التى تشكل حاليا معظم أراضى أوكرانيا وروسيا وبيلاروسيا وقد اشتق اسم الأخيرتين اعتمادا على تلك الحقبة.
أكدت المؤرخة أن "كييف روس" بلغت ذروتها فى عهد فلاديمير الأول الذى امتد حكمه بين عامى 798 و1015 ميلادية وهو الذى حول ديانة المملكة من الفايكنج الوثنية إلى المسيحية فصارت "كييف روس" إمارة تتبع الطائفة الأرثوذكسية وبعد وفاة فلاديمير الأول تولى الحكم ابنه ياروسلاف الذى يلقب تاريخيا بياروسلاف الحكيم.
لفتت الدكتورة فايزة إلى أنه لا تزال تلك الحقبة التاريخية محل جدل تاريخى بين كل من روسيا وأوكرانيا فى الوقت الحالى، حيث تدعى كلا من الدولتين أنها الوريث الشرعى لإمارة "كييف روس"، ففيما تمنح أوكرانيا وساما رفيعا باسم ياروسلاف الحكيم لمن يقدم خدمة جليلة للدولة تطلق موسكو اسمه على فرقاطة روسية تقوم بدوريات فى بحر البلطيق كما تحمل بعض عملات البلدين صورته.
أشارت المؤرخة إلى بذل أوكرانيا اليوم جهودا كبيرة للعثور على رفاته أملا فى أن يشكل ذلك انتصارا تاريخيا مهما فى الصراع بين البلدين، وقد جمعت بين روسيا وأوكرانيا منذ العصور الوسطى الجذور القوية الدينية للعقيدة المسيحية الأرثوذكسية.
وقالت الدكتورة فايزة إن الهيمنة الروسية على أوكرانيا بدأت منذ عام 1804 عندما أعيد تنظيم الأراضى الأوكرانية فى شكل مقاطعات روسية، كما جرى مساواة النبلاء الأوكران بالنبلاء الروس ليدخلوا رسميا فى الخدمة الإمبراطورية وبموازاة ذلك جرى حظر اللغة الأوكرانية فى المؤسسات والمدارس الأوكرانية لتحل محلها اللغة الروسية.
وقد اعتبرت الإمبراطورية الروسية كلا من أوكرانيا وبيلاروسيا جزءا أصيلا منها وحاولت تلك الإمبراطورية صهر الهوية الأوكرانية داخل إطار الثقافة والسياسة الروسية، ثم عمل المفكرون الإمبراطوريون الروس على تطوير مفهوم الأمة الروسية المكونة من ثلاثة عناصر "الروس العظام" وتطلق على أبناء مقاطعات روسيا الحالية، و"الروس الصغار" أو الأوكرانيون، "الروس البيض" أو البيلاروسيون، لكن لم تنجح تلك المصاهرة بسبب قيام الثورة البلشفية عام 1917 التى أطاحت بالنظام الإمبراطورى ومن ثم سعى السياسيون الأوكرانيون إلى إنشاء دولة خاصة بهم، وأعلنوا استقلالها عام 1918.
وتؤكد الدكتورة فايزة أن الاستقلال كان قصيرا إذ نجح البلاشفة فى إعادة السيطرة على أغلب الأراضى الأوكرانية بعد أقل من عامين، لكنهم اضطروا بعد ذلك إلى منح أوكرانيا استقلالا شكليا، باعتبارها دولة منفصلة ضمن إطار الاتحاد السوفيتى والتى جرى إنشاؤها بين عامى 1922و1923.
وقالت الخبيرة الاستراتيجية إن روسيا اعتبرت أوكرانيا ثانى دول الاتحاد السوفيتى وأكثرها أهمية بعد روسيا من حيث، المساحة، وعدد السكان، وقوة الاقتصاد، ولم تتوقف محاولات موسكو إخضاع أوكرانيا ومن أبرز تلك المحاولات ما عرف فى التاريخ باسم "هولودومور" وهى كلمة أوكرانية تعنى "القتل بالتجويع" والتى تشير إلى إجراءات عقابية نفذها الزعيم السوفيتى جوزيف ستالين بحق شعب أوكرانيا فى الفترة بين عامى 1932 و1933 وتعد أحد أكبر المجاعات فى تاريخ البشرية.
أضافت الدكتورة فايزة أنه خلال الحرب العالمية الثانية احتلت ألمانيا النازية أوكرانيا حتى عام 1944 قتلت خلالها نحو 5 ملايين أوكرانى فى القتال ضدها ومع نهاية الحرب قام ستالين بترحيل نحو 200 ألف أوكرانى من "تتار القرم" إلى سيبيريا وآسيا الوسطى بتهمة التعاون مع النازيين غير إنه فى عام 1954 ومن أجل تعزيز الوحدة بين الروس والأوكرانيين قام الزعيم السوفيتى نيكيييتا خروشوف بضم شبه جزيرة القرم إلى أوكرانيا "كهدية وكان يقطنها أغلبية من الروس مع أقلية من الأوكرانيين والتتار، وفى العام نفسه كانت روسيا قد قضت على تمرد مسلح قاده قوميون أوكران شكلوا ما عرف بالجيش الثورى الأوكرانى.
أوضحت الخبيرة السياسية أنه بعد تفكك الاتحاد السوفيتى عام 1991 حاول الإبقاء على أوكرانيا فى دائرة نفوذه السياسى بسبب احتفاظها بنحو ثلث القوة النووية السوفيتية على أراضيها، وثالث أكبر مخزون للأسلحة النووية فى العالم، فضلا عن ذلك حاولت روسيا الاتحادية الهيمنة على كييف عبر العلاقات الاقتصادية من جهة إمدادها بالغاز الروسى لكن تلك المحاولات لم تثن الأوكران عن التوجه غربا إذ أعلنت الحكومة الأوكرانية فى عام 2002 إطلاق محادثات رسمية تهدف إلى الانخراط فى حلف الناتو وهى المحاولات التى توقفت بضغط من روسيا عقب وصول الرئيس الأوكرانى المقرب من روسيا فيكتور يانوكوفيتش إلى الرئاسة عام 2010.
أكدت الدكتورة فايزة أنه على مدار ثلاثة عقود توسع حلف الناتو فى كافة دول وارسو "دول الاتحاد السوفيتى السابقة" فى أوروبا تقريبا وشمل ذلك رومانيا وبلغاريا وبولندا ودول البلطيق ثلاث "ليتوانيا"، و"لاتفيا"، و"استونيا"، وبالتالى لم يعد هناك ما يفصل بين روسيا ودول الناتو الأوروبية سوى أوكرانيا وبيلاروسيا لذلك كان من الصعب على موسكو التنازل عن أوكرانيا بسهولة وإلا فمن الممكن أن تجد صواريخ الناتو منصوبة على بعد 200 كيلو متر فقط من سانت بطرسبرج لذلك سحبت روسيا هديتها بعد الثورة الأوكرانية وأرسل بوتين قوات عسكرية سيطرت بشكل خاطف على شبه جزيرة القرم.
أوضحت الخبيرة الاستراتيجية أنه وبرغم محاولات نزع فتيل الأزمة بين أطراف النزاع بواسطة كل من ألمانيا وفرنسا والتى أسفرت عن توقيع بروتوكول "مينسك 1" عام 2014، ومينسك 2 عام 2015 والتى نصت على وقت إطلاق النار فإن الصراع فى المنطقة ما لبث أن تجدد فى أكتوبر عام 2021.
وترى الدكتورة فايزة أن روسيا استغلت استخدام أوكرانيا طائرات "بيرقدار" المسيرة بدون طيار والتى اشترتها كييف من تركيا لتتهم أوكرانيا بانتهاك اتفاق مينسك، ومن ثم فإن موسكو تصر على أنها لم تعد تثق بوعود وتطمينات الغرب وتطالب بالعديد من المطالب الأمنية أبرزها امتناع الناتو عن ضم أوكرانيا مستقبلا وهو المطلب الذى ترفضه القوى الغربية حتى الآن ليبقى الباب مفتوحا على كل الاحتمالات التى تهدد أوكرانيا من قبل الاتحاد السوفيتى فى المرحلة القادمة.