وكيل الأزهر: نرفض الأعمال الفنية المضرة لعقائد الناس أو ثقافة المجتمع وأخلاقياته
قال فضيلة الدكتور محمد الضويني، وكيل الأزهر، إن مؤتمر كلية الإعلام بجامعة الأزهر يؤكد يقظة الأزهر ورجاله، ووعيهم بالواقع وما يدور فيه، وإدراكهم لواجبهم تجاه وطنهم وأمتهم؛ فها هو المؤتمر يناقش إحدى أهم القضايا التي يجب أن يحمل علماء الأمة جميعا همها، وهي قضية «الإعلام العربي والمبادرات الوطنية في ضوء أهداف التنمية المستدامة».
وأضاف أن المؤتمر يثبت أن كلية الإعلام بجامعة الأزهر متفاعلة ومواكبة لما يجري في الساحة من حراك اجتماعي وإعلامي وديني، وأتوقع أن يحمل هذا المؤتمر كثيرا من المضامين والمفاهيم التي تحتاجها الأمة، خاصة في ظل ما تشهده الساحة الدولية من حراك على جميع الأصعدة، مبينًا أن الإعلام والمبادرات الوطنية والتنمية المستدامة لا ينفصلوا ولا ينبغي لهم أن ينفصلوا، بل الواجب أن يكون بينهم من التكامل ما يعين الأمة على مواجهة التحديات الداخلية والخارجية.
وأكد وكيل الأزهر أن الكلمة كانت وما زالت أقوى سلاح عرفته البشرية على مدى تاريخها، فبكلمة تقوم الحروب، وبكلمة تنتهي، وأنها اليوم قد زاد سلطانها وتأثيرها؛ بما توفر لها من عوامل تقنية سمعية وبصرية معينة، تجعلها تنتقل من مكان إلى آخر بسرعة عجيبة، وتتيح لها أن تستقر في القلوب والعقول، وأن تغير الآراء والقناعات، وأنه في ضوء ما نراه في الواقع من اضطراب يمس الهويات، ويهدد المجتمعات، ويخترق الخصوصيات يصبح الإعلام مسئولا بدرجة كبيرة عن بناء الوعي، وصيانة المجتمع، ويصبح صناع الإعلام أمناء على الأوطان.
وبين الدكتور الضويني أن الأزهر الشريف كمرجعية كبرى للإسلام والمسلمين يقع عليه عبء كبير خاصة في مجال المحافظة على الهوية الإسلامية والشخصية الوطنية، وحمايتها من أي محاولة للعبث بمكوناتهما، ومن هنا فإن الأزهر الشريف لا يقف مكتوف الأيدي أمام المحاولات البائسة التي تتخذ الإعلام وسيلة لتشكيك الناس في عقائدهم وهوياتهم وأفكارهم؛ فما لهذا الدور وجدت وسائل الإعلام! وما كان للأزهر أن يصمت عن قول الحق!، مضيفًا أنه إذا كان العلماء المتخصصون يؤكدون أن الإعلام قادر على التأثير في عقول الناس وقلوبهم، ومن ثم في سلوكياتهم واتجاهاتهم فإن الاعتماد على الإعلام البصير الصادق -بوسائله المتنوعة وآلياته المتعددة- أصبح ضرورة لا غنى عنه.
وأكد وكيل الأزهر أن وسائل الإعلام اليوم غزت العقول والقلوب، وغيرت الاتجاهات والسلوكيات، واقتحمت على الناس بيوتهم وخصوصياتهم، وصار الناس يلتفون حولها ويحملونها بين أيديهم يتصفحون المواقع ويطالعون الأخبار من كل مكان، وفي كل مكان، ويسمعون للصالح والطالح دون تمييز بينهما، وبهذا الوصف تتأكد قوة الإعلام المعاصر وخطورته، ومن هنا تأتي أهمية عقد هذا المؤتمر ليضع الإعلام العربي أمام مسؤوليته، وليبصر صناع الإعلام بخطورة المرحلة الحالية، والتي بدأت معالمها منذ سنوات ما يطلقون عليه «الربيع العربي» الذي بات خريفا يهدد تقدم الأوطان ورقيها.
وأطلق وكيل الأزهر نداء للمخلصين من أبناء الأمتين العربية والإسلامية أن يتنبهوا لما يحدث من استخدام مغلوط لوسائل الإعلام، حيث يروج لأفكار وقناعات غريبة تعمل على بث الفتن، وتدمير العقول، وتستهدف شباب الأمة لتسلبه هويته، وتذهب به بعيدا عن قضايا أمته، متسائلًا أنه في ضوء ما للإعلام ووسائله من قوة وتأثير ألم يأن استخدام التقنيات الحديثة في إيجاد تواصل مثمر بين علماء الأمة ومفكريها، للعمل معا على ما يصون الهوية، ويحفظ المجتمع؟ ولماذا لا تكون تقنيات الإعلام الرقمي مجالا للاستثمار الفكري؛ حتى نحمي شبابنا ووطننا وأمتنا؟.
وأكد وكيل الأزهر أن زيادة الدخل ليست المؤشر الوحيد للدلالة على التنمية، وإنما تتحقق التنمية بتكامل عوامل كثيرة، منها «الإعلام المنتج» إن صح التعبير، وأنه في ظل الصعود الكبير لوسائل الإعلام الجديدة التي أثرت كثيرا على النماذج التقليدية للإعلام أصبح غالبية القراء، خاصة من الأجيال الحديثة، يتوجهون إلى أجهزتهم الذكية لمعرفة ما يجري حولهم، بعيدا عن الأساليب العتيقة، ومن هنا نؤكد أن الإعلام عليه دور كبير في حمل الحقيقة إلى الناس دون زيادة أو نقصان، بما يبث الثقة والوعي الصحيح فيهم في قضايا الدين والدنيا، ويعمل على نشر الفضائل، والتحذير من الرذائل وإصلاح الخلل، ويربي على الجد والعمل ونبذ الكسل، وهذا هو الاستثمار الحقيقي في الفكر الإسلامي، مبينًا أنه إذا كانت الحكومات تتبنى برامج إصلاحية وسياسات تنموية تستهدف تأمين حياة كريمة للناس؛ فإن ضمانة نجاح هذه البرامج أن يشارك فيها شعب على درجة كبيرة من الوعي، وهنا يأتي دور الإعلام بوسائله المسموعة والمقروءة والمرئية باعتباره شريكا أساسيا في صناعة الوعي، ومن ثم في صناعة التنمية.
وطالب وكيل الأزهر صناع الإعلام ومتخصصيه، بالإسراع في وضع رؤية مستقبلية للإعلام المصري والعربي يستثمر فيها فكرنا الإسلامي استثمارا يحمي المجتمع من المؤامرات التي تحاول النيل منه، وتوجد خطابا إعلاميا متجددا يعمل على نشر القيم الإسلامية، وتأكيد الهوية المصرية والعربية، ويعمل على مساندة وتعزيز جهود الدولة من أجل التنمية والاستقرار، وتوجيهه الوجهة الصحيحة، وذلك بناء على أن مواثيق الشرف الإعلامي المتعددة، والتي توجب بنودها على الإعلام العربي: «أن يعمل على تأكيد القيم الدينية والأخلاقية الثابتة، والمثل العليا المتراكمة في التراث البشري، وأن ينشد الحقيقة المجردة في خدمة الحق والخير، ويسعى إلى شد الأواصر، وتعميق التفاهم والتفاعل والتبادل، ماديا ومعنويا، في المجتمع العربي والدولي».
وشدد وكيل الأزهر على أن الشائعات هي الخطر الأكبر على أوطاننا، والمادة الدسمة للحوار على المواقع والبرامج فيجب أن تضع المؤسسات التعليمية والدعوية والاجتماعية والإعلامية على رأس أولوياتها البرامج المناسبة المحذرة من مخاطر الشائعات وآثارها السلبية، ولمؤسسات الدولة أن تضع العقوبات الرادعة لمن يقفون وراء الشائعات ومن يروجونها، مؤكدًا على شدة الحاجة إلى كل عمل فني هادف يرسخ القيم المجتمعية والأخلاقية، وينشر الفضيلة، وأما الأعمال الفنية التي تضر بعقائد الناس، أو ثقافة المجتمع وأخلاقياته، وتهدد الهوية بمكوناتها فمرفوضة، وإن تسترت بشعار الحرية البراق، وإذا كان للفرد حق الحرية فللوطن حقوق الهوية، والحرية التزام ومسؤولية، وليست انفلاتا، مقترحًا على المنتجين أن يعملوا على تقديم قدوات صالحة ومفيدة للشباب تذكرهم بتاريخهم، وتؤصل فيهم القيم الأخلاقية التي تميزت بها أمتنا، بدلا من تقديم المجرمين والمفسدين في صورة جذابة ومرحة تقتل في نفوس الشباب الإحساس بجرم المعصية.
واختتم وكيل الأزهر كلمته بأنه يثق أن الرؤية الإعلامية الوطنية بصيرة بما يجب أن يقدم للناس، وما يجب أن يحجب عنهم؛ تحقيقا لوعيهم، وصيانة لهويتهم، وبمن يحق له الكلام في الشأن الديني من المتخصصين المؤهلين، ومن لا يحق له ذلك، موضحًا أن الإعلام الرقمي أصبح وسيلة جديدة تستهوي الشباب العربي لما توفره من فرص في حرية التعبير والقدرة على التواصل والانتشار عالميا، وباتت وسائل الإعلام تقوم بدور إيجابي في المعاونة على تحقيق الخطط والأهداف التنموية في الدول باعتبارها جزءا مهما من التطور القومي، وارتباطها بالنظام الاجتماعي والسياسي والاقتصادي في المجتمع الذي تعمل في إطاره، حيث يصبح نجاح خطط التنمية المستدامة مرهونا بالمشاركة الإيجابية للقوى المنتجة من خلال الإعلام المخطط له، ودوره في التوعية والتربية والتثقيف ما يتطلب إعداد سياسات إعلامية وطنية تحدد الأولويات وترسم الوسائل لبلوغ الأهداف المرجوة انطلاقا من أن الإعلام المنتج شريك في التنمية، وأن الإعلام الرديء يعطل مسيرة التنمية في مراحلها كافة، وعلى الإعلام وصناعه ومتخصصيه ومسؤوليه أن يتذكروا دائما قول الله تعالى: «فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض».