الزمان
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرإلهام شرشر

تقارير

كواليس الخطة الأمريكية لإنهاء الحرب فى غزة

كتب: محمد عبدالمنصف

أعلن الرئيس الأمريكى جون بايدن هذا الأسبوع عن خطة لوقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة المقاومة حماس فى قطاع غزة تضمنت ثلاثة خطوات الأولى مدتها 6 أسابيع وتشمل الإعلان عن وقف كامل وشامل لإطلاق النار بين الجانبين، وانسحاب كافة القوات الإسرائيلية من المناطق المأهولة بالسكان فى غزة، وإطلاق سراح عدد من الرهائن بما فيهم النساء والشيوخ والجرحى الإسرائيليين، مقابل الإفراح عن مئات السجناء الفلسطينيين.

وعودة المدنيون الفلسطينيون إلى منازلهم فى كل مدن قطاع غزة، بما فى ذلك مناطق الشمال، مع زيادة كمية المساعدات الإنسانية إلى 660 شاحنة، يوما إلى غزة بشرط توزيع المساعدات بشكل آمن على كافة المحتاجين فى إطار وقف إطلاق النار، وسيقوم المجتمع الدولى بتسليم مئات الآلاف من الملاجئ المؤقتة، بما فى ذلك الوحدات السكنية للأهالى كمقدمة لاستعادة الحياة من جديد بالقطاع.

تضمنت الخطة دخول إسرائيل وحماس فى مفاوضات خلال الأسابيع الستة التى تتكون منها المرحلة الأولى على الترتيبات اللازمة للوصول إلى المرحلة الثانية، والتى تشتمل على وقف نهائى للأعمال العدائية، بين الجانبين فإذا استغرقت المفاوضات أكثر من 6 أسابيع فيستواصل وقف إطلاق النار طالما كانت المفاوضات مستمرة، على أن تعمل كلا من الولايات المتحدة ومصر وقطر على ضمان استمرار المفاوضات إلى حين التوصل لكافة الترتيبات والتمكن من الشروع فى المرحلة الثانية.

وتتضمن المرحلة الثانية الإفراج عن كافة الرهائن الأحياء المتبقين لدى حماس بما فيهم الجنود الرجال، وانسحاب القوات الإسرائيلية من غزة، وأن يتحول وقف إطلاق النار المؤقت بحسب العبارات التى استخدمها الإقتراح الإسرائيلى إلى "وقف دائم للأعمال العدائية" فى حال نفذت حركة حماس التزاماتها، فيما تتضمن المرحلة الثالثة اطلاق خطة كبرى لإعادة إعمار غزة، يتم خلالها إعادة رفات من تبقى من الرهائن الإسرائيليين الذين قتلوا إلى عائلاتهم.

أكد الرئيس الأمريكى أن قوات حماس قد تعرضت على مدى 8 أشهر لمخاطر جعلتها غير قادرة على شن هجوم مماثل ليوم 7 أكتوبر وهو هدف رئيسى من أهداف الحرب، لافتا إلى أن استمرار الحرب إلى أجل غير مسمى لن يعيد الرهائن إلى منازلهم ولن يحقق الهزيمة الدائمة لحماس ولن تؤمن الأمن الدائم لإسرائيل، ولكن سيؤدى النهج المتكامل الذى يبدأ بهذه الصفقة إلى إعادة الرهائن إلى منازلهم ويحقق المزيد من الأمن لإسرائيل.

لفت الرئيس الأمريكى إلى بدء عملية إعادة إعمار غزة من خلال الصفقة المتبادلة، لافتا إلى قيام الدول العربية والمجتمع الدولى والقادة الفلسطينيون والإسرائيليون بالإشراف على مراحل اعادة الإعمار بصورة لا تتيح إعادة تسليح حركة حماس، وستعمل الولايات المتحدة الأمريكية مع شركائها على إعادة بناء المنازل والمدارس والمستشفيات فى القطاع للمساعدة فى إصلاح الأحياء التى دمرت فى خضم فوضى الحرب.

توقع اللواء دكتور محمد عبدالله الشهاوى عضو المجلس المصرى للشئون الخارجية، أن تقبل كلا من الحكومة الإسرائيلية برئاسة بنيامين نتنياهو وقادة حركة حماس للمبادرة الأمريكية، بعد انخراط الجانبين فى حرب شرسة استمرت 8 أشهر متتالية دون أن يحقق أيا من الطرفين نصرا حاسما على الآخر.

أوضح لـ"الزمان" أن رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو وعد شعبه بالقضاء على حركة حماس عسكريا، ولم يتمكن من ذلك طوال هذه الفترة بل لا زالت قادرة على توجيه ضربات موجعة لقواته، كما وعد باستعادة الأسرى الإسرائيليين بالحل العسكرى ولم ينجح فى الوصول إلى مواقعهم بل كانت هجماته بالطائرات على مواقع المقاومة سببا فى موت بعضهم، وأعلن انه سيسيطر على كافة إحياء قطاع غزة ولم يستطع ذلك أى أنه فشل فى تحقيق وعوده الثلاثة.

أضاف الخبير العسكرى أن الخسائر الإسرائيلية بسبب المعارك بلغت أكثر من 3 آلاف قتيل حتى الآن، بخلاف آلاف الجرحى والمصابين بعاهات مستديمة، لذلك فإن الحل الوحيد أمام نتنياهو سيكون القبول بالهدنة التى اقترحتها الولايات المتحدة الأمريكية ومعها كلا من مصر وقطر، على اعتبار أن الإقليم فى حاجة لوقف إراقة الدماء.

من جانبه توقع الدكتور إسماعيل صبرى مقلد أستاذ العلوم السياسية بجامعة أسيوط، أن تتضمن الخطة الأمريكية صفقة سياسية تبدأ بتطبيع العلاقات السعودية الإسرائيلية، والتوقيع رسميا على ميثاق أمن مشترك أو اتفاق دفاعى استراتيجى شامل بين الولايات المتحدة الأمريكية والسعودية، وهو الاتفاق الذى انتهى الطرفان إلى صياغة كافة تفاصيله ولم يبقى أمامهما سوى إعلانه فور تطبيع السعودية لعلاقاتها مع إسرائيل، وهو ما أتصور أنه بات وشيكا.

أوضح الخبير السياسى أن إدارة الرئيس بايدن على أبواب انتخابات جديدة وتريد إرسال رسالة للعالم، مفادها أنها تبذل أقصى ما فى وسعها دبلوماسيا لوضع نهاية قريبة لهذه الحرب التى أثارت قطاعات واسعة من الرأى العام الدولى ضده وضد الدور الأمريكى فيها، وهى موجة الاستياء التى امتدت إلى داخل الولايات المتحدة نفسها، وإلى العديد من الدول الأوروبية الأعضاء فى حلف الناتو.

أضاف أستاذ العلوم السياسية أن معارضة السياسة الأمريكية تعاظمت عالميا بشكل مثل إحراجا متزايدا للإدارة الأمريكية بسبب موقفها المنحاز لإسرائيل على طول الخط بالرغم من بشاعة الحرب، بصورة ترقى إلى أن تكون حرب إبادة جماعية تحظرها كافة القوانين والمواثيق الدولية، ومعنى ذلك أنه يستهدف أولا امتصاص هذه الموجة الدولية المتصاعدة من التذمر والاستياء والغضب إزاء الموقف الأمريكى من الحرب فى غزة.

لفت المحلل الاستراتيجى إلى أنه يستهدف كذلك تهدئة الداخل الأمريكى المتوتر، قبل انطلاق الانتخابات الرئاسية بعد أربعة أشهر، وبإعلانه عن هذه المبادرة لإحلال السلام فى الشرق الأوسط، التى نسبها للإسرائيليين، يكون قد بيض وجه إدارته وحسين من سمعتها التى هوت إلى الحضيض بسبب هذه الحرب، ولم يعد أمامه غير أن يفعل ذلك الشو الإعلامى المفتعل والمبالغ فى إخراجه ليحدث التأثير النفسى المطلوب، ولا يهم بعدها أن تنجح المبادرة أو تفشل.

أكد الدكتور إسماعيل أنه وسط هذه الأجواء المرتبكة والغامضة، وبالرغم من تمسك الحكومة الإسرائيلية بمواقفها المتصلبة من إدارتها لحربها على غزة ورفضها التراجع عنها بذريعة القضاء على حماس، سوف تبدأ عملية تطبيع العلاقات وتبادل الاعتراف الدبلوماسى الكامل بين السعودية وإسرائيل، وهو ما كان قد تم الاتفاق عليه من قبل إلا أن الإعلان عنه قد تأجل بسبب الحرب على غزة، وبإعلان بايدن الأخير عن مبادرة سلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، يكون قد فتح الباب على مصراعيه للتطبيع بين العرب والإسرائيليين.

توقع أستاذ العلوم السياسية أن يشمل التطبيع التوقيع رسميا على اتفاقية الدفاع الأمنى المشتركة بين أمريكا والسعودية والتى وصفها مستشار الأمن القومى الأمريكى "جيك سوليفان"، بأنه اتفاق دفاع استراتيجى شامل وغير مسبوق فى أهميته ومداه، وهو ما يعنى اندماج السعودية مع إسرائيل فى نظام دفاعى شرق أوسطى كبير تقوده الولايات المتحدة وتتولى فيه توزيع المهام والأدوار على الدول المشتركة فيه، وأهمها إسقاط فكرة أن إسرائيل عدو العرب.

حذر الخبير السياسى من أن تؤدى هذه الشراكة إلى اعتبار إيران من جديد هى العدو المشترك للجميع وهو الوهم الذى يمكن أن يجد صدى مسموعا لدى الخليجيين بشكل خاص، وتعنيه الإدارة الأمريكية من إدماج إسرائيل فى الشرق الأوسط حال انتهاء الحرب فى غزة، فإذا نجحت فى ذلك تكون إدارة الرئيس جون بايدن قد حققت ما عجزت عن تحقيقه كل الإدارات الأمريكية السابقة.

وهو أن تجعل من إسرائيل فاعلا إقليميا حاضرا ومؤثرا فى هذه المنطقة الاستراتيجية والمهمة من العالم، وأن تحظى باعتراف معظم دول المنطقة بها على الرغم من كل ما اقترفته فى غزة من انتهاكات وجرائم ضد الإنسانية ومن مجازر وحشية لم يسبق لها مثيل، وهو ما تراهن عليه إدارة بايدن وترى أنه سيعيدها إلى البيت الأبيض فى نوفمبر المقبل من جديد.

وقال الدكتور إسماعيل أن الرهان الآن على مدى تجاوب الحكومة الإسرائيلية مع الخطة الأمريكية خاصة أن ردود فعلها من إعلان الرئيس بايدن عن الصفقة، جاءت سلبية وغير داعمة لها بل ومعترضة على العديد من بنودها، وهو ما سوف يضعف هذه الخطة ويضربها فى الصميم، بل قد يؤدى إلى الدفع بها فى متاهة كبيرة من التاويلات والانتقادات والاعتراضات الإسرائيلية عليها.

أشار الخبير السياسى إلى دعوة المعارضة الإسرائيلية إلى حل الكنيست وإجراء انتخابات برلمانية مبكرة، ومعارضة حكومة نتنياهو لموقف المعارضة الذى يثير النزاع والانقسام وقت الحرب، مما يجعل المشهد السياسى الداخلى فى إسرائيل أكثر تعقيدا وغموضا، مما قد يزيد من تطرف حكومة نتنياهو فى مواقفها ومن تصميمها على مواصلة الحرب حتى النهاية مهما استغرق الأمر من وقت أو تكلف من جهد، مؤكدا أن التزام إسرائيل بتنفيذ ما تضمنته هذه الخطة الثلاثية لن يتجاوز بأى حال من الأحوال مرحلتها الأولى التى يتم فيها الإفراج عن رهائنها المحتجزين لدى حماس، وهو كل ما يعنيها من هذا الاتفاق.

click here click here click here nawy nawy nawy