في عهد الرئيس السيسي.. اهبطوا «صعيد مصر» فإن لكم ما سألتم
«الصعيد بلا ناسه صخرة يكسوها الرمال.. عانى أهله لعقود طويلة من الظلم والإهمال»، هكذا هو حال الصعيد أو بالأحرى الجنوب المنسى، الذى غض المسؤولون عنه الطرف، فلا تنمية نفعتهم، ولا خطط عصمتهم من عواقب الحياة التى يعيشونها اليوم.
ترصد «الزمان» من خلال السطور القليلة التالية، مجموعة من القضايا والمشكلات التى تهم أبناء الجنوب المنسى، ولعل من أهمها، تنمية الوجه القبلى على صعيد التعليم والصحة والنقل، وماذا حققت الخريطة الاستثمارية فى الصعيد من إنجاز حقيقى، وإلى متى تستمر ظاهرة عشوائيات الصعيد، ومتى تنتهى «فلسفة البقاء للأقوى، وغياب العدالة»، ودور الجهات الأمنية فى الصعيد للحد من معدلات الجريمة، والمعوقات التى تعيشها المرأة الصعيدية، والرياضة والفن فى حياة أبناء الجنوب، ونظرة الغرب لأهالى الصعيد.
صعيد مصر فى عيون الرؤساء
جمال عبدالناصر
فى عهد ناصر استطاعت مصر أن تقيم واحدة من أكبر مشاريعها فى القرن الواحد والعشرين، إذ قام الرئيس جمال عبدالناصر بتوجيه العاملين بالدولة ببناء مشروع السد العالى في أحد محافظات الصعيد، وهي أسوان.
الســــادات
لم يكن حال الصعيد فى عهد السادات كسابقه، إذ تراجع النشاط الزراعى فى قرى ونجوع الصعيد، وفشلت المدن الصناعية لعدم وجود بنية أساسية، وعدم وجود الحافز الذى يشجع المستثمر على الذهاب للصعيد، وذلك لاهتمام السادات فى فترة عهده بالإعداد للحرب، مما أدى إلى أن أغلبية المدن الصناعية، التى تم إنشاؤها أغلقت أبوابها، والعمالة هاجرت إلى الخارج، مما أدى إلى زيادة نسب البطالة والجهل والمرض.
مبـــــارك
افتتح مبارك مطار سوهاج الدولى، الذى أقامته القوات المسلحة على مساحة 18 ألف متر مربع جنوب مدينة سوهاج، على امتداد طريق «القاهرة ـ أسيوط» الغربى للمساهمة فى دفع عجلة التنمية فى محافظات ومدن الصعيد، وتشجيع الاستثمار والسياحة وإقامة مجتمعات صناعية جديدة وزراعية وعمرانية جديدة تنقل الكثافة السكانية بعيدًا عن الوادى الضيق.
وأقيم كذلك فى عهد الرئيس مبارك عدد من المشروعات التنموية والخدمية التى تستهدف الارتقاء بالخدمات الجماهيرية، وتحسين الأحوال المعيشية للمواطنين، وزيادة فرص التشغيل للشباب والخريجين، إذ افتتح مجمع خطوط الغاز الطبيعى بغرب النيل فى أسوان، الذى يعد أكبر شريان لنقل الغاز الطبيعى فى تاريخ مصر ويمثل ركيزة مهمة لإنشاء شبكة الغاز الأفريقية، بداية بالربط مع السودان، ثم دول حوض النيل، كما أنه يتيح مصدرًا للطاقة النظيفة للمنازل والمنشآت السياحية والاستخدامات التجارية والصناعية لأبناء الصعيد وترشيد استهلاك المنتجات البترولية.
محمد مرسى
كان من أهم ما أعلن عنه فى عهد الدكتور محمد مرسى، لتطوير محافظات الصعيد، هو مشروع المثلث الذهبى للثروة المعدنية، وتم تحديد 7.4 مليار جنيه لتنفيذه، ولكن هذا المشروع لم يكتمل.
الرئيس السيسى
اهتم الرئيس عبدالفتاح السيسى بالصعيد منذ توليه مسؤولية البلاد فى يونيو من عام 2014، حيث توالت المشاريع التنموية على قرى ونجوع الصعيد، ومن ضمنها تخصيص 106 آلاف وحدة سكنية فى مشروع الإسكان الاجتماعى، لمحافظات الصعيد بدءًا من الفيوم وحتى أسوان بتكلفة تصل إلى 18 مليار جنيه، وكذلك 40 ألف وحدة سيتم الانتهاء من تنفيذها فى يونيو المقبل، إضافة إلى 40 ألف وحدة سكنية فى مراحل الطرح والإسناد.
بالإضافة إلى إنشاء 5 مدن جديدة فى محافظات الصعيد لتضاف إلى 10 مدن جديدة قائمة، فضلًا عن 14 مليار جنيه أخرى مخطط لإنفاقها على المدن الجديدة خلال الفترة المقبلة.
كما تم تنمية 5 آلاف منزل ريفى فى القرى الأكثر فقرًا بتكلفة تجاوزت 240 مليون جنيه، وأيضًا 68 مشروع مياه وصرف صحى مخطط له هذا العام بتكلفة 3.6 مليار منهم، وتطوير 6 مناطق فى قنا وسوهاج بهدف جذب الاستثمارات، وإنشاء مدينة للنسيج فى المنيا، ومشروع للنباتات الطبية فى بنى سويف والمنيا والأقصر.
وتنفيذ مشروع المثلث الذهبى، بحجم استثمارات خارجية تزيد عن 18.5 مليار دولار ليستوعب 2 مليون نسمة ويوفر أكثر من 500 ألف فرصة عمل و8 مليارات دولار دخلًا للدولة فى العام الواحد.
كما تم التخطيط لإقامة 9 مشاريع لتنمية الزراعة فى جنوب الصعيد، وهى مشروع دعم التنمية الريفية بتمويل من الاتحاد الأوروبى قيمته ١٠ ملايين يورو، ويتم فى بنى سويف والفيوم والمنيا، كما تم إنشاء محطة لتجميد وتخزين المحاصيل لعدم إهدار أو تلف المحاصيل الزراعية، وكذلك مشروع المليون ونصف المليون فدان، وهو أحد أهم المشروعات القومية لتنمية صعيد مصر، فضلًا عن المشروع القومى الثانى وهو الإنتاج الحيوانى الخاص بالثروة الحيوانية والمقام خلف بحيرة السد العالى.
التعليم والصحة والنقل فى الصعيد
صعيد بلا تعليم.. وطلاب بلا مدارس
بالنظر إلى المناطق المحرومة من التعليم الأساسى، التى حددها التقرير الذى صدر مؤخرًا عن الهيئة العامة للأبنية التعليمية، والذى يؤكد أن هناك 2066 منطقة محرومة من مدارس التعليم الأساسى، فى 17 محافظة، تأتى محافظات الصعيد على رأسها، إذ تقع سوهاج على رأس القائمة بـ351 منطقة بلا مدارس، تليها محافظة قنا بــ303 مناطق محرومة من المدارس، بين قرى ونجوع وكفور، فيما تحتل محافظة المنيا المرتبة الثالثة بين المحافظات الأكثر حرمانًا من المدارس، ويوجد بها 291 منطقة محرومة من المدارس.
فى هذا الصدد انتقد الدكتور كمال مغيث، الخبير التربوى، أوضاع التعليم المصرى كافة، وبشكل خاص التعليم فى قرى ومراكز صعيد مصر، معتبرًا وضع التعليم فيه مخزيًا ومؤسفًا، مشيرًا إلى أن الوزارة ليس لديها خطة لمعالجة أوضاع التعليم المتردية والتى تزداد سوءًا يوميًا.
واستدل مغيث فى تصريحات لـ«الزمان»، بأن الفوضى التعليمية تجتاح قرى ومراكز الصعيد من أبنية تعليمية مهددة بالسقوط على الطلاب من آن لآخر، وقلة عدد المدارس، قائلًا: «قلب الصعيد بلا تنمية، فالمدارس مليئة بانتهاك الأعراض والخناقات وحالة المدرسين متدنية ومزرية».
الدكتور كمال مغيث-الخبير التربوى
بينما قال طارق نور الدين، مساعد وزير التربية والتعليم سابقًا، إن الصعيد يعانى مشكلة التسرب من التعليم بشقيه، سواء من عدم الحضور من الأصل إلى المدارس أو عدم الانتظام.
وأوضح نور الدين أن علاج مشكلة التسرب لا يتم فقط بتحفيز أولياء الأمور بالمال، فهناك مناطق ليس بها من الأساس مدارس لتعليم الطلاب، وبالتالى فالوزارة عالجت جانبًا من الأزمة فقط، موضحًا أنها يجب أن تضع قاعدة بيانات لتسرب الطلاب، وأن تعمل على المناطق التى تزيد بها نسبة التسرب عن 7% كما هو متبع فى العالم، بجانب عمل ندوات تثقيفية لأولياء الأمور لتعريفهم بقيمة التعليم.
طارق نور الدين، مساعد وزير التربية والتعليم سابقًا
النائب فايز إبراهيم بركات، عضو اللجنة التعليمية بالبرلمان، كان له وجهة نظر مختلفة مع خبراء التعليم فى مصر، إذ أشار إلى أن السبب فى تدهور التعليم فى صعيد مصر هو عدم تحديد الجهات الأكثر احتياجًا لعملية التطوير، فالتعليم متهالك فى مصر بشكل عام وفى الصعيد لوجود مناطق متطرفة بعيدة عن الخدمات.
وأضاف بركات لـ «الزمان» أن وزير التربية والتعليم التقى بنا فى اللجنة التعليمية بالبرلمان واستعرض معنا استراتيجية تطوير التعليم التى جاء بها، موضحًا أنه يأمل فى سرعة تطبيقها خلال السنوات المقبلة، مضيفًا أن الدكتور طارق شوقى لديه إمكانيات ورؤى تؤهله للوصول إلى نتائج متقدمة فيما يخص ملف تطوير التعليم.
وتابع: خبراء التعليم فى مصر ليسوا على دراية كافية بالملف وكلامهم ليس مسلمات لا يمكن نقدها وتحليلها، منوهًا إلى أنه خلال 5 سنوات ستكون هناك منظومة تعليمية قوية فى البلد.
النائب فايز إبراهيم بركات-عضو اللجنة التعليمية بالبرلمان
«صحة الصعيد» تعانى من الأمراض النادرة
قال الدكتور محمد النبوى، عضو نقابة الأطباء الفرعية بصعيد مصر، إن المنظومة الصحية للصعيد تعانى العديد من أوجه القصور، لافتًا إلى أن السبب الرئيسى فى فشل أى منظومة صحية، هو ضعف الإمكانيات وعدم وجود أجهزة طبية حديثة.
وأوضح النبوى، فى تصريحات خاصة لـ«الزمان» أن أبناء الصعيد يعانون كثيرًا فى السفر إلى القاهرة يوميًا من أجل تلقى العلاج، خاصة أصحاب الأمراض الخبيثة مثل السرطان والأورام، وهذا ما يجعل أهالى الصعيد فى معزل عن الدولة، مشيرًا إلى أن الصعيد هو أصل مصر، ولابد من اهتمام الدولة بأهله بل وتوفير مستشفيات حديثة لهم من أجل خدمة أفضل، قائلًا: «هل يعقل أن صعيد مصر دون مستشفى لعلاج السرطان، ونعمل حاليًا على جمع تبرعات من الأهالى حتى نبنى مستشفى بالتعاون مع القطاع الخاص».
وأضاف، أن مستشفيات الصعيد أصبحت حاليًا لا تليق بالمرضى، وخير دليل على ذلك انتشار الأمراض المعدية، ومنها الإيبولا والملاريا، فجميع هذه الأمراض ظهرت فى الصعيد، وذلك له مؤشر خطير وهو غياب منظومة مكافحة العدوى فى المستشفيات بالصعيد.
«نقل الصعيد» نقطة مضيئة لحياة أبناء الجنوب
أما نصيب صعيد مصر من المشاريع التى تقوم بها وزارة النقل، فهناك خطة وضعتها الوزارة من أجل النهوض بشبكة الطرق، وغيرها من السكك الحديدية، ومنها إعادة هيكلة محطات السكك الحديدية وضخ استثمارات إضافية من أجل النهوض بالمنظومة.
في هذا الإطار، كشف المهندس مدحت عامر رئيس قطاع المسافات الطويلة بالسكك الحديدية لـ«الزمان»، أنه بالنسبة لتطوير وتحديث السكك الحديدية فى صعيد مصر، فهناك عدة محاور منها تطوير منظمة المزلقانات وغيرها من السيموفيرات، الخاصة بالأنظمة الإليكترونية لفتح وغلق المزلقانات، وذلك من أجل الحد من حوادث القطارات، فضلًا عن تغيير قضبان السكك الحديدية بشكل كامل خلال الفترة المقبلة.
وقال اللواء عادل ترك رئيس هيئة الطرق والكبارى لـ«الزمان»، إن هناك تطويرًا فى شبكات الطرق فى صعيد مصر، مشيرًا إلى أن نسبة ما يقرب من 50% من المشروع القومى للطرق يقع فى نطاق الصعيد، مشيرًا إلى أن توجيهات الرئيس السيسى بأن يتم ربط صعيد مصر بالقاهرة بشبكة طرق قوية جدًا، وهذا ما كنا نعمل عليه على مدار السنوات الماضية وأنجزنا ما يقرب من 60%، مشيرًا إلى أن طرق الصعيد والبحر الأحمر وقنا كلها طرق إقليمية أخذت مجهودات جبارة من أجل إنشائها والانتهاء منها، إذ تم الانتهاء من شبكة المرحلة الثالثة من الطرق فى نهاية يونيو، بتكلفة 8 مليارات جنيه.
اللواء عادل ترك-رئيس هيئة الطرق والكبارى
اقتصاد الصعيد الأشد فقرًا.. الاستثمار «حبر على ورق».. والصناعة خطط مستقبلية مع إيقاف التنفيذ
يعانى صعيد مصر من الإهمال طوال عقود طويلة، ما جعله أرضًا خصبة ليعيش فيه أكثر من 15 مليون نسمة يتذوقون مرارة الفقر، خاصة فى محافظات المنيا وأسيوط وسوهاج، وبالأخص أسيوط لكونها أفقر محافظات مصر، إذ يبلغ عدد الفقراء بها 58.1% لا يجدون قوت يومهم.
ويضم الصعيد أكثر 762 قرية من بين آلاف القرى الأشد فقرًا فى كافة أنحاء الجمهورية، فهناك 8% لا يحصلون على خدمات صحية، و21% من السكان لا يحصلون على مياه نقية، و12% من المبانى بلا كهرباء و15% بلا صرف صحى من أى نوع.
فى هذا الصدد، يقول الدكتور رشاد عبده الخبير الاقتصادى، إن تنمية الصعيد واجب قومى ويجب الاهتمام به، كونه من المناطق الأشد فقرًا، مشيرًا إلى أن هذا الأمر يرجع إلى زيادة عدد السكان، وارتفاع نسبه البطالة، وعدم خلق بيئة جاذبة للاستثمار.
وأوضح عبده أن القضاء على فقر الصعيد يلزمه إجراءات حازمة منها إنشاء مناطق صناعية بجانب تأسيس الشركات المختلفة، وتحسين الطاقة، وخلق امتيازات للشباب ومساعدتهم.
وأضاف أنه كلما ارتفع نسبه الفقر فى الصعيد، ازدادت المناطق العشوائية بها، مؤكدًا أن المبادرة التى أطلقها الرئيس السيسى، التى كانت خلال احتفالية عام الشباب، والتى تضمنت ضخ 200 مليار جنيه لدعم مشروعات الشباب بقيمة فائدة 5%، لم يصل منها جنيه واحد لدعم المشروعات الشبابية متناهية الصغر فى الصعيد، أملًا فى إيجاد الحلول طويلة الأمد.
الدكتور رشاد عبده-الخبير الاقتصادى
كما عانت محافظات الصعيد على مدار أكثر من 30 عامًا من الفقر والتهميش والاستبعاد من خطط الدولة الاستثمارية وتوزيع المشروعات خارج الجنوب، لكن الحكومة بدأت تتجه نحو تنمية «الجنوب المنسى»، من خلال إعادة طرح الأراضى بالمجان فى الصعيد، والتعهد بمنح مزيد من الحوافز لجذب الاستثمارات.
واعتبر مستثمرون افتتاح الرئيس السيسى محطة الكهرباء بأسيوط بمثابة الإشارة لبدء الاتجاه نحو تنمية الصعيد، فى الوقت الذى يواجه به المستثمرون العديد من المشكلات أبرزها التراخيص الصناعية والأراضى المرفقة، فضلًا عن التمويل والتسويق، بالإضافة إلى عدم توفر رخص التشغيل ودعم الصناعات الصغيرة والمتوسطة بالصعيد.
على الجانب الآخر يرى الكثيرون أن تلك المعوقات ما هى إلا حجج واهية من رجال أعمال مصريين يرفضون الاستثمار فى الصعيد، رغم وجود العديد من الفرص الاستثمارية، لعل أبرزها «المثلث الذهبى» أو مشروع مثلث التنمية فى صعيد مصر، الذى يسهم فى استغلال مساحة 840 ألف فدان، إذ يتضمن إنشاء مجمع صناعات جديدة تدفع حركة التنمية بالصعيد لتعظيم حجم الاستفادة من كنوز مصر فى تلك المنطقة.
كما يتضمن كذلك إقامة مركز اقتصادى لوجيستى قائم على الأنشطة التعدينية بتلك المنطقة، حيث تضم منطقة المثلث الذهبى مخزونًا معدنيًا هو الأكبر فى العالم من الفوسفات والمنجنيز والذهب والكروم والتنجستين والزنك والرصاص والكبريت والبوتاسيوم والجرانيت بأنواعه والأحجار الكريمة.
فى سياق متصل، قالت الدكتورة بسنت فهمى، عضو اللجنة الاقتصادية بمجلس النواب، إن مصر تعيش قرابة الـ60 عامًا الماضية من المركزية، إذ تم التركيز على العاصمة ومدينة أو اثنتين فقط، وتجاهلنا الصعيد.
وأضافت فهمى أن مسألة تنمية الصعيد لم تعد رفاهية، بل أمر يجب تفعيله، وذلك من خلال الاهتمام بالبنية التحتية وتطوير الصرف الصحى والطرق، مضيفةً أن الزراعة هى مصدر رزق أغلب أهالى الصعيد وأن المساحة الزراعية فى الصعيد لم تزدد بعد، بالإضافة أن الصعيد الآن غير قابل للعيش الآدمى، مشيرةً إلى أن تطوير الصعيد من مصلحة الدولة المصرية وليس للصعيد فقط.
وتابعت: من مزايا تطوير الصعيد أنه سيكون مزارًا سياحيًا هامًا، بالإضافة أن من محافظات الصعيد محافظات حدودية فبتطويرها يعطينا الأمن والسلامة لحدودنا.
الدكتورة بسنت فهمى-عضو اللجنة الاقتصادية بمجلس النواب
وقال النائب عبدالرحمن برعى وكيل لجنة الزراعة والرى بالبرلمان والنائب عن محافظة بنى سويف، إن محافظات الصعيد تفتقر للكثير من حقوقها، موضحًا أن فرص العمل فى محافظات الصعيد قليلة جدًا ولا يوجد بها استثمارات ولا مشروعات متوسطة، مشيرًا إلى أن مشروع المليون ونصف المليون فدان تحت رعاية الرئيس عبدالفتاح السيسى لم يستفد به ولم تشارك فيه محافظات الصعيد.
ومن جانبه قال النائب أحمد شمروخ عضو مجلس النواب عن محافظة المنيا، إن محافظات الصعيد مهمشة ولا يوجد اهتمام بها من جهة المسؤولين، فلا يوجد اهتمام بالصناعة ولا يوجد هناك مدن صناعية ولا مشروعات صغيرة ومتوسطة، ولا يوجد استثمار حقيقى فى محافظات الصعيد.
وقال النائب معتز محمد محمود، نائب دائرة قوص بمحافظة قنا، إن الصعيد يعانى نقص العديد من الخدمات من الصحة والتعليم والصرف الصحى، فضلًا عن ضعف النواحى الاقتصادية، مؤكدًا أنه لا توجد تنمية حقيقية فى صعيد مصر وهو ما يؤدى إلى سيطرة الأفكار المتطرفة على معظم الشباب.
وأشار نائب دائرة قوص، إلى أنه يحب الاهتمام بالبنية الأساسية للصعيد، الذى سيعمل على توفير فرص العمل للشباب، وبالتالى القضاء تمامًا على كل ما يمكن أن يلقى بهؤلاء فى براثن التطرف أو الانحراف.
كما طالب الحكومة برفع المستوى الاقتصادى للصعيد، وخلق فرص عمل للمستثمرين، لافتًا إلى أن مجلس النواب الحالى وضع تطوير الصعيد على خريطة اهتماماته، وأن ذلك الأمر سيحدث قريبًا.
فيما قال أحمد يوسف إدريس، نائب دائرة الأقصر، أعترف بأننا لم نقدم كمجلس حالى أى شيء للصعيد، ولكن أغلبية المجالس السابقة لم تقدم شيئًا كذلك، مضيفًا: «نعلم أن الصعيد يعانى من مشاكل فى التعليم لا حصر لها، وأيضًا مشاكل البطالة، وتهجير العمالة، ومشاكل الصحة التى لا تنتهى، والطرق والنقل، لكن نعمل إيه.. فى انتظار الحكومة».
ووعد إدريس أهالى الأقصر بأنه سيتم إدخال الغاز إلى المنازل، بالإضافة إلى إدخال الصرف الصحى للمدينة، وهناك مشاريع استثمارية كثيرة قريبًا ستظهر فى المحافظة.
أما جمال عبدالعال، نائب دائرة أبو تشت بمحافظة قنا، فأكد أن أغلب المشكلات التى تعانى منها محافظات الصعيد، تعانى منها كل محافظات مصر، مضيفًا أن النواب يتحركون وفقًا لمتطلبات الدائرة أو المحافظة، إذ نقوم بتقديم الاستجوابات.
وأشار عبدالعال إلى أن تغيير وإصلاح الصعيد سيحدث قريبًا، ولكن الأمر يحتاج إلى وقت، منوهًا بالدور الذى يقوم به فى خدمة أبناء دائرته، إذ تم معالجة مياه الشرب عن طريق إنشاء العديد من محطات التنقية، بتكلفة تصل إلى 80 مليون جنيه، بالإضافة إلى إنشاء مركز طبى على مستوى عالٍ بقرية سمهود.
الصعيد بلا خدمات.. وقرى يسكنها الأشباح
ظاهرة العشوائيات باتت شبحًا يضرب محافظات مصر عامة، والصعيد خاصة، ويبدو أن كل المحاولات التى تقوم بها الدولة تذروها الرياح.
فى هذا الصدد، صرح خالد عباس المستشار الفنى لوزير الإسكان، بأن الوزارة طرحت مشروع تطوير قرى الظهير الصحراوى، والذى قامت الدولة بالبدء فيه عام 2007، وذلك بهدف منع التعدى على الأراضى الزراعية، وكذلك لخلق عمق صحراوى لمحافظات الصعيد، إذ تم توزيع القرى بالشكل الآتى، ثلاث قرى بالفيوم، وهى عمر بن الخطاب والمحمودية الجديدة والريان، و6 قرى بالمنيا، البهنسا والعزيمة ومير وعزبة باشا قيلى العوامر، وبنى عديات البحريات، وتونة الجيل، ودشلوط، ومبارك وبنى شعران، و3 قرى ببنى سويف أيضًا، وهى بيا وسمسطا والقشن الجدد، و6 قرى بسوهاج و6 قرى بمحافظة قنا و4 قرى بمحافظة أسوان.
وأضاف عباس فى تصريحات خاصة لـ«الزمان»، لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل حصلت الإسكان على مبلغ 10 ملايين جنيه من قبل صندوق «تحيا مصر» لتطوير 10 قرى بالصعيد، إذ تم الانتهاء من أعمال شبكات مياه الشرب، وإنشاء وتطوير العديد من المدراس والمراكز الشبابية وتم رصف الطرق وإنشاء شبكة صرف صحى، مشيرًا إلى أن الوزارة قامت حتى الآن بتطوير 28 قرية بمعدل سكنى 8000 مواطن بكل قرية.
خالد عباس-المستشار الفنى لوزير الإسكان
بينما أكد متولى فانوس، أحد المواطنين بقرية بيت خلاف بمركز جرجا محافظة سوهاج، أن جميع القرى بالمحافظة ليس بها أى خدمات من كهرباء أو مياه للشرب، حتى أنه لا يوجد بها مراكز شرطة، إذ يسكن وسط المواطنين تجار المخدرات والهاربون من العدالة، فالقرية تسكنها الاشباح فقط، والمدرسة تبعد عن القرية بما يقارب 4 ساعات، ولا يستطيع أحد من المواطنين الوصول لتلك المدراس بالمركز، مما يساهم فى مزيد من الأمية فى مثل هذه القرى والنجوع.
وفى ذات السياق، يقول أحد قاطنى مركز البلينا بسوهاج، إن المناطق العشوائية خارج حسابات الحكومة، فلا مسؤول يفى بوعوده، ولا أحد يراقب حالنا، مؤكدًا أنهم يعيشون 8 أفراد فى مكان لا تزيد مساحته عن ستة أمتار، شاكيًا: «هو ده يرضى ربنا».
الهجرة غير شرعية تخطف كنوز الصعيد البشرية
كنوزٌ بشرية تُهاجرنا يومًا تلو الآخر، تطير إلى مختلف دول العالم هروبًا من الظروف الاقتصادية السيئة، وبحثًا عن «لقمة عيش» كريمة، رافعين اسم مصر وصورة العامل المصرى عاليًا، وإن فضلت تلك العقول المكوث هنا، فغالبًا ما تهجُ من الصعيد إلى محافظات الوجه البحرى بحثًا عن العمل.
لذا كان هناك توجيهات من الرئيس عبدالفتاح السيسى بالاهتمام بالتنمية الاقتصادية للصعيد وبناء المشروعات والمصانع، وتدريب الكنوز البشرية بها للاستفادة من طاقتها، وكشفت عنها وزير الهجرة وشؤون المصرين فى الخارج، السفيرة نبيلة مكرم، مُعلنة عن أن الوزارة بدورها تضع على جدول أعمالها عقد دورات تدريبية وتوعوية للشباب هناك.
وأكدت مكرم أن الصعيد من أكثر المحافظات تصديرًا للهجرة، مشددة على أن المصريين بالخارج امتداد طبيعى للأمن القومى المصرى، ولابد من اتباع الطرق القانونية للهجرة الآمنة، لافتة إلى أن الوزارة قامت بعدة زيارات لعدد من المحافظات الأكثر تصديرًا للهجرة للتوعية بمخاطر الهجرة غير الشرعية، وأن هناك تعاون بين الوزارات وبعض مؤسسات المجتمع المدنى للتدريب على حرف وافتتاح مشروعات توفر فرص عمل للشباب هناك.
كما كشف المهندس طارق قابيل، وزير الصناعة والتجارة، فى يناير الماضى، عن أن مشروع المثلث الذهبى سيجذب العاملين من خارج الصعيد، وهدفه تنميته وتقليل الهجرة منه، وأنه مشروع تنموى يخدم أكثر من 2 مليون عامل.
وفى ذلك السياق، قال خالد عيش، نائب رئيس الاتحاد العام لنقابات عمال مصر، ورئيس النقابة العامة للعاملين بالصناعات الغذائية، إنه بالنسبة للعمال الذين يتركون محل سكنهم للبحث عن فرصة عمل، تم مراعاتهم فى قانون العمل الجديد، فالبنسبة للعامل إذا توفرت له فرصة عمل بعيدة عن محل إقامته، فهناك بدلًا للاغتراب والسكن، قائلًا: «إحنا كدة عملنا زى ما العامل بيسافر.. لأنه لما بيغترب صاحب العمل بيوفر له السكن والطعام وهو ما كان يشجع أبناء قرى الصعيد على السفر».
وأوضح نائب رئيس الاتحاد العام لنقابات عمال مصر، أنهم سيضعون فى قانون العمل يُشجع صاحب العمل على جذب تلك العمالة من المناطق الأكثر فقرًا، ومنعهم من الهجرة إلى الخارج، مشيرًا إلى أن هناك فرص عمل كثيرة جدًا بمدينة 6 أكتوبر، والعاشر من رمضان، إلا أن المشكلة تكمن فى أنها تكون بلا سكن، متمنيًا أن يكون هناك إلزام لصاحب العمل بتوفير السكن والطعام للعامل.
خالد عيش-نائب رئيس الاتحاد العام لنقابات عمال مصر
ومن جانبه قال مجدى عبدالفتاح، مدير المركز العربى للدراسات والبحوث، إن الأسباب الحقيقة التى تدفع شباب الصعيد إلى الهجرة سواء كانت داخلية أو خارجية، هو غياب التنمية، وبالتالى ارتفاع معدلات الفقر، وقلة فرص العمل، موضحًا أن الشباب يكون لديهم أحلام مرتبطة بالحياة كالزواج وتكوين أسرة، لذلك تتسع دائرة الهجرة.
وأضاف عبدالفتاح، لـ«الزمان»، أن تفاقم أزمة هجرة أبناء الصعيد بدأت تظهر بعدما أصبحت الدول التى كانت تستوعبهم لا تستطيع استقبالهم، مثل ليبيا والتى كانت الدولة الأكثر استقبالًا لأبناء الصعيد، موضحًا أن هجرتهم الداخلية أيضًا تمثل خطورة كبيرة لو استمرت الصعيد دون تنمية حقيقية.
وأشار إلى أن الهجرة الداخلية تمثل خطرًا وتهديدًا للسلم الاجتماعى، لأن أبناء المحافظات الكبرى كالقاهرة والإسكندرية الأكثر استقبالًا لهم، سيشعرون بأن أبناء الصعيد يأخذون فرص عملهم و«لقمة عيشهم»، مؤكدًا أنه على الدولة سرعة التحرك فى بناء مشروعات ومصانع صغيرة لهم.
مجدى عبدالفتاح-مدير المركز العربى للدراسات والبحوث
العدالة الغائبة ... و«البقاء للأقوى».. فلسفة صعيدية تتحدى قضاء وأمن الدولة
يبدو أن غياب العدالة بالصعيد كانت أبرز الأسباب لاختطافه، وعزله عن الدولة، رغم ما تبذله من جهود لتنمية الوجه القبلى، ودعمه بالمشاريع التنموية الجديدة، فثقافة الصعيد تحت شعار «البقاء للأقوى»، واللجوء لاستعمال لغة القوة بدلًا من لغة القانون، أدت إلى انتشار التجارة الحرام داخل طياته بشكل ملحوظ، فانتشرت الجريمة وتجارة السلاح والآثار والمخدرات، وعلاوة على ذلك الثأر، الذى ليس له نهاية.
الثـــأر.. سلسال دم لا ينتهى
حوادث الثأر هى من أشهر موروثات الصعيد، التى تتوارثها الأجيال عبر العقود الماضية، فهو لا يسقط بالتقادم حتى لو ظل القاتل سنوات هاربًا، يبقى دم القتيل فى «رقبة أهله»، مما يفتح بابًا من سلسال الدم.
فى هذا الصدد، قال العميد محمود قطرى الخبير الأمنى، إن الثأر من الموروثات التى يشتهر بها أهل الصعيد، لذلك عملت وزارة الداخلية فى الفترة الأخيرة على تبنى عمليات الصلح بين العائلات، ويكون الأمر برمته تحت رعايتها منعًا لحدوث أى مناوشات.
وأضاف قطرى فى تصريحات خاصة لـ«الزمان»، أن مستوى التعليم الذى بدأ يتقدم فى الصعيد، أدى إلى قلة حوادث القتل من الأساس، ومن ثم قلت عمليات الثأر، مشيرًا إلى أنه لا يمكن السيطرة على هذا الأمر إلا من خلال فتح منافذ الحوار بين العائلتين المتخاصمتين وتقديم الكفن من الجانى.
العميد محمود قطرى-الخبير الأمنى
فى سياق متصل، أكد الدكتور إبراهيم حميدة أستاذ علم الاجتماع بمحافظة المنيا، أن عدم اقتناع الأهالى منذ عشرات السنين بالقضاء واللجوء للعدالة للحصول على الحقوق المهدرة كانت أحد العوامل التى ساعدت على انتشار الثأر فهى عادة مرتبطة بعدة عوامل أبرزها العامل الاقتصادى وعامل المكان، وهناك حوادث تشير إلى أن العامل الاقتصادى والخلاف على الميراث بين عائلتين أحيانًا أو خلاف بين جار وجاره بسبب حد الأرض كان السبب فى وجود ثأر يمتد لعشرات السنين.
وتابع حميدة: هناك مناطق ملتهبة بالصعيد كأسيوط بمعدل 160 خصومة ثأرية، وسوهاج بمعدل 100 خصومة ثأرية، وقنا بمعدل 80 خصومة، والمنيا بمعدل 75 خصومة، وبنى سويف بمعدل 70 خصومة ثأرية، وهى أرقام جمعتها من خلال بحث عن انتشار الثأر بالصعيد، وبعض هذه الخصومات تم حلها بمعرفة القيادات الأمنية والبعض الآخر لا يزال موجودًا ولعل السبب فى ذلك هو الخوف من العار كما يروج أهالى الصعيد.
تجارة السلاح.. الصعيد مركزها و30 مليار جنيه تكلفتها
يعد الصعيد مركزًا رائجًا لهذه لتجارة السلاح، إذ يتراجع دور الدولة ويتصدر العرف والقبلية المشهد، إذ يقول العميد محمود قطرى الخبير الأمنى، إن سبب كثرة الأسلحة فى الصعيد هى عمليات الثأر الموجودة هناك أضف إلى ذلك الحدود الجنوبية مع السودان مما يُسهل عمليات جلب الأسلحة إلى الصعيد لقربه من الحدود مع السودان.
وأضاف قطرى فى تصريح خاص لــ«الزمان» أن أحداث يناير جعلت من السلاح مطلبًا تحقيه سهل خصوصًا مع الفراغ الأمنى الذى حدث، مما أدى إلى عدم سيطرة الأجهزة الأمنية على المنافذ الحدودية للبلاد.
وتابع: القانون المصرى لا يسمح بحيازة هذا الكم الهائل من الأسلحة الثقيلة ولكن كل ما يسمح به هو سلاح خفيف يُعرف «بالطبنجة»، ولابد من عمل العديد من التحريات للكشف عن الشخص الذى سيسمح له بتصريح حمل السلاح والتأكد من عدم اتهامه بأى قضايا جنائية أو سلوك ضار للمجتمع من الممكن أن يضره بعد سماح القانون له بحمل السلاح.
واستطرد: الداخلية لم تقف مكتوفة الأيدى، ولكن قامت القوات بتوجيه ضربات موجعة لمافيا السلاح فى الصعيد حيث تم ضبط صفقة سلاح من السودان لصالح أكبر تاجر للأسلحة فى الصعيد بمركز دار السلام فى سوهاج، تضم 92 بندقية آلية، و43 جوالًا من البلاستيك، من الذخيرة بإجمالى 44 ألف طلقة نارية إلى غير ذلك من الضبطيات المستمرة من الوزارة.
العميد محمود قطرى
المخدرات وحلم السيطرة على تجارتها
شنت الأجهزة الأمنية بوزارة الداخلية حملات للحد من انتشار المواد المخدرة بالصعيد وأسفرت نتائج الحملات عن ضبط كميات كبيرة من المواد المخدرة، بالإضافة إلى زراعات البانجو والأفيون لمساحات كبيرة وظهور أنواع جديدة من المواد المخدرة والمنشطة.
وعندما تذكر التجارة الحرام فى الصعيد، يذكر عزت حنفى الذى عمل على زراعة مساحات شاسعة من الأفيون ومخدر الحشيش، الروايات الرسمية التى أعلنتها الداخلية تؤكد أن حنفى وعائلته استولت على 280 فدانًا من أراضى الجزيرة، وقاموا باستغلالها فى زراعة المخدرات.
فى هذا الصدد، قال اللواء محمد نور الدين مساعد وزير الداخلية السابق والخبير الأمنى الحالى، إن انتشار المخدرات فى الصعيد يأتى بسبب قربه من الحدود مع السودان، كما أن تجارة الجمال فى إحدى مراكز أسوان تلعب دورًا كبيرًا فى قدوم المخدرات منها كما أن الصعيد يعتبر أصل هذه التجارة ومن ثم يتم التسويق لها فى باقى المحافظات.
وأضاف نور الدين فى تصريحات خاصة لـ«الزمان» أنه من الصعب على أجهزة الأمن إغلاق مثل هذه الحدود وذلك نظرًا لطولها، ولا تستطيع أجهزة الأمن السيطرة على هذه التجارة إلا من خلال استخدام الطائرات وهذا مكلف جدًا ومرهق لموازنة الأمن.
اللواء محمد نور الدين-مساعد وزير الداخلية السابق
الآثار.. حلم الثراء السريع يضيع تاريخ أمة
تجارة الآثار أو حلم الثراء السريع ذلك الحلم الذى يراود جميع المواطنين فى الصعيد، فهم يحلمون بالكنز الدفين تحت منازلهم، والبعض منهم يُكرس حياته لهذا الأمر، إذ اعتبر اللواء سامح أبو هشيمة الخبير الاستراتيجى العسكرى والأستاذ بأكاديمية ناصر العسكرية، أن رواج تجارة الآثار فى الصعيد يرجع إلى قصور كافة أجهزة الدولة وليس الأجهزة الأمنية فقط، لأن الدولة عليها أن تقوم باكتشاف المناطق التى بها آثار ولكن الدولة لا تقوم بذلك، مؤكدًا أن سبب انتشار تجارة الآثار فى الصعيد، خاصة محافظتى قنا وسوهاج.
كما ناشد أبو هشيمة، وزارة الآثار بعمل إدارة خاصة تقوم بعمل مسح للأماكن المحتمل تواجد مناطق أثرية بها، مشيرًا إلى أنه من الناحية الأمنية يجب أن يتم تغليظ العقوبة على كل من يثبت تورطه فى التنقيب على الآثار أو يتم ضبطه متلبسًا باستخراجها، مشددًا على دور المباحث الجنائية، وأنها يجب أن تكثف إجراءاتها الأمنية للحصول على معلومات تساعد فى القبض على هؤلاء قبل حدوث الجريمة.
اللواء سامح أبو هشيمة-الخبير الاستراتيجى العسكرى
وفى سياق متصل، أكد الدكتور مهدى رحيم أستاذ القانون، أن غياب العدالة يؤدى إلى انتشار الجريمة، وعملية التنقيب عن الآثار بشكل غير شرعى وخارج مظلة الدولة هو عمل إجرامى، وسبب انتشاره هو عدم دراية أهل الصعيد بخطورته على تاريخ الدولة إذ يتم بيع تلك الآثار إلى البعثات الأجنبية التى تتولى تهريبها للخارج، وإذا ما توافرت المعرفة لأهل الصعيد بخطورة ذلك الأمر لما قاموا به.
الفن والرياضة.. بوابتا الخروج من أزمات الصعيد
«فن الصعيد».. لا يوجد من يعبر عنه واللهجة الصعيدية ما زالت أزمة
حرصت السينما المصرية والدراما التلفزيونية، منذ بدايتها على تواجد أعمال تهتم بأهالى الوجه القبلى، إذ تعكس تلك الأعمال الواقع الذى يعيشه أبناء الصعيد، من مشكلات وهموم، والحق أنه كما تواجد أعمال ركزت على جوانب مشرقة فى حياة رجل الجنوب، كفيلم «صراع فى النيل»، الذى يعد أول عمل استطاع أن يبرز النقل النهرى ومدى مشقته، وكذلك فيلم «بطل من الصعيد»، الذى يتناول مدى الأمانة التى عليها الرجل الصعيدى والتى لم يقدرها أهل الحضر، وتتواجد كذلك أعمال ركزت على الجوانب السلبية كفيلم «الجزيرة»، الذى ناقش قصة حقيقية يعيش فيها الكثير من قرى الصعيد من حيث الثأر والمخدرات وتجارة السلاح.
فى هذا الصدد، قال الناقد الفنى طارق الشناوى، إن جميع الأعمال التى تناولت الصعيد لم تبرز حقيقته، مؤكدًا أن هناك أعمالًا لم يقم بها صناع السينما أو الدراما التلفزيونية حتى الآن لأهالى الصعيد .
وأضاف الشناوى فى تصريحات خاصة لـ «الزمان»، أن معظم القصص الحقيقية التى حدثت فى الصعيد عندما تم إنجازها فى عمل تلفزيونى شوهت تمامًا، وذلك لأن المخرج والمؤلف أضافا الكثير من الخيال على الأحداث ليصبح عملًا يجذب المشاهدين، موضحًا أن الأعمال التى حصلت على أعلى نسب مشاهدة فى صعيد مصر، هى الأعمال التى جسدها نجوم العمل بشكل جيد من خلال نطق اللهجة الصحيحة، وتجسيد الدور بشكل دقيق.
الناقد الفنى-طارق الشناوى
وفى سياق متصل، أكد الناقد الفنى الدكتور وائل النجمى، أن مسلسل «سلسال الدم» نجح فى التعبير عن الواقع فى صعيد مصر، أكثر من أى عمل درامى آخر، إلا أن الخطأ الذى وقع فيه كاتب المسلسل أنه عمم واقع العمل على الصعيد بأكمله، فالصعيد ليس كتلة واحدة.
وأضاف النجمى أن الدراما الصعيدية مكسب لمصر، والعالم العربى كله ينجذب إليها، مطالبًا بإنشاء فرع لمدينة الإنتاج الإعلامى، وأكاديمية الفنون المسرحية فى الصعيد وقنا، تحديدًا من أجل اكتشاف المواهب والاستعانة بهم فى هذه المسلسلات.
الرياضة فى الصعيد بين التطلعات والتحديات
الرياضة أهم وسائل الترويح بالنسبة للمصريين، خاصة صعيدها الشغوف بــ«الجسم السليم» لذا حرصت وزارة الشباب والرياضة على تقديم كل ما بشأنه أن يرضى أبناء الوجه القبلى، وكانت الانطلاقة من خلال مراكز الشباب، والفعاليات الرياضية المختلفة، بالإضافة إلى دعم أندية الصعيد والمؤسسات المعنية بالشأن الرياضى.
نالت أندية الصعيد جزءًا كبيرًا من موازنة وزارة الرياضة، و تم توجيه الجانب الأكبر منه لتنمية البنية التحتية، وذلك من خلال دعم مراكز الشباب وإنشاء ملاعب «خماسى» فى العديد من المناطق خاصة القرى المحرومة من الخدمات الرياضية، بالإضافة إلى جانب التوسع فى استغلال ملاعب كرة القدم الموجودة فى المدارس لفتح الباب أمام الشباب لممارسة اللعبة.
وعلى الرغم من هذه الإنجازات إلا أن اتساع رقعة مساحة محافظات الصعيد، والكثافة السكانية، جعلت من الصعب أن تفى كل هذه الإنشاءات باحتياطات القطاع الكبير من أبناء الصعيد.
وعلى مدار التاريخ قدم الصعيد العديد من الأسماء للرياضة المصرية وأبرزها أحمد حسن عميد لاعبى العالم لكرة القدم، وعلاء إبراهيم، وعماد النحاس، ووليد سليمان، وأحمد عبدالباقى، وهشام عبدالرسول، وشديد قناوى وأولاده، وعماد النحاس وغيرهم.
ويثق أبناء الصعيد وبشدة فى أن دورهم الوطنى يحتم عليهم تحمل المصاعب المتعلقة بممارسة الرياضة كنوع من المساهمة فى بناء الوطن والتقدم بمصر نحو آفاق جديدة فى ظل متغيرات عديدة تتطلب من جميع أبناء الوطن التكاتف من أجل العبور إلى بر الأمان.
3 براكين باسم الدين تفجر قرى الصعيد
إن ما يعانيه الصعيد من أمية وتسرب من التعليم، مكّن العديد من الحركات والجماعات هناك من السيطرة على عقول الكثيرين منهم باسم الدين، بل وفتح آفاقًا للإرهاب والتطرف، فكثيرًا ما نسمع عن حوادث الفتن الطائفية هناك، وآفاقًا أخرى للتشيع والصوفية الشاذة، هذا الأمر ينذر بالشر والخطر المحدق على أهالى الصعيد، إذا ما ظل الوضع على ما هو عليه دون رقيب يمنعهم، أو رادع يدفعهم.
بدأ الفكر المتشدد بالصعيد مطلع العام 1988 وبالتحديد محافظة قنا على يد أحد ابناء الرعيل الأول للجماعة وهو الشيخ على ياسين الذى عرف عنه تشدده من خلال الخطب والدروس التى كان يلقيها على أبناء قريته وسرعان ما عاونه مجموعة من الأفراد لنشر فكر الجماعة بمحافظات أسيوط.
فى سياق متصل، أكد سعد ربيع المنشق عن الجماعة الإسلامية لـ«الزمان»، أن التاريخ خير دليل على أن الصعيد مختطف بواسطة الجماعات الإسلامية، التى ظهرت بعد اغتيال الرئيس السادات.
وأضاف ربيع: كانت تلك الحادثة كافية لتجنيد مئات الشباب للقيام بعمليات إرهابية، منها تصفية رجال الشرطة، وذلك بدعوى أنهم يشرفون على تعذيب إخوانهم داخل السجون.
وتابع: تطورت الجماعات المتطرفة داخل الصعيد بتطور وسائل الاتصال واستخدام الإنترنت، وبدأوا يتواصلون مع الشباب من جميع المحافظات، لنشر منهجهم، خاصة بعد أن سيطروا على الزوايا والمساجد غير الخاضعة لسيطرة وزارة الأوقاف، ورفعوا شعار «باقية وتتمدد».
بات تفشى وباء الجماعات الإرهابية أمرًا حتميًا فى مجتمعاتنا العربية، وذلك يرجع لأسباب عديدة وكثيرة، منها عدم الوعى الدينى، انتشار السلاح، وظروف اقتصادية، جعلت البعض عرضة للشراء والبيع.
وفى محاولة جديدة لتنظيم داعش الإرهابى، وبعد تمكنه من إنشاء كيان ولاية سيناء فى مصرنا الحبيب، بدأ التخطيط كذلك لإنشاء ما يسمى بولاية الصعيد، هذه المحاولات الحثيثة بدأت منذ أواخر يوليو 2016، وبدأت تتبلور فى ديسمبر من العام ذاته، وذلك لكثرة انتشار السلاح فى الصعيد.
وفى هذا الصدد، أوضح نبيل نعيم مؤسس تنظيم الجهاد سابقًا، أن تنظيم داعش الإرهابى متغول وبقوة داخل الصعيد وسبق أن حاول تأسيس ولاية هناك ولكن الضربات الأمنية حالت دون ذلك.
وأضاف نعيم أن ما يجعل الصعيد بيئة خصبة لمثل هذه التيارات والجماعات، تعاطف الأهالى مع كل ما هو متعلق بمظاهر الدين.
وتابع: بعض العائدين من ليبيا وسوريا استقروا فى الصعيد بدلًا من سيناء، التى طهرها الرئيس من التنظيمات الإرهابية وبالتالى لجأوا إلى الصعيد باعتباره ملاذًا آمنًا.
وعلى صعيد آخر، قال سامح عيد، الباحث فى شؤون الحركات الإسلامية، إنه من الصعب ديموجرافيًا تكوين ولاية فى الصعيد تابعة لتنظيم داعش، وذلك لأن الصعيد به كثافة سكانية مرتفعة بخلاف الوضع فى سيناء، علاوة على أن القبائل البدوية هناك بينها عداء مع قوات الأمن.
وأضاف عيد فى تصريحات خاصة لـ«الزمان»، أن ما يصعب من مهمة داعش فى الصعيد، عدم وجود تلك المساحات الجبلية المنتشرة فى سيناء، بالإضافة إلى تلك القبضة الأمنية الشديدة فى الصعيد، والتى تجعل من الصعب تكوين كيانات إرهابية، وإنما من الممكن تنفيذ عمليات فردية وفقًا للاستراتيجية الداعشية المعروفة باسم «الذئاب المنفردة»، أو تكوين خلايا ضعيفة لا يزيد عدد من فيها على أصابع اليد الواحدة.
سامح عيد-الباحث فى شؤون الحركات الإسلامية
الفقر والعوز أسلحة الشيعة لغزو الصعيد
أصبح التشيع ظاهرة نخشى فى يوم من الأيام أن تغزو قرى الصعيد، خاصة أن الأمر بدأ فى التوسع والانتشار بين أبناء الوجه القبلى، إذ يقول الشيخ متولى إمام مسجد الصديق بأسيوط، إنه بدأت العديد من الطرق الصوفية الشاذة، منذ عامين، بتجنيد العديد من المواطنين الفقراء، الذين تحولوا بعد فترة وجيزة إلى أثرياء، وعند البحث عن سر هذا التحول، وجدنا أن بعض الموالد التى تقام بأسيوط تمول من الخارج، ويحصل هؤلاء على نسبة من التمويل.
وأضاف متولى فى تصريحات خاصة لـ «الزمان»، أن هناك كذلك مواطنين انضموا إلى إحدى الطرق الصوفية المحظورة، والتى تسمى بــ«الطريقة البرهانية»، وتم تدريبهم فى الخارج على طرق إحياء الموالد بالصبغة الشيعية، بل وجذب المواطنين البسطاء من أجل أن ينضموا للمذهب الشيعى، وكانت من تلك البلدان التى سافروا إليها لبنان وإيران.
وأشار إمام مسجد الصديق إلى أنه عقب عودة هؤلاء من الخارج ظهر عليهم علامات الثراء إذ قاموا بشراء أراضٍ وعقارات، بل وكذلك بنوا العديد من المساجد التى أخذوا يمارسون فيها مظاهر التشيع، حيث يضعون تربة أسفل جبينهم عند كل صلاة، تسمى «تربة كربلاء».
وفى سياق متصل، يروى أحمد عتريس، إمام مسجد بقرية شطب بأسيوط، أن هناك خمسة أشخاص يدعون أهالى المدينة إلى اعتناق المذهب الشيعى، مقابل تقديم المساعدات المادية، وبالفعل يستجيب القاطنون بالمدينة لهم، حتى استطاعوا تكوين عريضة من الجماهير لا يمكن الاستهانة بهم.
ويبدو أن الأمر لم يقتصر على أسيوط فقط، بل امتد ليشمل كلًا من المنيا وسوهاج وقنا، إذ بات التشيع المادى يظهر جليًا فى محافظات الوجه القبلى، والسر فى ذلك يرجع إلى أمر واحد فقط، وهو الظروف الاقتصادية الطاحنة التى يمر به هؤلاء.
المرأة الصعيدية.. ضاقت عليها الأرض بما رحبت
تعانى المرأة فى الصعيد من التهميش على مدى سنوات طويلة، وتواجه العديد من المشاكل والمعوقات، مثل الحرمان من الميراث، وحق اختيار الزوج، والحرمان من التعليم والختان والعنف الأسرى، والحرمان من المشاركة فى الحياة السياسية والخروج للعمل.
ولعل أبرز هذه المشكلات والتى أصبح من المستحيل حلها، حرمان المرأة من ميراثها، الذى يعد عرفًا شائعًا فى محافظات صعيد مصر، كما أنه من أحد الأسباب الهامة فى النزاعات بين العائلات الكبرى التى لديها أملاك وأراضٍ زراعية، خوفًا من تفتيت الملكية أو ذهابها إلى العائلات الغريبة، فبعض