«الزمان» تخترق قرى ذبح الحمير بالجيزة
«البغاغدة وأبوغالب».. قريتا مجازر الحمير.. وشحنات اللحوم تنتظر رمضان
رئيس التفتيش: الجزارون يستخدمون أختامًا مزورة
أهالى قرية البغاغدة: الغلاء وراء المذابحلا يمر علينا يوم دون أن نسمع خبرًا عن إلقاء القبض على صاحب محل شهير يقدم لحوم الحمير للزبائن، حتى تعودنا على هذه النوعية من الأخبار، فلا يوجد مواطن فى مصر لم يتناول لحم الحمير - غنيًا أو فقيرًا- على حد سواء، فباتت أزمة تؤرق الجميع، فلا ندرى ماهية اللحمة التى نشتريها من الجزار هل هى لحوم طبيعية أم من لحوم الحمير.
الأزمة انتشرت بقوة خلال السنوات الخمس الماضية، فلم يعد باليد حيلة سوى الكشف عن أماكن ذبح تلك الحمير بعد أن تحولت إلى مهنة لتحقيق الثراء السريع.
فى السطور التالية، تستعرض «الزمان» وفى ضوء معلومات حصلنا عليها، تحول قريتين من قرى الجيزة إلى الاتجار فى لحوم الحمير وذبحها ومن ثم توزيعها على المحال التجارية كالتى تبيع اللحوم المجمدة «البرازيلى» والمطاعم.
أبوغالب
واحدة من قرى مركز إمبابة بمحافظة الجيزة والتى تقع بالقرب من فرع النيل وعلى مسافة أقل من 4 كيلومترات عن محافظة المنوفية فلا يفصلها عن مدينة أشمون سوى فرع النيل، ومن خلال «المعدية» ينتقل الأهالى من مدينة أشمون بالمنوفية إلى قرية أبوغالب، وتعتبر تلك القرية من القرى التى تعتمد فى الأساس على الزراعة، وذلك قبل أن يتسلل إليها بعض اللصوص الذين امتهنوا سرقة المواشى من محافظة المنوفية، ومن خلال «المعدية» يتم تهريب المسروقات إلى البر الآخر مما يجعل العثور عليها أمرًا أشبه بالمستحيل.
محمود العزباوى، من أبناء القرية يروى لـ«الزمان» تفاصيل تحول بعض الأماكن بالقرية إلى سلخانات لذبح الحمير، قائلًا: خلال العام الماضى فوجئت بأكثر من 10 رؤوس لحمير مذبوحة وملقاة بالنيل وكانت مباحث التموين وقتها تشن حملات على المحال التجارية، وكانت قد ضبطت كميات من لحوم الحمير، وهو ما دفعنى إلى الربط بين تلك الرؤوس التى عثرت عليها وبين الضبطيات التى تقوم بها الحكومة فى ذلك الوقت.
وتابع العزباوى: بعد أيام سمعنا خبر إلقاء القبض على شخص من مدينة أشمون بالمنوفية اتخذ من القرية مكانًا آمنًا لذبح الحمير بعد أن يقوم بشرائها من «سوق الأربعاء» التى تقام أسبوعيًا بمدينة أشمون، ومن ثم يقوم بنقل الحمولة إلى القرية وذبحها بمعاونة آخرين، ولم يكن الوحيد الذى يقوم بهذه العملية بل هناك العشرات تحولوا إلى الاتجار فى لحوم الحمير لتحقيق الثراء السريع.
رواية أخرى حصلنا عليها، من أحد سكان القرية، ويدعى سمير بيومى، قائلًا: لا توجد سلخانات للحمير بالمعنى الحرفى ولكن هناك أشخاص جاءوا من خارج القرية من مدن أخرى ومن محافظات بعيدة مستغلين طيبة الأهالى بالقرية، ويقومون بذبح الحمير وهم معروفون ولكن لا يوجد دليل عليهم حتى الآن، إذ يقومون بهذه العملية فى وقت متأخر من الليل مستغلين فرع النيل للتخلص من بقايا الحمير التى لا فائدة منها.
وتابع بيومى: بعد عملية الذبح يتم توزيع اللحمة فى ذات الليلة لتجنب لفت نظر الأهالى ويقومون بتوزيعها على مستوى مراكز محافظة الجيزة بعيدًا عن القرية، فى حين يتم بيع جلود الحمير إما للمدابغ الموجودة بالجيزة والمنوفية أو بيعها لمصانع الصينيين التى تستغل تلك الجلود فى تصنيع الأحذية.
سوق الأربعاء
على الجانب الآخر، حاولنا رصد مصدر الحصول على الحمير بالنسبة لتجار لحوم الحمير بمحافظة الجيزة، إذ توفرت لدينا معلومات عن إحدى الأسواق التى تمثل مصدرًا حيويًا واستراتيجيًا لهؤلاء التجار وهى «سوق الأربعاء» التى تقام أسبوعيًا بمدينة أشمون التابعة لمحافظة المنوفية.
فى هذا الإطار، أوضح محمد زلابية أحد أبناء المدينة وتاجر حمير لـ«الزمان» أنه زاد الإقبال على الحمير بالفترة الماضية مما ساهم فى زيادة أسعارها بشكل ملحوظ، وكانت هناك شائعات تقول إن الصين تقوم باستيراد كميات كبيرة من الحمير لاستغلال جلودها، ولكن الحقيقة هو استغلال بعض التجار معدومى الضمير للأزمة الاقتصادية التى ضربت الدولة وترويج لحوم الحمير داخل محال الجزارة نفسها واعتمادهم على عدم وعى الأهالى بالفرق بين لحم الحمير واللحوم الأخرى.
وتابع زلابية: فى البداية كان الغرض من ذبح الحمير هو تصدير جلودها إلى الخارج خاصة الصين التى تستهلك كميات كبيرة من الجلود وكان سعر جلد الحمار أعلى من قيمته، وكان تجار الجلود يشترون الحمير المريضة والميتة، وتطورت المسألة حتى اختمرت الفكرة فى عقول البعض وبدلًا من إلقاء لحوم الحمير بالترع والمصارف كما فى السابق توجهوا لبيعها إلى المحال التجارية والمطاعم.
البغاغدة
البغاغدة إحدى قرى جنوب محافظة الجيزة، وتعد هذه القرية من أشهر القرى التى يتم سرقة الحمير من أهالى القرية هناك، وهو ما دفع عددًا كبيرًا من الأهالى لتشكيل دوريات خاصة لرصد أى عناصر غريبة عن القرية.
محمد أبو عوض، أحد أهالى القرى القريبة من قرية البغاغدة، قال لـ«الزمان» إن هذه الوقائع والحوادث الخاصة بذبح الحمير أصبحت جديدة على أهالى القرية، خاصة أنه قديمًا كان لا يحدث هذا الأمر إلا أنه بسبب الغلاء الفاحش حاليًا يلجأ بعض معدومى الضمير إلى الإقبال على هذه الفعلة الخسيسة، مشيرًا إلى أنه منذ بضعة أيام تمكنت قوات من مباحث الشرطة ووزارة الصحة من ضبط جزار يقوم بسرقة الحمير من الأسواق ليلًا ويقوم بذبحها، وقد تمكنت قوات الشرطة من ضبطه متلبسًا بذبح الحمير.
من جانبه، كشف الدكتور لطفى شاور، مدير التفتيش على مجاز اللحوم بمحافظة السويس سابقًا، لـ«الزمان»، أن هناك بعض الحيل التى يقوم بها الجزارون معدومو الضمير وهى وضع أختام مزورة على لحوم الحمير حتى يخدعوا المواطنين، وذلك من خلال ذبح الحمير فى أماكن مجهولة وبعدها يتم ختمها بالأختام المزورة، ويتم بيعها إلى المواطنين على أنها لحوم بلدية.
ولفت إلى أن أختام العوارض هى أختام مجزرية توضع على اللحوم البلدية فقط، وهى تخاطب الجهات الرقابية فقط من تفتيش لحوم أو تموين ووضعها على اللحوم يدل أن هذه اللحوم أو هذه الحالة من الذبح تمت تحت ظروف محسوبة ومقننة وقد تخالف القرارات الوزارية المنظمة لذبح وتداول اللحوم من حيث الوزن المسموح له بالذبح الخاصة العجول البقرى والجاموسى 400 كيلوجرام وفقًا للقرار 72 /2017 مثلًا أو السن القانونية للذبح مغيرة لجميع القواطع الأمامية فى حالة الإناث ماعدا الجمال والماعز.
وعن الإجراءات القانونية، قال إنه يتم تحرير محضر شرطة بأقرب قسم شرطة لسكن المربى لإثبات حسن النوايا بالتوجه إلى المجزر فى أثناء النقل، وتقديم طلب لإدارة المجزر عن كل حالة اضطرارية منفردة، ومعاينة الحالة والسماح لها بالدخول للمجزر بعد معاينة محضر الشرطة، والكشف على الحالة بلجنة مشكلة من مدير المديرية أو من ينوب عنها أو بواسطة اللجان الدائمة المشكلة بالمجازر المركزية لهذا الغرض.
وفى هذا السياق، أوضح الفقيه القانونى المستشار يوسف مبارك، أن قضية الاتجار بلحوم الحمير تندرج تحت بند الغش التجارى وبيع سلع غير صالحة للاستهلاك الآدمى ليس أكثر، وهى جنحة تصل عقوبتها وفقًا لقانون العقوبات المصرى ما بين سنة إلى 3 سنوات وغرامة مالية قد تصل إلى 10 آلاف جنيه، وهى تقديرية للقاضى حسب عقيدته وحسب وقائع الدعوة المنظورة أمامه، وفى الغالب يحصل المتهم على البراءة إذا لم يكن فى حالة تلبس فى أثناء ذبح الحمير.
أما أمجد عبدالعزيز، استشارى الطب البيطرى، قال إن هناك علامات نستطيع أن نميز من خلالها اللحمة العادية ولحم الحمير، وأهم سمة لمعرفة لحوم الحمير علاوة على لونها الغامق، وطعمها السكرى نتيجة وجود مادة الجليكوجين فى العضلات، وقلة محتواها الدهنى، وأليافها البارزة الخشنة، وأهم سمة هى ظهور بقع زيتية منفصلة على سطح الشوربة، لتصبح الشوربة أكثر كثافة ولزوجة عن المعتاد، وتكون منفصلة عن بعضها وليست متصلة، وتشكل مساحات دهنية نتيجة وجود الدهون.